من غزة إلى البحر الأحمر.. الخطر على الخليج

2023.12.22 | 07:28 دمشق

آخر تحديث: 22.12.2023 | 07:28 دمشق

من غزة الى البحر الأحمر.. الخطر على الخليج
+A
حجم الخط
-A

أهي الحرب على العرب؟ أم بتوضيح أكثر فظاظة هي الحرب على "السنة"؟ أصبح السؤال ضرورياً في ضوء النظر إلى كل المسارات التي تسلكها الحرب على قطاع غزة وتداعياتها. وهي حرب تتداخل فيها عوامل كثيرة، بعضها يمنحها طابع الصراع بين الشرق والغرب، وبعضها الآخر يصورها بأنها صراع بين العالم المتحضر والعالم الثالث، لا تسقط من الحسابات الصراعات على المعابر والممرات وخطوط الأنابيب والتجارة، لكنها في النتيجة أيضاً، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وديمغرافياً، إنها حرب على السنّة، وهم أصحاب الأكثرية، أو كما يُطلق عليهم، أصحاب العدد والمدد. فالعدد هو الحجم الديمغرافي الكبير لهم، والمدد باعتبارهم أصحاب الثروات.

لا تنحصر الحرب على قطاع غزة في تلك المساحة الجغرافية فقط، وليس الهدف وحده هو إنهاء القضية الفلسطينية، وإبقاء اسرائيل كدولة متقدمة للاستعمار في المنطقة مقابل سحق حقوق الشعب الفلسطيني. إنه ذات مديات أبعد من ذلك بكثير، وكأنه محكوم على هذه المنطقة أن تستمر بالتعايش مع القلاقل والصراعات المتوالية، فتبقى دوامة التاريخ فيها تدور حول الصراعات القومية، العرقية، الدينية، الطائفية، والسياسية بأبعادها الإقليمية والدولية. في سبعينيات القرن الفائت، كان لوزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر معادلة واضحة تتحدث عن ضرورة الاستمرار في إشغال العرب بصراعاتهم وإبقائهم ضعفاء، وانعدام قدرتهم على الاستثمار بثرواتهم في سبيل الرخاء. ما تزال تلك المعادلة سارية إلى اليوم، وتجددت منذ اجتياح العراق، وما تزال في طور التجدد عند كل محطة ومفصل.

بالقدر الذي اهتم فيه كيسنجر بالعلاقة مع مصر وإيصالها إلى معاهدة السلام، وإخراجها من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي ما أسهم في إضعاف موقفها أو تغييبه، كان الرجل منسجماً إلى حدود بعيدة مع "حافظ الأسد" إذ التقت المصالح في محطات كثيرة، بينها سطوة النظام السوري على لبنان. وفقاً لهذين النموذجين لدى كيسنجر، تظهر العلاقة الجيدة لواشنطن مع دولة عربية كبرى ومركزية وأساسية كمصر ولكن بشرط أن تكون ضعيفة وتسير وفق العباءة الأميركية بدون أي مشروع عربي أوسع من حدودها. كما تظهر العلاقة الجيدة مع النظام السوري بوصفه نظاماً أقلوياً التقت مصالحه مراراً مع واشنطن وتل أبيب ضد العرب الآخرين، وما تزال المصالح تتقاطع حتى الآن وخصوصاً في خضم الحرب على قطاع غزة، والتي لا يبرز فيها أي تصريح أو دور أو صورة لبشار الأسد.

مارست القوى المنضوية في التحالف الإيراني أكثر العمليات التخريبية في المنطقة والإقليم، لم تسارع واشنطن إلى بناء أي تحالف لمجابهتها، حتى عندما هددت طهران أو حلفاؤها "ممرات النفط" أو الشركات المنتجة له

هذه هي المعادلة بكل بساطة. ويمكن الاستدلال بما هو أبعد من ذلك. كل الموبقات التي اقترفتها إيران في المنطقة وضد المصالح الأميركية والدولية، لم تسارع واشنطن ولا حلفاؤها للذهاب إلى بناء تحالف دولي مشابه للتحالفات الدولية التي نسجت في سبيل خوض الحروب ضد السنة، سواءً كانوا معتدلين أو متشددين، ومعروف منبع منشأ التشدد كالقاعدة وغيرها، والتي كانت ذريعة لتنفيذ مشاريع تهدف إلى تهجير "مدن السنّة" أو إسقاطها وإضعاف دولها. سارعت واشنطن إلى خوض حرب الخليج الثانية ضد صدام حسين، بعدما كانت قد سارعت إلى مساندة إيران ضد العراق في أكثر من محطة ومفصل. كما سارعت إلى اجتياح أفغانستان وبعده العراق، وصولاً إلى توفير كل مقومات النجاح لثورات الربيع العربي في تونس، ومصر، قبل العودة إلى الثورات المضادة، في حين استنكفت واشنطن أي دور لدعم الثورة السورية وإسقاط نظام بشار الأسد.

