من شعار "مقاومة" إلى فاشية طائفية.. حزب الله في مواجهة انتفاضة

2019.11.30 | 14:30 دمشق

2019-10-25t141552z_876711306_rc1ec3bcba60_rtrmadp_3_lebanon-protests-scuffles.jpg
+A
حجم الخط
-A

عرفت البشرية صعود الفاشية في عدة مراحل من تاريخها، وفي مجتمعات مختلفة. هذا الصعود الذي كان يأتي- غالباً- رداً على خضّات اجتماعية عميقة خضّت هذه المجتمعات، سواء أكانت هزائم كبرى أم كانت انهياراً دراماتيكياً في بنية الدولة التي تحكم تلك المجتمعات.

وعلى الرغم من تعدد أسباب ظهور الفاشية، ومن اختلاف الظروف التي تنتجها، فإنها تتقاطع بسمات عامة كثيرة، لكن يبقى أخطرها تلك الفاشية التي تلبس ثوب الدين؛ لأن اتكاءها على المقدس المتعالي يضع محاسبتها، وإعمال النقد فيها، في موضع التجديف والكفر.

إن الفاشيات التي عرفها تاريخ البشرية- في معظمها- جاءت طافية على سطح حراك جماهيري، كان قد رأى فيها خلاصه من الأزمة العميقة التي تهدده؛ ففوضها، ومنحها قوته وسلطته. لكن عجزها البنيوي من جهة، وفائض القوة الذي منحه الحراك الجماهيري لها من جهة ثانية، يدفعها إلى أن تجد نفسها- بعد فترة من الزمن قد تطول أو تقصر- في مواجهة شرسة مع الجماهير التي أنتجتها؛ لأن مرجعية الفاشية ليست في الجماهير وليست في الدساتير، إنها في المقدس، أو في الأيديولوجيا، أو في الحاكم المطلق؛ وعلى هذا فإنها ترى نفسها فوق النقد والمحاسبة والمساءلة؛ وهكذا تغدو عائقاً في وجه حاجات المجتمع الطبيعية.

لقد كانت النتيجة الأكثر أهمية من بين نتائج الحرب العالمية الثانية، هي تكريس صيغة الدولة القائمة على المواطنة وحقوق الإنسان، صيغة جعلت من الشعوب مرجعية أولى للحكومات في الدولة الحديثة، وهي الصيغة ذاتها التي قطعت مع إعادة إنتاج الفاشية مرة أخرى. غير أن المشكلة بقيت قائمة في المجتمعات التي لم تتطور فيها الدولة إلى الحد الذي يتيح للشعوب أن تكون هي مرجعية الحكومات أو السلطات.

إن الفاشية هي تعصب سميك ناتج- في أحد أوجهه- عن أحادية الرؤية؛ فهو تعصب لا يرى الصواب سوى من زاوية واحدة، ولا يراه إلا في موقع واحد، وكل ما عدا ذلك فهو باطل وكفر وعدو؛ ولذلك فهو مرفوض.

إن رؤية الفاشية الأحادية تتكرس نتيجة عوامل عديدة، قد كانت هي نفسها سبباً في صعودها، وهي العوامل التي يمكن تكثيفها بالتالي: أحادية المرجعية، وعدم الاعتراف بأي مرجعية أخرى، واعتبار هذه المرجعية هي المالك الوحيد للحقيقة المطلقة، مع ما ينتج عن هذا من آليات التعامل مع الآخر، سواء أكانت عبر التعالي أم بالإقصاء أم بالتكفير ...إلخ.

يدرك حزب الله جيداً، أنه أكثر المتضررين من المشروع الذي يطرحه الحراك في الشارع، وأن هذا المشروع يعني، فيما لو تمكن الحراك من إنجازه، نهاية مشروع حزب الله الأساس.

في 17 تشرين الأول نزل اللبنانيون إلى الشوارع مدشنين حراكاً، هو الأول من نوعه في تاريخ لبنان، وبغض النظر عن أسباب هذا الحراك، فإن أهم ميزاته هي: إعلانه رفض الصيغة الطائفية التي يقوم عليها لبنان، وإعلانه مواجهة الطبقة السياسية التي تتحكم بلبنان على أساس تلك الصيغة.

لست هنا في وارد الحديث عن طبيعة هذا الحراك، ولا عن القوى الحاملة له، ولا عن القوى التي تقف بوجهه... إن ما أريد الحديث عنه هو انعكاس هذا الحراك على منظور حزب الله، وعن أثره عليه، وعن احتمالات تعاطي حزب الله مع تطورات هذا الحراك.

