icon
التغطية الحية

نقص كبير بالمساعدات الإنسانية.. الشمال السوري ينتقل من الإغاثة إلى التنمية

2024.04.05 | 05:39 دمشق

2345345
التحالف العملياتي يضع حجر الأساس لبناء مدينة سامز الطبية في منطقة باب الهوى شمالي إدلب
إسطنبول - باسل المحمد
+A
حجم الخط
-A

بات الاعتماد الدائم على المساعدات الإنسانية والسلل الغذائية مقلقاً بالنسبة لسكان الشمال السوري، حيث انخفضت المساعدات عبر الحدود بمقارنة شباط 2023 وشباط 2024 بنسبة 90%، وهي ذات نسبة العاطلين عن العمل في المنطقة التي يعيش فيها أكثر من مليوني نازح ومهجر في أكثر من 1200 مخيم. هذا الواقع المعيشي المنهار دفع المعنيين لإطلاق مبادرات استثمارية ومشاريع بنية تحتية وتعاف مبكر ورفع شعار التنمية.

أعلن برنامج الأغذية العالمي نهاية العام الفائت أنه سينهي برنامجه للمساعدات في سوريا مع مطلع العام 2024، وذلك بسبب أزمة التمويل التي أدت بالفعل إلى تقليص البرنامج لمساعداته، إضافة إلى أن المستوى القياسي للاحتياجات الإنسانية على مستوى العالم ترتب عليه عدم قدرة الجهات المانحة على تقديم المستوى نفسه من الدعم، واستثنى البرنامج بعض الفئات من هذا القرار منها الأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية.

مع نهاية العام 2023 ارتفعت أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في شمال غربي سوريا إلى 4.4 ملايين شخص (عدد سكان المنطقة 6 ملايين نسمة)، بزيادة قدرها 11% عن العام الماضي، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة بمقدار 17.3% حتى نهاية السنة الحالية، وفق فريق منسقو الاستجابة. كما ارتفعت نسبة المخيمات التي تعاني انعدام الأمن الغذائي إلى 88.7%، وتعاني 95.1% منها صعوبات في تأمين الخبز.

 

 

وفي أدنى انخفاض بعدد الشاحنات الإغاثية الواردة عبر المعابر الحدودية منذ عدة أشهر، بلغ عدد الشاحنات الورادة مع المعابر الحدوية الثلاثة مع تركيا خلال شهر شباط 2024 41 شاحنة فقط، في حين دخلت 456 شاحنة مساعدات عبر المعابر الحدوية الثلاثة خلال شباط 2023، وبالتالي فإن نسبة الانخفاض مقارنة بين الشهرين خلال العامين 2023 و2024 بلغت 91%.

وارتفعت حدود الفقر والجوع في مناطق شمال غرب سوريا إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق مقارنة بالأعوام السابقة لتصل إلى مستويات قياسية، إذ بلغ حد الفقر المعترف به إلى 10,843 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع 8,933 ليرة تركية.

هذا الواقع المعيشي يطرح أسئلة عن مدى قدرة المؤسسات الرسمية والمنظمات والهيئات العاملة في الشمال السوري على إيجاد طرق وخطط تسير بالمنطقة نحو التنمية والتمكين الاقتصادي بدل انتظار سلل المساعدات الإغاثية.

تحقيق بيئة استثمارية جاذبة

بهدف تنمية الشمال السوري اقتصادياً والإسهام في تحسين مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل، عُقد في مدينة الراعي في 17 كانون الأول الماضي "مؤتمر الاستثمار الأول في الشمال السوري".

وبحسب الهيئات المنظمة للمؤتمر فإنه يهدف إلى "إيجاد بيئة استثمارية جاذبة، وتقييم واقع الاستثمار في الشمال السوري وتحديد متطلباته، إضافة إلى تحفيز الطاقات الشابة للمبادرة في ريادة الأعمال".

 

 

هذه البيئة الجاذبة للاستثمار ورؤوس الأموال لا يمكن أن تتم دون تمكين منظومة الحوكمة في الشمال السوري، لكي تقوم بتنفيذ مهماتها الخدمية والإدارية بشكل كامل، وذلك بحسب نائب رئيس الائتلاف الوطني عبد المجيد بركات.

ويوضح بركات في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا أن تمكين الحوكمة وتعزيز العمل المؤسساتي في الداخل ينعكس بشكل أو بآخر على أداء هذه المؤسسات مما يؤثر إيجابياً على الحياة المعيشية للسوريين في شمال غربي سوريا، ويحقق بيئة اقتصادية جيدة من أجل تحقيق دورة اقتصادية متكاملة.

