مُدوَّنة سلوك جديدة للمتزوجين

2022.01.29 | 05:57 دمشق

392927.jpg
+A
حجم الخط
-A

حول مقولات فيلم "أصحاب ولا أعز"!

حرك فيلم "أصحاب ولا أعز" مياهاً راكدة، مسكوتاً عنها، منذ بدء استعمال البشر لعالم الموبايل في الحياة العربية، وما ولَّده ذلك الاستخدام من قضايا جديدة في الحياة التي نعيشها. يمكن أن نقرّ أولاً، على سبيل الاعتراف المرّ، أنه ما من أحد منا (بلغة التغليب) ذكوراً وإناثاً، إلا وكان الموبايل أو السوشال ميديا سبباً في تواصلٍ من نوع ما مع آخر! ولو كنا نعيش في غير زمان الإنترنت، ما كان لهذا التواصل أن يحدث بهذه السهولة، أما وأنه قد قُدِّر لنا أن نعيش هذا العصر الصعب، فلا بدَّ أنْ يقتحم حياتنا، ويحشر أنفه في كل تفاصيلنا، ونحن من جهتنا كي نبقى أحياء، علينا أنْ نتشابك مع معطياته!

السؤال الأبرز، الذي شغل الجامعات، ومراكز الأبحاث، وعلم النفس وعلم الاجتماع: كيف نرشّد من أثره حياتنا؟ وما هي قدرتنا نحن الأفراد على "الصمود"؟ وربما سيسألُ غيرُ صامدٍ صامداً: لماذا ستصمد؟ وما غايتك من الصمود؟

بلغة أخرى: جاءت السوشيال ميديا والموبايل لتسهم في ضياع الحدود، بل (الطاسة) حيث تداخل الصح بالخطأ، ولم تعد الحدود التقليدية والثابتة للأخلاق صالحة للتعيير، وقياس سلوكات البشر، الذين باتوا يتفننون في كسرها ويفتخرون!

جاء فيلم "أصحاب ولا أعز" ليفتح أبواباً نعايشها أو نعيشها، ونحرص على أن تبقى مغلقة، أو مسكوتاً عنها، كي نكمل حياتنا بـ "سبات ونبات"، خاصة أنَّ الهزَّات، التي تعرض لها السوريون، دفعت كثيرين منهم للهروب من المرايا، وفي الوقت نفسه من أجوبة الأسئلة الصعبة: إلى أين نحن ذاهبون؟ وماذا بقي لنا من دور في تربية أبنائنا؟ وكيف سنربِّي أولادنا على منظومة: يجوز، ولا يجوز، ونحن غارقون كآباء وأمهات في مغريات الـ "لا يجوز"!

من منا ليس لديه على ذاكرة جهازه المحمول أرقام أو أشخاص بأسماء مستعارة؟ ماذا نخفي ولماذا نخفيه وعمن نخفيه؟

أيتعلق الأمر بإشباع الحاجات، غير المشبعة فحسب؟ أو انهيار الحدود الأخلاقية والدينية التقليدية؟ أو البحث عن الخلاص الفردي؟ أو انتشار النزعة الفردانية، أو فقدان الأمل بالتغيير، والانكسارات الخاصة والعامة، أو انشغالنا بالمؤقت؟

من منا ليس لديه على ذاكرة جهازه المحمول أرقام أو أشخاص بأسماء مستعارة؟ ماذا نخفي ولماذا نخفيه وعمن نخفيه؟ ما هي حدود الخصوصية في الموبايل والسوشال ميديا؟ مَن منا لم يتغزَّل أو يُتغزّل به عبر وسائل التواصل بطريقة أو بأخرى؟ وكم نحذف من الرسائل قبل دخولنا البيت مثلاً؟ وهل أحد أسباب الإقبال على "السنابشات" أنه لا يحتفظ بالرسائل؟ وكم استعملنا مصطلح "نظف موبايلك"؟

