من تدمير سوريا إلى بيعها

2023.08.03 | 06:47 دمشق

من تدمير سوريا إلى بيعها
+A
حجم الخط
-A

خلال السنوات الماضية، لطالما تعالت أصوات من المعارضة السورية، تحذر من خطط إيران وشركاء محليين مرتبطين بنظام الأسد، للاستيلاء على أراض وممتلكات في مناطق بعينها من سوريا، نظرا لأهميتها "العقائدية" أو الاستراتيجية أو الاقتصادية والتجارية بالنسبة إليهم، وخاصة في العاصمة دمشق ومحيطها، إضافة إلى حلب ومناطق في شرقي البلاد قرب الحدود مع العراق.

ومع تجدد اندلاع الحرائق في الساحل السوري خلال الأعوام الأخيرة، برزت أيضا شكوك بأنها متعمدة ومن فعل فاعل، ونذكر أن النظام السوري اعتقل العام الماضي مجموعة من الأشخاص، وأعلن عن إعدام 24 منهم بتهمة افتعال الحرائق في تلك المنطقة عام 2020، بتوجيه من "جهات خارجية" دون أن يوضح ماهية تلك الجهات ودوافعها. واتضح لاحقا أن غالبية هؤلاء الأشخاص، والذين ظهر بعضهم في فيلم مسجل بثته وسائل إعلام النظام، هم من قرية واحدة في منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي استعادها النظام عام 2016، وأغلبهم كانوا في عداد المفقودين، أي جرى اعتقالهم بعد سيطرة النظام على قريتهم، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يعدو أن يكون تمثيلية من النظام هدفها امتصاص الغضب الشعبي، من جراء عجزه عن إخماد الحرائق، وعدم قدرته على تعويض الأهالي، إضافة إلى صرف الأنظار عن مفتعلي الحرائق الحقيقيين.

وبرز الأمر مجددا هذا العام بعد حريق سوق ساروجة في دمشق القديمة، ومن ثم بدء موجة الحرائق في الساحل السوري، والتي أكدت جهات عدة، بما فيها مسؤولون من النظام، أنها مفتعلة، دون أن يجرؤوا على توجيه الاتهام إلى جهة محددة، ودون أن يحاولوا حتى تكرار سيناريو العام الذي سبق عبر اتهام أشخاص مجهولين بافتعالها، لأن هذا السيناريو لم يكن مقنعا لدى معظم الحاضنة الشعبية للنظام، والتي باتت تربط بين مفتعلي الحرائق، ومن يقوم بشراء الأراضي بعد حرقها، معتبرين أنهما جهة واحدة لا يمكن أن تكون منفصلة.

الواقع أن ثمة معطيات عدة تشير إلى أن الأشخاص الذين يعرضون شراء الأراضي المحروقة في كل مرة هم على صلة بمنظمة "الأمانة السورية للتنمية" التي تديرها أسماء الأسد

وعبرت عن هذا الرأي الناشطة الموالية لمى عباس في أكثر من بث وتعليق على صفحتها في "فيس بوك"، وكذلك العديد من المعلقين لديها، من أبناء الساحل، وسط توجيه اتهامات مبطنة من جانبها، وصريحة من جانب المعلقين، بوقوف جهات أجنبية (إيران) ومحلية (أسماء الأسد) بالوقوف خلف هذه الحرائق، بهدف دفع الأهالي لبيع أراضيهم المحروقة، وصولا إلى تغيير هوية المنطقة، عبر إحلال سكان آخرين مكان السكان الحاليين.

