icon
التغطية الحية

من هو "أبو العبد أشداء" آخر مغادري مركب تحرير الشام؟

2019.09.11 | 21:09 دمشق

عقيل حسين - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

في بداية عام ٢٠١٤، تردد وللمرة الأولى في وسائل الإعلام اسم "مجاهدو أشداء" عندما بثت الكتيبة تسجيلاً مصوراً يظهر قائدها أبو أحمد الحلبي، برفقة بعض عناصره وهم يجلدون اثنين من أصحاب المحال التجارية في حي السكري بحلب.

لم تكن الكتيبة معروفة قبل ذلك خارج الحي الذي تأسست فيه على يد قائدها الحلبي، الذي قال في الفيديو إن سبب جلد الرجلين هو عدم إغلاق متجريهما خلال وقت صلاة الجمعة، وإن هذا هو حكمهما الصادر عن الهيئة الشرعية في حلب، لكن الأخيرة أنكرت علمها بالقضية، بينما تبرأت حركة أحرار الشام الإسلامية من الحادثة، ما جعل الكتيبة تغادر الفصيل بصمت، لتنضم إلى حركة الفجر الإسلامية.

لم يطل الأمر بالطرفين سوى أشهر قليلة، قبل أن تعود كتيبة أشداء إلى حركة أحرار الشام، لكنها عادت هذه المرة كلواء يتمتع باستقلال كبير بعد أن كان جزءاً من "لواء بدر" أحد أهم قوى الأحرار وقتها، وبدأ اسم "لواء مجاهدو أشداء" يتردد على نطاق أوسع خلال العامين ٢٠١٥ و٢٠١٦، على الرغم من إصابة قائده أبو أحمد الحلبي واعتزاله العمل العسكري في وقت لاحق.

عبد المعين كحال

إلا أن شقيقه الأصغر (عبد المعين كحال) الذي خلفه في قيادة اللواء باسم (أبو العبد أشداء) استطاع أن يضع هذه القوة الصغيرة على خريطة الفصائل العسكرية المعروفة في حلب، ليس بسبب قوة اللواء العسكرية التي كانت محدودة، بل بسبب شبكة العلاقات التي نسجها مع مختلف القوى، والتي مكنته باستمرار من لعب دور الوسيط في كثير من المرات التي نشبت فيها خلافات بين الفصائل الأخرى.

لاحقاً، وعلى الرغم من تجنب اللواء تكرار التدخل في شؤون السكان في حي السكري الذي كان يعتبر معقلاً له، إلا أن (أبو العبد أشداء) استطاع أن يستقطب اثنين من أهم الشخصيات المصرية الناشطة في حركة أحرار الشام، وهما (أبو شعيب المصري وأبو اليقظان)، اللذان كان لهما حضور بارز في المجال الدعوي في ريف حلب، وداخل المدينة بطبيعة الحال، انطلاقاً من حي السكري، وهو الأمر الذي ساعد على إبقاء اسم "لواء أشداء" متداولاً.

أمر آخر أسهم أيضاً في إبراز اسم (أشداء) وهو تحول اللواء إلى ما يشبه القوة الأمنية لحركة أحرار الشام في حلب، فأصبح مسؤولاً عن سجن الحركة في المدينة، كما كان "أشداء" جزءاً أساسياً من الجهاز الاستخباراتي لحركة أحرار الشام، وأحد المؤسسين لما عرف وقتها (بشعبة المعلومات) التي انفرط عقدها بسبب بعض الانتهاكات التي سجلتها عام ٢٠١٥.

وبينما تفرغ قائد اللواء أبو أحمد الحلبي للعمل العسكري، ركز شقيقه (أبو العبد) على الجانبين الإداري والأمني، وفي هذا الوقت كانت يتعزز ارتباطه الوثيق بالمصريين (أبو شعيب وأبو اليقظان)، حيث استلم الأول محكمة أحرار الشام في حلب، بينما واصل الثاني العمل في المجال الدعوي والتعبوي.

ويبدو أن هذه العلاقة الخاصة أثرت على التوجه الفكري لقائد لواء أشداء الجديد (أبو العبد)، الذي خلف بشكل رسمي شقيقه أبو أحمد إثر إصابة الأخير في مواجهات منطقة الكاستيلو مع قوات النظام عام ٢٠١٥، فبدأت تظهر بشكل أوضح اللغة الدينية المتشددة في إطلالاته الإعلامية، كما أن (أبو العبد أشداء) لم يتوان عن انتقاد قيادة أحرار الشام في العديد من المرات حتى عندما كان تابعاً لها، قبل أن يعلن اللواء الانفصال النهائي عن الحركة أواخر عام ٢٠١٦، بسبب تبني أحرار الشام علم الثورة واعتمادها القانون العربي الموحد "منقحاً" في محاكمها.

