icon
التغطية الحية

مهرجان "الملاجة": من مركز للثقافة إلى أطلال شوّهها نظام الأسد

2023.08.31 | 12:10 دمشق

سنديان
كتابات الشبيحة تشوه منحوتات مهرجان الملاجة (تلفزيون سوريا)
طرطوس- حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

توقف "مهرجان السنديان الثقافي" الذي كان يُقام في قرية الملّاجة بريف محافظة طرطوس، والذي أسسه الشاعر الراحل محمد عمران عام 1996 قبل وفاته بأقل من شهرين، واستمر بعد ذلك إحياءً لذكراه من قبل أصدقائه ومحبيه. ومع بدء الثورة السورية توقفت أنشطة المهرجان بصورة تدريجية حتى تحولت أرضه من مركز للثقافة إلى مرعى للرعاع والمتملقين.

بدايات المهرجان

كان مهرجان السنديان من أهم المهرجانات الثقافية التي تقام في الساحل السوري بعيداً عن احتفاليات التطبيل لـ "القائد والحزب" التي أقامها النظام لإضعاف الحالة الثقافية في البلد والسيطرة على مساراتها وتجلياتها، وبقمع ما سينتج عنها من سياسات معارضة لسياسته. فجاء مهرجان السنديان ليشكّل ظاهرة ثقافية منفصلة عن سياسة الابتذال وليغدو واحداً من أهم المهرجانات الثقافية العربية والدولية.

كان المهرجان، منذ انطلاقته، يضم سنوياً عدداً كبيراً من النحاتين والشعراء والمطربين، والفنانين من مختلف الفنون، من سوريا ومن جميع أنحاء العالم العربي والعالم، كالشاعر الفرنسي أندريه فولتير والشاعر الليبي عاشور الطويبي والسعودي أحمد الملا والتشكيلي البريطاني ستيفن واتس والفرنسي جان كلود فيلان والفنان نصير شمة وشربل روحانا والفنان سامي حواط، وكثيرين غيرهم.

محاولات وأد المهرجان والتضييق على القائمين

تحولت أرض المهرجان -التي حملت أسماء فنية كبيرة- مع بداية الحرب في سوريا إلى أرض بور تخلو إلا من فتات الأعمال الفنية المُدنسة بأيدي الشبيحة؛ فالمنحوتات التي تركها فنانو المهرجان تعرضت للتشويه والتكسير والكتابات الداعمة لنظام الأسد، وكأنها محاولة لاستعباد حتى الحجر!

المهرجان لم يكن مرضياً للنظام الحاكم في سوريا لأنَّ جميع فعالياته كانت خالية من أشكال التشبيح والتمجيد والتقديس للقائد

(يعرب. ح) أحد الشباب المعاصرين لمرحلة المهرجان وما بعدها، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "كان مهرجان الملّاجة كما نحب تسميته من أهم المهرجانات الثقافية والفنية، على الرغم من أنّه يُقام في منطقة ريفية وديعة، بوادٍ يقع بين جبلين. إلّا أنّه كان مصدراً للفخر والسعادة لنا كشباب يرغب بترك بصمة لبلده التي يُحب".

وتابع يعرب "هذا المهرجان لم يكن مرضياً للنظام الحاكم في سوريا؛ لأنَّ جميع فعالياته كانت خالية من أشكال التشبيح والتمجيد والتقديس للقائد، وكل ما عُرض فيه كان عملاً فنيّاً خالصاً، لا يمت لبقيّة المهرجانات بصلة".

ويضيف يعرب: "عدت إلى أرض المهرجان بعد انقطاع دام سنوات طويلة؛ لأسترجع الذكريات والأشخاص والفعاليات والسهرات والضحكات، ولكن ما وجدته لم يُسعفني إلا بالدموع، فالمسرح الذي صعد إليه أهم الفنانين والشعراء السوريين والعرب أصبح مثله مثل أي شيء في هذه البلد، فمكان الشوك الذي اكتسح المكان كان منصة لكبار الشعراء فوق المسرح، وعند تلك الحافة –مشيراً بيده- جلس نصير شمّة، ولا أبالغ بقولي إنّ بعد رؤيتي لذلك المشهد حتى الذكريات في رأسي تشوّهت".

