نحب أصالة لأنّها تُشبهنا

2024.02.01 | 16:13 دمشق

أصالة مع أبنائها
+A
حجم الخط
-A

منذ أيام صدرت أغنية للمطربة السورية أصالة بعنوان "صندوق" وخلال ساعات قليلة امتلأت صفحات الأصدقاء على مواقع التواصل بصور عائلاتهم، مُرفقين مقطعاً صوتياً من الأغنية تقول فيه "ع البال يا ضحكة أبي ترقصّني وتقلّي العبي"، استطاعت أصالة فتح جميع صناديقنا المُغلقة بهذه الجملة، وفي حالة جمعية سوريّة سادها الحنين وكثير من الدموع مرّة أخرى منذ وفاة المخرج السوري الكبير حاتم علي، تشاركنا دموعنا دون أسئلة، ودون أحكام، توحّدنا على الشوق لصورة يوم العيد، وحضن الجدّة والجد، والحب الأول.

بعيداً عن الأغنية والتي غنّتها أصالة باللهجة السورية وكتبها رامي كوسا، نحن نُحبّ أصالة لأنّها تُشبهنا، تتحدّث باللهجة الشاميّة، تحكي عن العائلة والأب كما نعرفهم، وتُشبهنا أصالة بأمومتها، فلطالما سمعناها "تناغش" أطفالها على المسرح، وتحتضن ابنتها شام في كلّ فرصة أمام الجميع، تنام أصالة بين الحين والآخر في السرير نفسه مع أطفالها كما كانت تفعل أمهاتنا، ونادراً ما نرى أصالة بأظافر طويلة، مثل أمهاتنا أيضاً، وعشرات التفاصيل الأخرى التي لم تُنكرها، ولم تتخلَّ عنها، كما لم تتخلَّ عن السوريين في ثورتهم عام 2011.

تُشبهنا أصالة أيضاً في الحبّ، فنحن النساء السوريات، تشاركنا بقعة جغرافية ضيّقة، نحب أيضاً بطريقة أصالة نفسها ونستخدم عبارات الغزل نفسها، فلا عبارة أعمق من "تؤبرني" تصف حالة من الهيام وتمنّي الموت على يدي المحبوب كدلالة على أنه آخر ما نريد أن نراه حتى في لحظة الموت، وكذلك نحن نحاول دائماً أن نعترف بحاجتنا إلى الرجل، عاطفياً على الأقل، نُقدّر رجالنا كما تفعل أصالة، رغم أننا نصل مثلها أيضاً إلى النتيجة ذاتها، إما نهاية الحبّ، أو خيانة، وطلاقات مستمرة، لكنها لم تتراجع يوماً عن الإعلان عن حبّها مرة أخرى وعلى المسارح وأمام جماهيرها العريضة، لتُعلن عن رجل اختارته شريكاً وسنداً وأباً وأخاً وعشقاً إلى أن يتبيّن العكس.

تحتلّ أصالة نصري وأغنياتها اليوم صدارة الجلسات النسائية، فكانت أغنية "فوق" ردّ اعتبار لآلاف النساء العربيات اللاتي اعتمدنها كنشيدٍ وطني لتجاوز علاقات فشلن أو هُزمن فيها، وعندما غنّتها على مسرح Joy Awards أمام طليقها طارق العريان، كانت مهمّة الجمهور البحث عن وجهه، للتأكد من أنّه صُفع بجمالها وصوتها وقوّتها، وكذلك قبلها أغنية "ذاك الغبي" و"آسفة" و"مبقاش أنا" و"سامحتك" وعشرات الأغنيات التي تنفع لتجاوز علاقة عاطفية مشينة برأسٍ مرفوع.

سياسياً تنزلق أصالة في وصلات مديح لولاة الأمر وداعمين ورؤساء، ولها خصوصيتها على المسرح، وأحاديثها التي تطول أحياناً، إلا أن هذه التفاصيل هي التي شكّلت صورتها كاملةً، إذا اختلف فيها شيء نخسر نحن فرادتها، الطفلة التي بدأت الغناء في الرابعة من عمرها وتعلّمت الموسيقا على يد والدها مصطفى حاتم نصري والذي كذلك كان السبب الوحيد لتوقّفها عن الغناء لمدة ثلاث سنوات حزناً وحداداً على خسارته، ولربما كانت هذه المعلومة سبباً إضافياً لنُصدّق أصالة عندما غنّت "ع البال يا ضحكة أبي"، وشاركت حزنها مع ملايين الأيتام السوريين والمُبعدين والمهجرين قسراً بلا آباء.

تعيش أصالة في مصر حالياً، وتشهد فترة ازدهار فنيّة، وتَجدُّد وتُجدُّد في كل ألبوم، كما استطاعت أن تُغنّي بمعظم اللهجات العربية، وكذلك اللهجة الكوردية التي قلّما يُغامر فنان سوري بالغناء فيها، لاعتباراتٍ كثيرة، لكن قوّة أصالة وقاعدتها الشعبية ودقّة اختياراتها واجتهادها يفوز دائماً، هذا الفوز الذي يمدّنا إذا ما تمعنّا بقوّة ناعمة تُبقينا على قيد الأمل، متلهفيّن للحياة.

 

كلمات مفتاحية