والواقع أن ثمة معطيات عدة تشير إلى أن الأشخاص الذين يعرضون شراء الأراضي المحروقة في كل مرة هم على صلة بمنظمة "الأمانة السورية للتنمية" التي تديرها أسماء الأسد، وخاصة رجلي الأعمال يسار إبراهيم وأبو علي خضر، إضافة إلى آخرين ممن لهم تواصل غير مباشر مع هذه الشبكة أو مع إيران. ومن المفهوم أن أسماء الأسد، ومنظمتها، لا تعملان لحسابهما الخاص، بل لحساب "القصر الجمهوري" وتحديدا عائلة بشار الأسد وشقيقه ماهر، ويتلخص نشاطها في محاولة الاستيلاء على الأنشطة المدرة للأموال، بكل الطرق "القانونية" إن أمكن، (ويسهل عليها إصدار وسن القوانين المطلوبة)، أو الوسائل الأخرى، مثل افتعال الحرائق، خاصة في منطقتي دمشق القديمة والساحل السوري، حيث يصعب تمرير قوانين ملزمة ببيع الأراضي والممتلكات دون موجبات أمنية أو "اقتصادية وطنية" مقبولة.

ولا يقتصر عمل هذه المنظمة بطبيعة الحال على مثل هذه الأنشطة، فهي تتولى تشبيك كادر التكنوقراط في مختلف قطاعات "الدولة" الحيوية بحيث يكونون مجندين لصالح "القصر" مباشرة، فضلا عن استبدال طبقة رجال الأعمال القديمة، بأشخاص جدد من أثرياء الحرب، وممن ليس لديهم سجل مهني قد يدفعهم الحرص عليه وعلى تاريخ عائلاتهم، للتحفظ على ما يطلب منهم من مهام "قذرة" في بعض الأحيان.

وأضف إلى ذلك تدخلات أسماء الأسد ومنظمتها في أعمال الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها الهلال الأحمر السوري، إضافة إلى صلاتها مع منظمات دولية مانحة، باعتبار "الأمانة السورية للتنمية" هي إحدى أهم شركاء تلك المنظمات في الساحة السورية. وباختصار، فإن نشاط المنظمة يتصل بكل ما يصب في تحصيل الأموال من أنشطة اقتصادية وخدمية وإنسانية، وتكديسها لصالح القصر الجمهوري، وعائلة الأسد. ويكمل ذلك ما تقوم به جهات أخرى من أنشطة "مشبوهة" أو غير نظامية مثل "الفرقة الرابعة" بقيادة ماهر الأسد، عبر تجارة المخدرات، وإتاوات الحواجز.. الخ.

وبهذا المعنى، فإن "حكومة الظل" التي تديرها أسماء الأسد تسعى للاستحواذ على "القطاعات المفيدة" أو المدرة للأموال، وتترك للحكومة الرسمية "المهام القذرة" في تأمين الحد الأدنى من مستلزمات دوران الحياة من كهرباء ومياه وخدمات بأقل الموارد الممكنة، بحيث تكون تلك الحكومة في مرمى الانتقادات الشعبية، ويتم تحميلها وزر التردي الاقتصادي والمعيشي.

عائلة الأسد، تنقل اليوم بعد 10 سنوات من تدمير سوريا، إلى بيع ما تبقى منها أو ضمه عنوة إلى ممتلكات آل الأسد، دون أدنى اكتراث بمحنة الشعب السوري، بما فيه فئات الموالين

وفي ضوء هذا الشح في الموارد، سوف "تضطر" الحكومة الرسمية إلى بيع قطاعات حيوية لـ"القطاع الخاص" أو جهات خارجية، مثل ميناءي طرطوس واللاذقية، لإيران وروسيا، ثم مطار دمشق الدولي وشركة الطيران السورية وبعض المدارس الحكومية، وليتضح أن المستثمرين الجدد هم أيضا مجرد واجهة لأسماء الأسد، وشبكتها الاقتصادية.

وخلاصة القول، فإن عائلة الأسد، تنقل اليوم بعد 10 سنوات من تدمير سوريا، إلى بيع ما تبقى منها أو ضمه عنوة إلى ممتلكات آل الأسد، دون أدنى اكتراث بمحنة الشعب السوري، بما فيه فئات الموالين، والتي تتعاظم كل يوم، حتى وصلت إلى درجات غير مسبوقة في التردي المعيشي والإنساني.