لا يخفى على أحد اليوم موقع حزب الله في لوحة لبنان السياسية، هذا الموقع الذي فرضه فائض القوة المتوفر له بحجة المقاومة، وعليه فهو حجر الأساس في المشهد السياسي؛ ولهذا سيتوقف مسار لبنان في المرحلة القادمة على طريقة تعاطي هذا الحزب مع هذا الحراك.

يدرك حزب الله جيداً، أنه أكثر المتضررين من المشروع الذي يطرحه الحراك في الشارع، وأن هذا المشروع يعني، فيما لو تمكن الحراك من إنجازه، نهاية مشروع حزب الله الأساس، بما هو امتداد طائفي عضوي لمشروع الولي الفقيه في إيران. 

إن المعضلة الأهم التي يواجهها حزب الله في هذا الحراك تكمن في هوية الحراك غير الطائفية، وفي اختراقه للطوائف وخصوصاً الطائفة الشيعية؛ الأمر الذي يضع الحزب في مواجهة مع جزء من حاضنته التي يدعي تمثيلها، وفي حال تطور هذه المواجهة فإن احتمال انفراط الحاضنة كلها يصبح وارداً، خصوصاً بعد الطعنات التي تلقتها هذه الحاضنة بسبب زج حزب الله لمقاتليه في الحرب السورية وفي مواجهة الشعب السوري.

لكي يوقف حزب الله محاولة الشارع اللبناني الذهاب باتجاه اللاطائفية، فقد أقدم على عدة مواقف عكست بوضوح خطته الراهنة، وربما تعكس ما قد يقوم به لاحقاً.

ثلاثة مواقف اتخذها حزب الله، كانت بالغة الدلالة: أولها تمثل في إعلان أمينه العام عن أن الانهيار المالي القادم - إذا استمر الحراك- لن يؤثر على إمكانية الحزب المادي.

ثلاثة مواقف اتخذها حزب الله، كانت بالغة الدلالة: أولها تمثل في إعلان أمينه العام عن أن الانهيار المالي القادم - إذا استمر الحراك- لن يؤثر على إمكانية الحزب المادية، وأن الحزب سيستمر في دفع رواتب حاضنته عندما يعجز الآخرون. هذا الذي يعني رشوة واضحة للحفاظ على حاضنته الأقرب المنخرطة بشكل مباشر في مشروعه.

وثانيها كان في ترافق رايتي حزب الله وحركة أمل في الهجوم على ساحات المتظاهرين والمعتصمين، وهما- كما هو معلوم- التعبيران السياسيان الأهم للطائفة الشيعية؛ الأمر الذي يراد منه إغلاق الباب أمام الرهان على تباين ما داخل الطائفة الشيعية حيال ما يجري.  انقسام الطائفة حتى ولو بشكل ظاهري. أما ثالثها وأخطرها فهو الرسالة التي تجلت في الهتاف المتعمد الذي هتف به من هاجموا مواقع التظاهر، وهو: شيعة.. شيعة.. شيعة، مع ما يعنيه هذا من شد لعصب الطائفة الشيعية من جهة، وتهديد صريح بزج المجتمع اللبناني كله في محرقة مواجهة طائفية.

إن حزب الله يدرك جيداً: أنه أمام معركة مصيرية، وأنه غير قادر على تحمل أي خسارة فيها؛ لأن أي خسارة لن تعني غير النهاية؛ خصوصا في ضوء ما يحدث في العراق وفي إيران، لذلك سيدفع حزب الله إلى:

1- زج الجيش والأجهزة الأمنية في الواجهة لقمع الحراك وإنهائه بأسرع وقت ممكن.

2- الإبقاء على تماسك الحاضنة الشيعية المؤيدة له.

لكن، إن لم يقبل الجيش بخوض هذه المعركة، واستمر الحراك، فإن حزب الله سيجد نفسه مضطراً إلى خيار الدفع باتجاه انهيار الدولة والذهاب إلى 7 أيار آخر، لكن بسيناريو مختلف هو ذاته السيناريو الذي طبقه قاسم سليماني في سوريا، وهو خلق طرف يمكن إلباسه ثوب الإرهاب والتطرف، ويمكن تشكيله بمساعدة أجهزة مخابرات سورية إيرانية، ثم الدفع باتجاه "حرب أهلية" بحجة محاربة هذا الطرف، وهكذا يمكن إجهاض الحراك في لبنان، و إفساح المجال أمام حزب الله لكي يهرب إلى الأمام.

عندها ستصبح الدولة اللبنانية أسيرة قبضة فاشية طائفية تزجه في مواجهة مع المجتمع اللبناني أولاً، ومع المجتمع الدولي ثانياً.

كل هذه الاحتمالات قائمة، لكنها تبقى مرتبطة بسؤال بالغ الأهمية:

هل يحافظ اللبنانيون، وخصوصاً "حاضنة" حزب الله، على إعلاء الهوية اللبنانية فوق الهويات الطائفية؟