من السودان إلى أفغانستان.. أميركا فوق "الحزام والطريق"

2023.06.02 | 09:21 دمشق

من السودان إلى أفغانستان.. أميركا فوق "الحزام والطريق"
+A
حجم الخط
-A

تبدلات سريعة تطرأ على التطورات الدولية والإقليمية. بعد الإعلان عن الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، حتى بدأت ظروف بعض الاستقرار تتغير. وفي الوقت الذي ظهر فيه للصين مشروع سياسي في منطقة الشرق الأوسط، كان هناك استنفار أميركي لمواجهته وإن بشكل صامت حتى الآن، وهو ما تبدى من خلال تكثيف زيارات المسؤولين الأميركيين إلى الرياض للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، سعياً وراء إعادة ترتيب العلاقات وتحسينها. وغداة الاتفاق، انفجر الوضع في السودان، مع ما يشكله ذلك من مخاطر على الأمن القومي السعودي والمصري، لا سيما أن الجانبين يسعيان إلى توفير مزيد من الاستقرار. انفجار الوضع في السودان جاء على وقع إعلان بن سلمان عن مشروع منطقة اقتصادية خالصة في البحر الأحمر. وعلى وقع محاولات التقارب الأميركي السعودي، برزت بعض التوترات في العلاقة بين موسكو والرياض، منها ما يتعلق بدعوة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي إلى القمة العربية، وبينها ما يرتبط بعدم التزام روسيا بتخفيض إنتاج النفط وفق ما تقرر في اجتماع أوبك بلس.

الخطوة الأميركية بالانسحاب من أفغانستان سيكون لها تداعيات كبيرة على كل الوضع في شرق آسيا، تتأثر به سلباً كل من الصين وروسيا وإيران، وهي وقائع ستنعكس على الوضع داخل إيران أيضاً

على الضفة المقابلة، تصاعد منسوب التوتر على الحدود الإيرانية الأفغانية، ما يشكل تهديداً للاستقرار أيضاً هناك، وهذا سيبقى ملفاً مفتوحاً في المرحلة المقبلة إذ لن يكون من السهل إقفاله سريعاً، ولا حتى ضمان استمرار مسألة الاتفاقات المرحلية أو التهدئة. وبُعيد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، كتبنا في هذه الزاوية بالتحديد عن مؤشرات ومخاطر هذه الخطوة على المدى القريب والمتوسط ومدى أثرها على منطقة شرق آسيا، وكان ذلك تحت عنوان: "أميركا الخارجة من أفغانستان.. تجديد التفجير". ومما ورد في المقال حينذاك الخطوة الأميركية بالانسحاب من أفغانستان سيكون لها تداعيات كبيرة على كل الوضع في شرق آسيا، تتأثر به سلباً كل من الصين وروسيا وإيران، وهي وقائع ستنعكس على الوضع داخل إيران أيضاً. ولهذا للانسحاب الأميركي أثر أكبر على مشروع الصين ومبادرة حزام وطريق".

تسوء العلاقات مع إيران أكثر فأكثر، ومن الممكن أن تكون مقبلة على مزيد من التوتر، بينما الحدود مفتوحة بدون أي روادع، ولن يكون من السهل إقفالها، نظراً لطولها وتضاريسها الصعبة، كما أنه في الداخل الإيراني هناك تعاطف لدى البلوش مع طالبان. بالعودة إلى النظرة التاريخية، يتوقف الجميع عند مجزرة مزار الشريف والتي قتل فيها عدد كبير من الديبلوماسيين الإيرانيين، ما يؤشر إلى حجم الخلاف العقائدي بين الجانبين، ووجود نوازع انتقامية وثأرية بين الجانبين. منذ ما قبل الانسحاب الأميركي، كانت المفاوضات دائرة بين طالبان والإدارة الأميركية، أيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على قاعدة التسليم بسيطرة طالبان على أفغانستان. ومعلوم أن سياسة ترامب كانت تركز على مواجهة الصين وتطويقها أكثر، وهذه عبارة عن سياسة أميركية عميقة ترتبط بصراع العمالقة. وسترسخ هذه التوترات مجدداً على وقع الانقسامات الدولية، الموجة الدينية السنية في أفغانستان والتي لن يكون من السهل أن تتغير، وهنا لا يمكن إغفال المسألة الحدودية بين أفغانستان والصين، وهذا ما سيفتح الأعين على مشكلة الإيغور في الصين والذين يعتبرون امتداداً لطالبان. وقد سارعت الصين إلى ترتيب العلاقات مع طالبان تفادياً لحصول أي توترات، أو صدامات. خاصة أن الصين تركز في مشروعها على الاستقرار.

ليس بالضرورة أن يكون أي انسحاب أميركي أو انكفاء هو عبارة عن تراجع في الدور، إنما غالباً ما يكون تراجعاً في سبيل العودة إلى التقّدم

في حين قد يكون التسليم الأميركي لطالبان في أفغانستان هدفه ضرب الاستقرار في تلك المنطقة، وجعل الحدود مع إيران كما مع الصين غير قابلة للاستقرار وفي حالة توتر دائم، ما سينعكس سلباً على مشروع "الحزام والطريق" الصيني. ما يجري وبالعودة إلى تجارب أميركية تاريخية في الانكفاء عن الساحة العالمية أيام التغير أو أيام الحروب، فليس بالضرورة أن يكون أي انسحاب أميركي أو انكفاء هو عبارة عن تراجع في الدور، إنما غالباً ما يكون تراجعاً في سبيل العودة إلى التقّدم. فقبل الحرب العالمية الأولى كانت أميركا في حالة انكفاء وحياد عن الصراعات لكنها اختارت توقيت التدخل وحسم الحرب ووجهتها ونتائجها، وكذلك بالنسبة إلى الحرب العالمية الثانية والتي بعدها دخلت واشنطن في مسار صناعة "النظام العالمي" الذي توجته في انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، والتي كانت أوروبا كما منطقة شرق آسيا أساسية في ذلك، وهذا ما يتكرر حالياً بناء على الحرب الروسية الأوكرانية، وأوضاع شرق آسيا، في ظل التطويق الأميركي للصين من خلال حلفاء كما هو الحال بالنسبة إلى اليابان، والفليبين، وكوريا الجنوبية، واستراليا، أو من خلال انعدام الاستقرار بفعل الصراعات التي يمكنها أن تبقى مشتعلة.