icon
التغطية الحية

نازحون أم لاجئون.. السوريون في مزاد لبنان وحساباته

2023.05.12 | 06:07 دمشق

لاجئون سوريون في لبنان أمام مقر للأمن العام اللبناني (الإنترنت)
لاجئون سوريون في لبنان أمام مقر للأمن العام اللبناني (الإنترنت)
إسطنبول ـ بتول حديد
+A
حجم الخط
-A

تصاعدت خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي شدة اللهجة الحكومية والإعلام الرسمي في لبنان الرافضة لبقاء "النازحين" السوريين على الأراضي اللبنانية، وظهر الرئيس السابق ميشال عون بتصريح "مثير" يقول فيه إن هناك دولاً أوروبية تستثمر في وجود " النازحين السوريين" في بلاده.

يرافق هذا التصعيد تنفيذ عمليات ترحيل جماعية بحق السوريين، وبحسب المدير التنفيذي لمركز وصول “ACHR"، المعني بحقوق الإنسان، فإنهُ منذ بداية العام وإلى تاريخ 28 نيسان/أبريل الماضي سُجلت 10 حالات ترحيل قسري جماعية لما يقارب الـ 396 لاجئاً، يُضاف إليها 11 حالة ترحيل فردية عشوائية، ومن بين هؤلاء المرحلين هناك مسجلون لدى مفوضية الأمم لشؤون اللاجئين.

أمام هذا الواقع من التشديدات وحملات العنصرية التي يتعرض لها السوريون الذين اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب الحرب، تُطرح تساؤلات لماذا يعتبر لبنان السوريين على أراضيه بأنهم "نازحون" وليسوا "لاجئين"؟ وفقاً للقانون الدولي الإنساني الذي يكفل حقوق المدنيين في الحرب وسلامتهم وحقهم في الحصول على اللجوء.

هل السوريون لاجئون أم نازحون؟

ذُكر توصيف اللاجئين للمرة الأولى كنتيجة كارثية للحرب العالمية الثانية، بعد عقدين من الزمن من إعلان الجنرال الفرنسي غورو تشكيل دولة لبنان الكبير واقتطاعها من سوريا ، وتحديداً  لوصف المشردين الأوروبيين غير الراغبين في العودة إلى بلادهم تخوفاً من الاضطهاد الذي شوهد منذ عام 1933، ليتحول إلى قضية عالمية وسبب رئيسي لتشكيل جمعية الأمم المتحدة التي وضعت مبادئ حقوق اللاجئين في دورتها الأولى سنة 1946.

وجاء في الوثيقة رقم (A/45) الفقرة الثانية من الجزء (c) من وثائق الأمم المتحدة، أنه "لا يجوز إرغام أي لاجئين أو أشخاص مشردين على العودة إلى بلدهم الأصلي إذا أعربوا بصورة نهائية وقطعية عن اعتراضات مقبولة على ذلك".

وفي عام 1951، وُضع تعريف للاجئ وهو "أي شخص يغادر بلده الذي يحملُ جنسيته بسبب خوفهِ من التعرض للاضطهاد لأسباب ترتبط بالعرق أو الدين أو الجنسية أو لانتمائه إلى مجموعة معينة، أو لتبنيه رأياً سياسياً، ونتيجة هذه الأسباب لا يحظى بالحماية في بلده.

في حين، يُعرف النازح في الاتفاقية نفسها بأنه الشخص الذي "لم يعبر حدود بلاده طلباً للجوء، بل بقي في حدود بلاده وحماية حكومته حتى وإن كانت الحكومة هي سبب هذا النزوح، ويبقى هذا الشخص معرضاً للخطر في أي لحظة" ولهذه الأسباب يعتبر هؤلاء الأشخاص من الفئات الأكثر ضعفاً في العالم.

وفق التعريفين السابقين، ينطبق على السوريين صفة لاجئ، ولكن الحكومة اللبنانية تصر على اعتبارهم نازحين منذ الأيام الأولى لدخولهم لبنان، عندما نزح أهالي منطقة تل كلخ السورية إلى عكار في الشمال اللبناني في أيار/ مايو 2011 وإلى اليوم.

لماذا "نازحون"؟

تسمية السوريين نازحين في لبنان تتجاوز النزعة العنصرية المجتمعية بحقهم كما لا تقتصر على الانطباع السلبي للبنانيين من الوجود "سيئ الصيت" للجيش السوري في بلادهم بُعيد الحرب الأهلية، بل يمكن اعتبارها توجهاً حكومياً لتغطية جملة من المشكلات التي يعيشها لبنان مع جارته سوريا.

وتمتد هذه المشكلات إلى ما قبل اغتيال الحريري، وقد يرجع بعضها إلى فترة ما بعد الاستقلال، ويمكن تقسيمها إلى أنواع.

أولاً: مشكلات سيادية متمثلة بالحدود السورية اللبنانية البحرية والبرية المختلف عليها

مع أن الحدود التي عبرها السوريون هرباً من نظام الأسد شمال شرق لبنان واضحة الترسيم إلا أن مزارع شبعا في الجنوب الشرقي ما زالت محط خلاف بدأت بذرته بحرب 1967 وقضم إسرائيل لجزء من مزارع شبعا مع أجزاء واسعة من هضبة الجولان السوري.