وقال بركات إن الائتلاف بدورته الحالية ركز على تجميع جهود السوريين أفراداً ومنظمات وجمعيات لتصب هذه الجهود في الحكومة المؤقتة لتعزيز أدائها الخدمي والإداري وحتى القانوني، وتجلّى ذلك بحسب بركات من خلال شبكات أنشأها الائتلاف الوطني، كشبكة رجال الأعمال، وشبكة منظمات المجتمع المدني، والشبكة القانونية التي تهدف إلى تعزيز الواقع القانوني في الشمال السوري.

من ناحيته يرى سونير طالب منسق العلاقات العامة في "المنتدى السوري" أن نجاح جلب أي استثمار أو مشروع اقتصادي جديد في المنطقة يحتاج إلى ضمان الاستقرار والأمان، وهذا يتطلب التعاون والتنسيق الفعال بين المجالس المحلية والسلطات الأمنية لطمأنة المستثمرين.

وأضاف طالب في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن وضع قوانين وإجراءات موحدة لتنظيم الاستثمارات وتسهيل الإجراءات الإدارية، من خلال توحيد عمل المجالس المحلية، سيكون له دور في وضع حد للفوضى الاقتصادية وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع تسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.

 

دور "التحالف العملياتي" في التنمية

في 25 آذار من العام الماضي بعد زلزال 6 شباط المدمر، أعلن المنتدى السوري والدفاع المدني والجمعية الطبية السورية الأميركية، في مؤتمر تم عقده في شمال غربي سوريا عن تشكيل "التحالف العملياتي" لتنفيذ مشاريع إعادة الحياة إلى المناطق المتضررة في مختلف القطاعات ضمن الاختصاصات المتعددة التي تعمل بها كل مؤسسة من المؤسسات المذكورة، والمساهمة في إعادة تأهيل المرافق الحيوية لتقديم الخدمات الأساسية للمدنيين على مستوى الصحة والتعليم والخدمات المعيشية الأساسية.

 

 

مشاريع التحالف العملياتي كانت طفرة في تنمية المنطقة ودعم سبل الحياة فيها وتحسين البنية التحتية، ومن أبرز منجزات التحالف: 

  • تأهيل طريق عفرين - كفرجنة بطول 9.5 كم: بدأ التحالف بالمرحلة الثانية من تأهيل الطريق، وأوضح نائب مدير الدفاع المدني السوري، منير مصطفى لموقع تلفزيون سوريا أن هذا المشروع يتم العمل عليه بالتوازي مع طريق الجسر الثالث في مدينة عفرين بطول 1650 متراً، وتبرز أهمية المشروع في كون الطريق هو الرئيسي الذي يربط منطقتي عفرين واعزاز ما يساهم بتخفيف أعباء التنقلات على المدنيين، وتسهيل نقل البضائع والحركة الاقصادية بين المنطقتين.
  • تأهيل سوق الهال في عفرين، الذي يشكل مركزاً حيوياً للنشاط التجاري والاقتصادي
  • ترميم ودعم 30 مدرسة، والتي أسهمت في توفير بيئة تعليمية آمنة وجذابة للطلاب
  • تنفيذ مشاريع صحية وحيوية مثل مشروع مشفى عفرين بمساحة 17 ألف متر مربع ومشروع مركز السرطان في بمساحة 6,000 متر مربع
  • وضع حجر الأساس لبناء مدينة سامز الطبية في منطقة باب الهوى شمالي إدلب، وتضم مدينة سامز الطبية المشفى الأكاديمي الذي يتسع لـ 450 سريراً، ومرافق تخصصية كمركز الأورام ومركز طب العيون، وتهدف إلى تقديم خدمات صحية شاملة للمجتمع، بالإضافة للاهتمام بالتدريب والتعليم الطبيين عبر مرافق تعليمية رائدة، ككلية الطب وكلية التمريض، ومرافق تعليمية متطورة كمركز المحاكاة، وسيتم تزويد هذه المرافق بأحدث التقنيات والتجهيزات لضمان تقديم رعاية صحية عالية الجودة، وأفضل خدمة تكاملية ضمن الاختصاصات المتعددة التي تعمل بها المؤسسات الثلاثة، في مجالات الصحة ومشاريع التعافي من آثار حرب النظام وروسيا والزلزال.

دعم المشاريع المحلية

عملت بعض المنظمات والمؤسسات الفاعلة بعد عام 2018، مع ظهور حالة استقرار نسبي في مناطق الشمال السوري على نشر فكرة المشاريع الصغيرة ودعمها، ونجح العديد من هذه المشاريع وعادت بالفائدة للمستفيدين منها.

