نقابة المحامين السوريين في قبضة الجلاد

2019.11.28 | 10:19 دمشق

5555555555555555555555555.png
+A
حجم الخط
-A

تجددت مواجع الحقوقيين السوريين، وهم يقارنون انتخابات نقابة المحامين بلبنان التي جرت قبل عدة أيام، بما تزامن معها من انتخابات مسرحية أقرب للتعيين تم من خلالها اختيار من يشغل منصب نقيب المحامين في سوريا وأعضاء مجلس النقابة فيها.

في لبنان نجح أعضاء نقابة المحامين في بيروت بانتخاب نقيب مستقل من خارج الاصطفافات السياسية وفضلوه بكل حرية على منافسه الذي كان مرشحاً مدعوماً من القوى السياسية والميليشياوية اللبنانية مجتمعة.

أما في دمشق فالمهزلة أفضت لعملية (استلام وتسلم) من نقيب سابق للمحامين مقرب من المخابرات السورية إلى آخر جديد كان والده من القيادات البارزة في الأجهزة الأمنية لسنوات طويلة.

ومع أن هذا التصرف الحاصل في دمشق ليس بغريب على سلطة، طالما طوّعت النقابات المهنية في البلاد لتكون أحد الوسائل التي تمارس من خلالها استبدادها، وتكرسه، بقصد إحكام القبضة على البلاد ككل، فإن بعض المتفائلين كانوا يتوقعون أن يقدّم النظام نفسه ككيان قابل للتطور، وأن يصدر بعض المؤشرات الإيجابية التي تعيد تسويقه دولياً؛ عبر ترك هامش بسيط من الحرية للمحامين ليختاروا من يمثلهم في ترجمة للتعديلات التي أقرت ضمن دستور عام 2012.

وكان الدستور المشار إليه قد أخرج البلاد ظاهرياً من تحت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، كحزب يقود الدولة والمجتمع، وتم النص في المادة 154 من الدستور نفسه على أن تعدل التشريعات النافذة بما يتوافق مع أحكامه خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية، وهذا الأمر كان يستدعي أن تصدر تشريعات جديدة تنظم عمل مؤسسات الدولة والنقابات المهنية بحيث تتلاءم مع إلغاء المادة الثامنة، وهو الأمر الذي لم يتم حتى تاريخه في مخالفة صريحة للدستور من قبل نظام نثق تماماً أن الدستور عنده لا يساوي قيمة الحبر الذي كُتب به.

ما حصل إذاً هو أن هذا التعديل الإلغائي لسلطة الحزب على مفاصل الدولة، بقي حبراً على ورق، وبقي الحزب نفسه (بإشراف الاستخبارات طبعاً) يتدخل في كل شاردة وواردة.

ما حصل إذاً هو أن هذا التعديل الإلغائي لسلطة الحزب على مفاصل الدولة، بقي حبراً على ورق، وبقي الحزب نفسه (بإشراف الاستخبارات طبعاً) يتدخل في كل شاردة وواردة، واستمرت سيطرته على النقابات.

ويعود تاريخ التدخل الأسدي السافر في النقابات المهنية إلى عام 1981 عندما أظهرت النقابات ولاسيما نقابة المحامين مواقف رافضة للانتهاكات المذهلة التي ارتكبتها قوات النظام واستخباراته في الأحداث المعروفة (بأحداث الإخوان المسلمين)، حينها أدرك النظام أن من الضروري وضع اليد بقوة، وسرعة على هذه النقابات، خشية لعبها للدور المأمول منها في رفض الاستبداد؛ فصدرت صيف عام 1981 مجموعة تشريعات تنظم المهن، وتدّجن النقابات، وتجعلها تابعة لحزب البعث وكان من بينها القانون رقم 39 لعام 1981 الخاص بتنظيم مهنة المحاماة.

ومنذ سيطرة النظام على هذه النقابات، لم يصدر عنها طوال السنوات السابقة أي مواقف تتعارض مع خط، وسياسات النظام الأمني الاستخباري السوري، بل على العكس كانت النقابات وبالذات نقابة المحامين أداة طيّعة في يد الأسد، ومارست من ضمن ما مارسته دوراً قذراً في معاقبة معارضي الأسد من المحامين، بدلاً من الوقوف معهم بحكم كونها نقابة دورها الرئيسي الدفاع عن أعضائها.