ألا ينبغي النظر إلى ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي من جهة فلسفية؟ وكيف غيرتْ اللغة واستعمالها؟ من كان يجرؤ على استعمال قلب الحب، قبل الإيموجي، ومتى كان الرجال يستعملون قلوب الحب للتعبير عن المشاعر فيما بينهم؟ وكيف جعلتنا لغة الإيموجي ألطف وأنعم؟ وقربت عالم الرجال من النساء، تعبيرياً! ما هي حدود التواصل عبر السوشيال ميديا، وأين هي حدود الممنوع والسموح، تبعاً للعمر، والموقع في العائلة، والمكانة الاجتماعية؟

من يُؤْنِسُنا في لحظات وحدتنا ووحشتنا وألمنا سوى تلك الوسائل؟ وكيف نهرب بأنفسنا من الوقوع في رياح الحب والإعجاب؟ وهل من الضروري أن نهرب إذا رفرفتْ أجنحة القلوب؟ ألا تدخل تلك الوسائل في باب النِعَم في هذا العصر، الذي تشتَّت فيه السوريون بحيث صارت أداة فرص عمل، وحب، وزواج، وطلاق وتواصل، وعزاء، ومشاركة التفاصيل اليومية، التي كانت تبقى حبيسة الصدور، أو الجغرافيا الواقعية المحدودة!

تقول ملاحظات عيانية وإحصائيات غير رسمية، عن المجتمعات العربية، يتم تداولها، عبر المجالس والسهرات، إنَّ أكثر من 50 في المئة من الناس وقعوا في الإعجاب الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس، أو ارتبطوا بعلاقة من نوع ما، عبر السوشيال ميديا. ومنهم من هرب من الاستجابة لمن أعجب به، وكتب له، نحو العامل الديني، أو "تبكيت الضمير"، أو نحو وصية خالته: الحياة لا تعطيك كل شيء! وربما استعمل كثيرون منا، للتعبير عن التزامهم بمدونات السلوك التقليدية الأخلاقية أو الدينية، "البلوك" هروباً، كلغة تواصل مع من أعجب به! وهو نوع من سياسة "الباب اللي يجيك منه إعجاب بلْكه واستريح"، بدلاً من انتظار ما لا ينتظر!

+++

ما هي المقترحات لمدوّنة قواعد سلوك للمتزوجين مثلاً تراعي تغييرات الحياة؟ وما هي مرجعياتها تبعاً لنوع عقد الزواج (دينية أو اجتماعية أو مدنية قانونية)؟ مقارنة، وإفادة من مدونات أخلاقيات العمل الإعلامي التي تتمثل بـ: عدم التلاعب، والمحافظة على سرية المصادر، وأن تكون الحقيقة هي الهدف، والابتعاد عن الشائعات، والمحافظة على الخصوصية.

يمكن في سياق علاقة الزواج، وبعد عصف أفكار مع عدد من التربويين والمختصين بعلم النفس، الإشارة إلى الأفكار التالية:

  • تحديد مرجعية مؤسسة الزواج المتفق عليها بين الطرفين، وقواعدها الأخلاقية دينياً واجتماعياً وبالأعراف والتقاليد، وما هو المتغير والثابت فيها، وما مدى قدرتهما على الالتزام بها، والعوامل التي تمنعهما عن ذلك، ومدى قدرتهما على الاستمرارية؟
  • إبقاء الموبايل مفتوحاً للطرفين، دون كلمات سرية، ويمكن لكل من الطرفين أن يطلب من شبكة علاقاته ألا يرسلوا له نكتاً أو صوراً، لا تأخذ بعين الاعتبار أن الموبايل قد يقرأ الرسائل. في سياق المناقشة: يعني ذلك أن هناك مادة كبيرة من أحاديثنا سيتم إلغاؤها، لأن الخطاب الإقصائي أو "التنكيْتي" من الرجال للنساء أو العكس هذه مادته. وهذا يحدث بين الشقيقات، أو الأم وابنتها، أو السيدة وأعز صديقاتها، وكذلك بين الرجال!
  • المحافظة على الكلمات السرية للموبايلات، وأن يبقى كل طرف محافظاً على خصوصيته، لكن من يضمن أن المرأة أو الرجل المتزوج لن يدخل في علاقة مع آخر؟ قد تؤدي إلى علاقة من نوع ما ربما تكون الزواج نهايتها؟ بالمفهوم الواقعي للنقاش فإن ما يتاح للرجل، وفقاً للأديان والعادات والتقاليد غير ما يتاح للمرأة؟ وما هي حدود الوقت أو حدود العلاقات واللغة المستعملة مع الآخر، المختلف؟ يجيب مهتم عن الموضوع ببساطة: من يريد أن يتزوج ثانية، أو يقيم علاقة مع آخر، لن تمنعه كلمة سرية أو تشجعه؟ الواقع يقول: بلى، تلك وسائل تشجع على القيام بعلاقة.
  • التنظيم لكل من الإشباع، أو الحرمان، والوصول إلى الاكتفاء من الطرفين خير مدخل للمحافظة على العلاقة، في حال ضرورة ذلك وجدواه.
  •  التخفيف من هدر فيضان المشاعر إذا كانت حسابات الواقع لا تلائم؟ خاصة أن الأطباء، اليوم، ينصحوننا أن لا نعاكس حاجاتنا، وما نرتاح إليه، كي لا تظهر المصادمة على شكل أمراض في الجسد، وهو ما سبقهم إليه المتصوفة عبر نظرية الفناء بمن نحب! وجرى العرف في الثقافة العربية، أنَّ الثانية ترتيباً، تكون الأولى بالمشاعر والاهتمام!