مهرجان
تشويه منحوتات المهرجان

ويتابع: "حتى المنحوتات المتبقية تحوّلت إلى خربشات لمؤيدي النظام؛ حيث عمد بعض الأشخاص إلى تدميرها وتشويهها فمن وجهة نظرهم كان هذا المهرجان للمعارضين ويجب القضاء على آثاره وتشويهها، فكتبوا على المنحوتات عبارات تأييد للنظام من دون أدنى احترام لجهد من وقف ليالي وأياماً عند هذه الصخور وبذل مجهوداً كبيراً ليخرج بعمل فني تعبيراً عن الحب والانتماء".

كل أوقات القصيدة بانتظار الغناء غير أنَّ المغني حزين

ويعبّر يعرب في حديثه عن مدى حزنه لما وصلت إليه أرض المهرجان، من خلال "نشيد البنفسج" للشاعر الراحل محمد عمران، فيقول:

"كل منافي القصيدة مفتوحة

 كل أوقاتها بانتظار الغناء

 غير أنَّ المغني حزين".

هذه الكلمات هي التعبير الأصدق عما شعر به يعرب: "كأنني أرى وجوه جميع من مرّوا من هنا مصابة بالحزن والتعب والقلق كما حصل معي تماماً".

ويردف: "بما أن معظم روّاد المهرجان والقائمين عليه كانوا من المعارضين الأوائل لنظام الحكم، وعلى رأسهم ابنة الراحل محمد عمران، الشاعرة رشا عمران، فلن تكون النهاية مختلفة؛ هذه سياسة النظام وأتباعه في الوأد والقمع والانتقام".

يستبعد بعض من عاصر المهرجان في مرحلة الشباب، فكرة أن يعود إلى سابق عهده نظراً لخروج معظم منظميه من سوريا بعد تعرضهم لمضايقات أمنية واضحة تهدف إلى "نفيهم من الوطن"، ما يعني نفي إحياء المهرجان. وأوضح يعرب أنّه "خلال سنين الثورة حاول بعض الشباب من أهل الملاجة إحياء المهرجان إلا أنَّ محاولاتهم باءت بالفشل، إمّا لضعف الإمكانيات المادية أو للضغوط التي تعرضوا لها".

وفي حديث سابق للشاعرة رشا عمران في برنامج (المنعطف) على تلفزيون سوريا، أوضحت سبب خروجها من سوريا قائلةً: "طُلِب مني رسمياً الخروج، واستدعيت إلى عدة أفرع أمنية وكان الطلب هو أن أخرج من سوريا، ولم تكن فكرة الخروج من البلاد في بالي. في تلك الفترة لم يكونوا يريدون اعتقال أشخاص لهم اسمهم، فقالوا لي: نحن محترمين اسم والدك ولا نريد أن نتسبب لك بالأذى".

وأوضحت رشا حينها أن النظام كرر طلب خروجها من سوريا مراراً، ولكنها كانت رافضة للفكرة، إلى أن "تحوّل الأمر لتهديدات عن طريق الهاتف وخفت على ابنتي التي تعرضت للاعتقال يوماً كاملاً، فكان القرار أن أخرج، مع اعتقادي بأن ذلك الخروج سيمتد لشهر أو شهرين وأعود بعدها، وما زلت منذ نهاية سنة 2011 حتى اليوم خارج حدود الوطن".

يُذكر أن الأسماء الثقافية الكبيرة التي استضافها المهرجان خلال سنوات نشاطه، فشلت مختلف وزارات الثقافة المتتابعة في حكومة النظام السوري بدعوتهم وإحضارهم. ومما لا شك فيه أن تلك الوزارات لم تكن لتسمع بأسمائهم أصلاً، فالتوجه كان لتمجيد القائد باحتفالات الطبل والزمر والشعارات المقتبسة من كتب الحزب، وأقصى استطاعتها الفنية والثقافية كانت تتجلى في ما كان يطلق عليه "مهرجان الباسل".

سنديان