في تلك الفترة لم يقدم لبنان أي بيان أو مطالبة بمزارع شبعا، وبعد 33 عاماً من الحرب ومع ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية نتيجة للقرار الأممي "425"، لم تعد مزارع شبعا وفقاً لخرائط الأمم المتحدة جزءاً من لبنان وألحقت بالجولان السوري المحتل، وهذا الأمر خلق إشكالية بترسيم الحدود لم تحل حتى اليوم.

أما الحدود البحرية فقد تزامن ظهور إشكاليتها مع انطلاق شرارة الثورات العربية سنة 2011 حين قامت الحكومة اللبنانية بإصدار المرسوم رقم 6433 الذي يرسم الحدود البحرية اللبنانية مع سوريا شمالاً، وهي منطقة يتوقع وجود حقل نفطي كبير فيها (النقطة 7).

بدوره، رسم نظام الأسد حدوده بشكل مغاير واعترض على الترسيم اللبناني عند الأمم المتحدة، ومن ثم طوي الملف نتيجة الحرب الدائرة في سوريا.

ثانياً: الاستقلال السياسي للبنان

عبور السوريين للحدود خلال لجوئهم إلى لبنان لم يجعلهم بعيدين عن سطوة وبطش النظام السوري الذي هربوا منه، فما زالوا خاضعين للقبضة الأمنية والعسكرية المتمثلة بأذرعهِ المتشعبة في لبنان وعلى رأسها "حزب الله" رديف النظام ونصيره في حربه على الشعب.

ويعاني السوريون في لبنان، بين الحين والآخر، من حملات اعتقال غير مبررة وتسليم المطلوبين للأفرع الأمنية بدمشق، إضافة إلى عمليات إحراق المخيمات والقتل تحت التعذيب في السجون على أيدي قوات الأمن اللبناني.

أسباب قانونية

على الرغم من عضوية لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة فإنه لم يوقع على اتفاقية 1951 أو البرتوكول الملحق بها، وبناءً عليه لا يمكن إجبار الحكومة اللبنانية دولياً على الالتزام بحماية اللاجئين وعدم طردهم من أراضيها.

كما أن لبنان لا يمتلك قانوناً مفصلاً خاصاً باللجوء واللاجئين على أراضيه إلا المادة رقم 32 من قانون عام 1962 الخاصة بتنظيم الدخول والإقامة في لبنان والتي تحمل عنوان "اللجوء السياسي".

وتنص المادة على أن "كل أجنبي موضوع تحت ملاحقة أو محكوم عليه بجرم سياسي من سلطة غير لبنانية أو مهددة حياته أو حريته لأسباب سياسية، يمكنه أن يطلب حق اللجوء السياسي".

لم يستفد من هذه المادة القانونية ولم تمنحهم بيروت حق اللجوء السياسي، وتركت مسؤوليتهم لمفوضية اللاجئين، التي تنظم شؤونهم في لبنان وتبني المخيمات ومراكز الإيواء لهم من دون أي مساعدة من الحكومة.

ونظراً لأن ورقة اللجوء لم تمنح حاملها في لبنان حق الإقامة على الأراضي اللبنانية، تلجأ المفوضية، قدر استطاعتها، إلى إدخال أكبر عدد ممكن من السوريين المسجلين لديها في برامج إعادة التوطين في بلد ثالث. 

تعتبر الحكومة اللبنانية كل سوري دخل أراضيها قاطعاً الحدود عبر منافذ غير رسمية وطرق التهريب أو عبر المعابر الحدودية بشكل نظامي  تعتبرهم  "نازحين" على أراضيها.

وتشير الإحصائيات الحكومية إلى أن نحو 1.5 مليون سوري يعيشون في لبنان، وهو ضعف المسجلين لدى المفوضية الأممية الـ 840 ألفا الموزعين ضمن 3100 مخيم في لبنان.

 لماذا ارتفع صوت العنصرية اليوم؟

آخر موجة للعنصرية تجاه السوريين في لبنان بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، مع إعلان الحكومة نيتها إعادة 15 ألف سوري شهرياً إلى بلادهم، وذلك بالتزامن مع انتهاء مدة الرئاسة الفعلية لميشال عون، ودخول البلاد مجدداً في فراغ رئاسي.

ويشكل اللعب على وتر إعادة السوريين تأثيرا على المحيط العربي والأوروبي لترجيح وزيادة حظوظ بعض الشخصيات أو الأحزاب الساعية لملء الفراغ الرئاسي.

يضاف إلى ذلك،  أن إعادة اللاجئين السوريين اليوم تعد ورقة ضغط على المانحين في مؤتمر بروكسل السابع الخاص بسوريا والمتوقع عقده في حزيران/ يونيو المقبل، خاصة أن معظم التمويل في المؤتمر الذي عقد مطلع العام رُصد بجلهِ لدعم متضرري الزلزال المدمر في 6 شباط/ فبراير الماضي.

من هنا، فإن التصعيد والتهديد بإعادة السوريين قد يجلب إلى خزينة لبنان المفلس مبالغ من التمويل.