عدو "جند الأقصى"

ومع الإعلان عن تشكيل هيئة تحرير الشام مطلع العام ٢٠١٧، كان اللواء جزءاً من هذا التشكيل، بقيادة جبهة تحرير الشام/النصرة سابقاً، كما انضم إلى الهيئة المصريون الثلاثة الأشهر في سوريا، أبو الفتح الفرغلي، بالإضافة إلى رفيقي (أبو العبد أشداء) المقرّبين، أبو اليقظان وأبو شعيب.

وعلى الرغم من انفصال غالبية التشكيلات التي أسست الهيئة مع جبهة النصرة تباعاً، بدءاً من حركة نور الدين زنكي، ثم جيش الأحرار، ثم حركة فجر الشام، بين العامين ٢٠١٧-٢٠١٨، إلا أن لواء أشداء استمر في تحالفه الذي بدا وثيقاً جداً، خاصة أن قائد اللواء كان مع رفيقيه المصريين، من أشد المدافعين عن الهيئة طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، خاصة فيما يتعلق بالهجمات التي شنتها ضد الفصائل الأخرى، بما فيها حركة أحرار الشام الذين كانوا جزءاً منها.

وإذا كان أبو اليقظان المصري قد اشتهر بالتسجيل الصوتي الذي تم تداوله على نطاق واسع خلال المواجهات بين أحرار الشام وهيئة تحرير الشام عام ٢٠١٧، والذي كان يحث فيه عناصر الهيئة على (الضرب في الرأس) خلال هذه المواجهات، فإن (أبو العبد أشداء) اشتهر بدوره في المشاركة الفعالة والتشجيع على قتال لواء جند الأقصى، الذي دارت بينه وبين تحرير الشام مواجهة دامية انتهت بالتحاق غالبية عناصر وقادة اللواء بتنظيم الدولة.

إلا أن هذا التحالف الوثيق بدأ بالتفكك بداية العام ٢٠١٩، مع إعلان قيادة هيئة تحرير الشام طرد المصري (أبو اليقظان) من صفوفها، بعد سلسلة تصريحات صنفت على أنها مغالية، بينما اعتبرتها تحرير الشام مخالفة لسياساتها.

ولم يدم الأمر سوى أشهر قليلة، حتى أعلن مواطنه ورفيق دربه (أبو شعيب المصري) انشقاقه عن الهيئة، ليبدأ بتوجيه انتقادات لسياساتها، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون مع الجيش التركي واختيار الكوادر والقضاء، انتهاء باتهاماته التي وجهها مطلع الشهر الحالي لقيادة التنظيم ولزعيمه "أبو محمد الجولاني" بالفشل والاستبداد.

الفراق

 وما كادت هيئة تحرير الشام تستفيق من ضربة (أبو شعيب) التي وصفها قادة وأنصار الهيئة أنها بمنزلة "الطعنة في الظهر"، باعتبارها جاءت متزامنة مع مظاهرات واسعة خرجت ضد تحرير الشام في بلدات ومدن عدة في ريفي إدلب وحلب الخاضعين لسيطرتها، حتى تلقت الضربة الأقسى يوم أمس الإثنين من قبل (أبو العبد أشداء) الذي وجه انتقادات قاسية جداً واتهامات غير مسبوقة لقيادة الهيئة، تحدث فيها عن فساد إداري ومشكلات تنظيمية، ناهيك عن التجاوزات المالية والتهاون في الدفاع عن المناطق المحررة والانصياع للسياسات الاقليمية وغيرها.

وبينما أحالت الهيئة أبو العبد إلى القضاء العسكري التابع لها، بتهمة التدليس ونشر الافتراءات وخدمة العدو"، علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة أن "أبو العبد" أطلق هذه التصريحات بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، بعد أن التحق بالمصريين أبو اليقظان وأبو شعيب وأن الثلاثة موجودون الآن بحماية فصيل "حراس الدين" الذي يتوقع أن يكون وجهة الثلاثة القادمة رسمياً، بانتظار ما ستكشف عنه ارتدادات هذه الضربة القوية داخل هيئة تحرير الشام، حيث يتوقع كثيرون أنها ستؤدي إلى مزيد من الانشقاقات والخلافات فيها.