مارست القوى المنضوية في التحالف الإيراني أكثر العمليات التخريبية في المنطقة والإقليم، لم تسارع واشنطن إلى بناء أي تحالف لمجابهتها، حتى عندما هددت طهران أو حلفاؤها "ممرات النفط" أو الشركات المنتجة له، فلم تتحرك، وأبقت على اليمن وسيطرة الحوثيين فيه خاصرة رخوة هدفها النيل من الأمن القومي العربي والخليجي، بموازاة الاستمرار في الإمعان بضرب القضية الفلسطينية ومنع الشعب الفلسطيني من تحقيق مطالبه، بإضعاف السلطة الفلسطينية واستهداف حركة حماس وكل حركات المقاومة.

فتحت الولايات المتحدة الأميركية الباب أمام إسرائيل لتنفيذ أشنع مخطط تهجيري وتغيير جغرافي وديمغرافي في قطاع غزة، فيما الخشية الأكبر يجدر أن تبقى قائمة على الضفة الغربية. كما غضت النظر على أكبر عملية تجير ديمغرافي شهدتها سوريا على مدى أكثر من عشر سنوات. ضمن هذه المجالات، حسابات كثيرة، تجارية، نفطية، وغيرها. فلا يمكن إغفال الصراع القائم على غزة اليوم والمرتبط بضرب القضية الفلسطينية، عن "غاز غزة" وهو المشروع الذي يريد الإسرائيليون السيطرة عليه في بحر القطاع، بعد عرقلة مستدامة لأي عملية تنقيب أو استثمار لصالح الفلسطينيين. ذلك أيضاً لا ينفصل عن الطموحات المتصلة بإحياء خطوط تجارية جديدة تتصل بطريق الهند في مواجهة طريق الحرير الصيني "الحزام والطريق".

قبل سنوات أعلن الإسرائيليون عن عزمهم إنشاء قناة مائية جديدة هي قناة بن غوريون، غايتها ضرب "قناة السويس" وبالتالي تهديد الأمن القومي والاقتصادي المصري. والذي يصر الإسرائيليون على تهديده أيضاً باقتراح تهجير فلسطينيي القطاع إلى الأراضي المصرية. في خضم هذا الصراع، تبرز تحركات الحوثيين في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، باستهداف السفن، وعرقلة سلامة الملاحة البحرية، ما يدفع شركات الشحن إلى البحث عن مسالك أو معابر أخرى. لا تضر العمليات الحوثية بإسرائيل ولا تؤثر على مسار العمليات في قطاع غزة، إنما ستدفع دولاً كثيرة إلى البحث عن ممرات أخرى، وبالتالي ضرب قناة السويس. وهو ما سيدفع الإسرائيليين إلى تعزيز السعي لإنشاء قناة بن غوريون.

تأتي الخطوة الأميركية في الإعلان عن التحالف، بعد الوصول إلى اتفاق سعودي إيراني برعاية صينية، وكأن واشنطن تريد تخريب هذا الاتفاق من خلال إعادة إشعال الجبهات في اليمن

إثر العمليات الحوثية، تسارع الولايات المتحدة الأميركية إلى الإعلان عن إنشاء تحالف ضد الحوثيين، بعدما عملت على منع السعودية من تحقيق نتائج استراتيجية في اليمن ضدهم، وتأخرت عن المساعدة في الرد على استهدافاتهم للرياض أو لأرامكو. تأتي الخطوة الأميركية في الإعلان عن التحالف، بعد الوصول إلى اتفاق سعودي إيراني برعاية صينية، وكأن واشنطن تريد تخريب هذا الاتفاق من خلال إعادة إشعال الجبهات في اليمن، أو خلق التوتر فيه واستدراج السعودية إليه، فلا يبقى الاستقرار متوفراً، ما سيهدد كل الطموحات السعودية الاقتصادية والسياسية والاستثمارية. في حين يتحول الحوثيون إلى قوة لها سطوتها في البحر الأحمر، ما يدعو إيران إلى القول إنها لا تهدد أمن اسرائيل فقط بل أمن البحر الأحمر والملاحة البحرية، ولا بد من التفاوض معها وجعلها عنصراً مقرراً.

وكما هو الحال بالنسبة إلى أمن الخليج انطلاقاً من البحر الحمر، وأمن مصر بالنظر إلى الخطر على قناة السويس أو الخطر من تهجير الفلسطينيين إليها، فلا بد من النظر إلى وضعية الأردن المهدد بتهجير فلسطينيي الضفة الغربية، كما هو مهدد من النظام السوري بتجارة المخدرات وانعدام الاستقرار على الحدود، من دون إغفال الطموحات الإيرانية في تسجيل اختراقات على الساحة الأردنية، وبذلك يصبح الخليج حيث "المدد" مهدداً ومطوقاً بشكل كامل.