في المرة الوحيدة التي كان يلوح فيها بريق أمل؛ عقد مؤتمر استثنائي على ما أذكر عام (2008) للبحث في تعديل قانون تنظيم مهنة المحاماة، وكنت ممن حضروه بحكم عضويتي في مجلس فرع نقابة المحامين بالحسكة آنذاك، وخرجنا بمشروع تعديل تضمن كثيرا من الاختراقات التي كنا نراها إنجازاً مثل إلغاء حق مجلس الوزراء في حل المؤتمر العام ومجلس النقابة ومجالس الفروع.

لكن بحكم تبعية النقابة للحزب فإن مكتب النقابات القطري غربل هذا المشروع، وعراه من كل تحسين توقعنا أننا عملناه، ليصدر لاحقاً القانون رقم 30 لعام 2010، في نسخة مشابهة لسابقه لجهة إتباع النقابة لسلطات النظام وأجهزته الحزبية والأمنية.

كان الأسد (الأب ومن ثم الابن) يدرك تماماً أهمية نقابة المحامين وما تشكله على الصعيد الحقوقي فعاملها بشكل أقسى من غيرها عبر تخفيض هامش الحرية في عملية اختيار المحامين لممثليهم في المركز وفي الفروع بالمقارنة مع سواها من النقابات فبقي العدد الأكبر من الناجحين في الانتخابات من المقربين من أجهزته الأمنية ولاسيما في المحافظات التي قد يستغل معارضوه فيها انتخابات النقابة ولاحقاً مؤتمراتها في إثارة قضايا حقوقية قد تسبب للنظام القليل من وجع الرأس.

أذكر هنا أن محامياً من فرع حلب- وربما لم يكن الوحيد- كان ذكياً بما فيه الكفاية؛ ليدرك أن السفر إلى القاهرة لحضور فعاليات مؤتمر اتحاد المحامين العرب عام 2003 هو فرصة للربح.

لكنه في الوقت عينه كان يعرف تماماً أن الطابع العام لمن يشغلون عضوية مجلس النقابة، ومجالس الفروع؛ بحكم وضع قوائم الناجحين سلفاً من قبل فروع حزب البعث، هو النفاق والارتزاق لدى مخابراته، فسمح لهم، بل وشجع مشاركتهم الواسعة في المؤتمرات التي كان يقيمها اتحاد المحامين العرب، شجعهم وهو يعلم أن هؤلاء الذين سيسافرون إنما هم أدوات ستلمع صورته في الأوساط الحقوقية العربية، وهذا ما حصل دائماً، فالوفد السوري الذي كانت رئاسة الجمهورية تخصص له عدة طائرات لنقله مجاناً إلى مكان انعقاد المؤتمر، كان يحول هذا المؤتمر إلى ساحة لتلميع صورة (المحامي الأول) والهتاف بحياته بدلاً من الاستفادة من جلساته لاستعراض حالة الحريات في الدول العربية، وتوجيه رسائل صارمة للحكومات، والتنديد بممارساتها الاستبدادية.

أذكر هنا أن محامياً من فرع حلب- وربما لم يكن الوحيد- كان ذكياً بما فيه الكفاية؛ ليدرك أن السفر  إلى القاهرة لحضور فعاليات مؤتمر اتحاد المحامين العرب عام 2003 هو فرصة للربح، فاصطحب على متن إحدى الطائرات التي خصصها رأس النظام لنقل الوفد السوري حقيبتين كبيرتين مليئتين بالثياب الداخلية النسائية ليبيعها في مصر، ويجلب بدلاً عنها البضاعة المصرية التي قد تجد رواجاً في سوريا، كان الرجل يعرف أن مشاركته لن تقدم ولا تؤخر، فهو ناعق ضمن ناعقين ذاهبين ليرفعوا صورة الأسد، ويصفعوا بها عيني كل حقوقي كان يتألم لحال الحريات في بلد استولى عليه نظام مجرم، استباح كل شيء بما فيه الدستور والقوانين والسلطة القضائية والنقابات وجعلها أدوات يقوي بها استبداده القذر.

واليوم وبما أن اللجنة الدستورية تتابع جلساتها في سويسرا فإن بعض(المتفائلين)يعولون على من فيها من حقوقيين؛ كي يسعوا لتمرير مادة تخرج النقابات المهنية من تحت يد النظام الحاكم أياً كان شكله المستقبلي، وتعيد لها دورها الذي يليق بها.

أقول هذا رغم عدم تفاؤلي بقدرة اللجنة على إحداث أي خرق، لأن تركيبة اللجنة، وآليات عملها لا تعطي انطباعاً إيجابياً عن نتائج أعمالها بعد أن نجح الأسد، وداعموه في تطويعها لمصلحته تماماً كما فعل بالنقابات المهنية في سوريا.

 
 
كلمات مفتاحية