المجتمع الأوروبي من جهته كسّر مؤسسة الزواج التقليدية، ولجأ إلى صيغة العقد المدني، وأنَّ التفاهم بين الطرفيْن هو العقد البديل عن العقد الاجتماعي، لذلك لا يعيش الشريكان تحت إطار أي إكراه اجتماعي أو شخصي، ومتى ما شعر أحدٌ منهما أنه لم يعد يميل إلى الآخر، أو لم يعد يتواءم معه، يتفقان غالباً على الانفصال الودي. على سبيل المقارنة، مع التنبه لخصوصية كل مجتمع وتقاليده ومرجعياته، يندر أن تجد امرأة هولندية تقبل بإقامة علاقة مع متزوج، ولا تقبل أن تكون ثانية، لأنها تريد العيش معه بشكل كامل وآمن، وكنوع من الاستجابة للعرف الاجتماعي.

يدرك المهتمون بمؤسسة الزواج أنها في خطر! وهل تكمن الحلول بالاكتفاء بالنواظم القديمة، والدعوات الأخلاقية والدينية والاجتماعية، وهي لم تعد تمنع تفككاً، وبات أثرها محدوداً.

ليس الحديث عن جوانب فيلم "أصحاب ولا أعز" الفنية، أو القضايا التي طرحها، ومناقشة قضية المثلية، ومفهوم الشلة والصداقة وحدود التواصل الجسدي بين الأصدقاء هو محور هذه القراءة، بل الهدف الرئيس هو النظر إلى ما أصاب مؤسسة الزواج من خدوش وعطب، وما هي الحلول لكي تواكب الزمان والمكان؟ وهل من طريقة للمحافظة عليها؟ وإنْ مشت في طريق التغيير فما هي الحدود؟ وأين ستقف؟ إذ يدرك المهتمون بمؤسسة الزواج أنها في خطر! وهل تكمن الحلول بالاكتفاء بالنواظم القديمة، والدعوات الأخلاقية والدينية والاجتماعية، وهي لم تعد تمنع تفككاً، وبات أثرها محدوداً.

من سيصوغ مدونة السلوك بين المتزوجين ومن يرعاها: رجال الدين؟ رجال القانون؟ السوشيال ميديا؟ المثقفون؟ وجهاء المجتمع؟ علماء الاجتماع؟ فلسفة الفردانية؟ والسؤال الأهم: من منا نحن معشر المتزوجين والمتزوجات، بعد أن ينظر إلى مرآته، أو يستذكر موبايله، سيقبل بالتوقيع الطوعي على مدونة قواعد السلوك المقترحة للمتزوجين؟ ما نسبتهم؟ وما مدى قدرتهم على الإيفاء بوعودهم؟

أما الحديث عن "مدوَّنة قواعد سلوك" تخص المطلقين، والعازبين، والمرملين، والمهجورين...فإنَّ شروطهم وظروفهم مختلفة قليلاً أو كثيراً عن مدونة سلوك المتزوجين!