من هذه المنظمات الداعمة كان "وقف اكتفاء" الذي عمل في العام 2023 على دعم عدد من المشاريع الصغيرة في القطاع التجاري، بهدف تطوير مشاريع مستدامة تسهم في تعزيز التنمية المحلية وتوفير فرص العمل.

وتأكيداً على أهمية القطاع الزراعي في دعم التمكين الاقتصادي، زودت منظمة "المنتدى السوري" المزارعين بـ 150 طناً من الأسمدة و 207 أطنان من بذور القمح لتحسين إنتاجهم، إضافةً إلى توزيع 4 آلاف ليتر من المبيدات وأكثر من 15 ألف ليتر من الوقود للري، ودعم أكثر من 16 ألف دونم من الأرض بالأسمدة والبذور والمبيدات لتعزيز الإنتاج الزراعي.

هذه المبادرة إلى جانب دعم المشاريع التي تقوم بها النساء، تأتي كدليل على الجهود المستمرة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية في المناطق المستهدفة، مع التركيز على دعم الأسر المحرومة وتمكين المرأة والشباب للمساهمة الفعّالة في تطوير المجتمعات المحلية، بحسب سونير طالب.

متطلبات التنمية

تتطلب التنمية الانتقال من دورة المشاريع القصيرة إلى دورة مشاريع طويلة الأمد، حيث أن جميع المشاريع القائمة حالياً مدتها من ستة أشهر إلى تسعة أشهر، وبعض المشاريع فقط تتجاوز السنة، بينما تحتاج التنمية إلى مشاريع بـ 3 سنوات لإتمام عملية الإنتاج والاعتماد على مخرجاته، وذلك بحسب نائب مدير الدفاع المدني منير المصطفى.

أما الشرط الثاني بحسب المصطفى فيتمثل بالانتقال لنقطة العمل على مشاريع تكاملية وليس مشروع القطاع الواحد؛ أي أن المشاريع يجب أن تعنى بسلسلة القيمة من البداية للنهاية، فالمشاريع الحالية تأخذ جزءا بسيطا من القطاع وهذا يعطي نتائج ناقصة وغير قابلة للبناء.

ويضرب المصطفى مثالا على ذلك في قطاع المياه، الذي يجب ألا يقتصر على الاستخدام البشري فقط، إذ لابد من أن يكون متكاملاَ بما فيه مشاريع الري والثروة الحيوانية وهذه المشاريع يتبعها تسويق ورأسمال وبنية.

وإلى جانب المشاريع التكاملية يشدد المصطفى على ضرورة وجود البنية التحتية، فالمشاريع التنموية بدون وجود هذه البنية لا يمكن أن تكون ناجحة أو ذات فعالية.

التحديات

تواجه خطط التنمية والاستثمار تحديات على عدة مستويات؛ فعلى الصعيد الداخلي يبرز التحدي الأمني، ونجحن قوات الشرطة والأجهزة المختصة في ضبط الاستقرار والأمان، ولا يمكن مقارنة الفلتان الأمني في العام الفائت عم كان عليه الوضع عامي 2018 و 2019، وهذا بحسب نائب رئيس الائتلاف عبد المجيد بركات يساهم في طمأنة المستثمرين ورؤوس الأموال الراغبة في فتح مشاريع في الشمال السوري.

وعلى المستوى الداخلي أيضاً وفي ظل تعرض مناطق الشمال لعدة خروقات من قوات النظام و"قوات سوريا الديمقراطية - قسد" يوضح بركات أن قوات الجيش الوطني تعمل على ضبط هذه الجبهات، وحماية مناطق الشمال من أي عمليات تسلل أو اعتداء.

أما على الصعيد الدولي فقد برزت العديد من الأزمات الإقليمية والدولية التي أثرت بشكل كبير على تعاطي المجتمع الدولي مع الملف السوري بشكل عام والملف الإنساني بشكل خاص، هذا التأثير تجلى بحسب بركات في العام الماضي عندما لم تلتزم الدول المانحة في مؤتمر بروكسل للمانحين سوى بـ 30 بالمئة من تعهداتها، مع توقع انخفاض هذه الالتزامات في مؤتمر بروكسل القادم.

وإلى جانب التحديات الأمنية يشير منير المصطفى إلى أن غياب التخطيط الاقتصادي، والبنية التحتية الضعيفة، إضافة إلى غياب القطاع المصرفي، الذي يشكل أساساً لعمليات التمويل وبناء الشراكات وتحفيز الاستثمار، كل هذه العوائق لا بد من تجاوزها للوصول إلى مرحلة التنمية.