icon
التغطية الحية

منزل بدون مرآب ومدينة بدون شواحن: تحديات الشحن الكهربائي في المدن الكبرى

2024.06.07 | 12:51 دمشق

سيارة كهربائية تشحن بواسطة كابل يمدها بكهرباء من أحد مطابخ الشقق في البناء وذلك في أحد أحياء مدينة نيويورك
سيارة كهربائية تشحن بوساطة كابل يمدها بكهرباء من أحد مطابخ الشقق في البناء وذلك في أحد أحياء مدينة نيويورك
Bloomberg- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

وهي تجلس خلف مقود سيارتها الرمادية من نوع تيسلا موديل واي، تستخدم ستيفاني دوبا المقيمة في بروكلين هاتفها لتدخل رقم لوحة رخصة سيارتها والجهة المصنعة والطراز لسيارة تويوتا كامري عبر استمارة إلكترونية تستخدم في مدينة نيويورك من أجل الإبلاغ عن عملية ركن لسيارة بطريقة مخالفة للقانون، ثم يطلب منها أن تصف المشكلة، فتجيب من خلال ميزة تحويل الكلام إلى نص: "عملية ركن لسيارة تعمل بالغاز عند محطة لشحن مركبة كهربائية".

تقدر دوبا بأنها قدمت ما لا يقل عن عشرة بلاغات منذ أن أقامت مدينة نيويورك محطات لشحن المركبات الكهربائية بالقرب من بيتها قبل ثلاث سنوات. وبما أنها نصبت نفسها وصية على هذا الموضوع، لذا فإنها تسير في بعض الأيام لتصل إلى شارع تصطف الأشجار على جانبيه حيث نصبت محطات الشحن للعموم فقط لتتحقق من أنها مشغولة بمركبة مزودة بمحرك يعمل على الاحتراق الداخلي، بيد أنها لا تنتظر حتى تصدر غرامات بموجب شكاويها، لأنها تعتقد بأن تقديم عدد كاف من الشكاوى يمكن أن يقنع بلدية المدينة بتعزيز عملية إنفاذ القانون.

ليست كل الأماكن مناسبة للشحن

يعاني معظم القاطنين في منطقة مدينة نيويورك مما تعانيه دوبا بعد أن اتجهوا لاستخدام سيارات كهربائية بكل جسارة، فلقد أعلنت المدينة عن مخططاتها الساعية لتركيب 40 ألف محطة للشحن من الدرجة الثانية، والتي بوسعها تزويد أي مركبة كهربائية بشحن كامل في غضون فترة تتراوح ما بين أربع إلى ثماني ساعات، إلى جانب تركيب ستة آلاف شاحن سريع بحلول عام 2030. ولكن اليوم يوجد نحو 2200 محطة شحن عامة في مختلف أرجاء المدينة، 10% منها تعتبر شواحن سريعة، بحسب ما أعلنته وزارة الطاقة الأميركية. لكن التوزع غير العادل يعني أنه بإمكان المشكلات التي لا يتكرر حدوثها كثيراً والتي تتصل بتعطل المعدات أو إشغال مواقع معينة أن تخلف أثراً هائلاً. إذ عندما راجعت بلدية المدينة بيانات الاستخدام بالنسبة لمئة شاحن من الدرجة الثانية، تبين لها بأن متوسط معدل الاستخدام يعادل 72% حتى تاريخ اليوم من هذا العام، كما اكتشفت بأن السيارات التي تعمل على الغاز قد سدت الطريق أمام الشواحن بنسبة 20% على مدار سنة ونصف.

تعلق دوبا على ذلك بقولها: "يجب أن يعرف الناس بأنهم يؤذون غيرهم عندما يسدون الطريق عند الشاحن، لأن ذلك أشبه بأن تركن سيارتك عند محطة للتزود بالوقود وتذهب تاركاً إياها هناك".

تهدف بلدية مدينة نيويورك إلى الحد من انبعاثات السيارات ضمن خطتها الساعية للوصول إلى نسبة الصفر المطلق بحلول عام 2050، عندئذ سيصل الطلب في تلك المدينة على السيارات الكهربائية إلى نسبة 20% من عمليات التسجيل على سيارات جديدة. بيد أن الوصول إلى تلك المرحلة يتطلب وجود شبكة شحن قوية وموثوقة، إذ في الوقت الذي يشحن فيه 80% من سائقي السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة سياراتهم أمام بيوتهم، يعتمد نصف السائقين في مدينة نيويورك على الشواحن الموجودة في الشوارع.

في عام 2021، أقامت وزارة النقل في هذه المدينة شراكة مع مؤسسة Consolidated Edison الخدمية ومع شركة كندية لشحن المركبات الكهربائية وهي شركة FLO لتنفيذ برنامج تجريبي يقوم على تركيب شواحن في الطرقات من الدرجة الثانية في خمسة أحياء، ومنذ ذلك الحين جرى تركيب مئات أخرى من الشواحن المخصصة للعموم على يد شركات خاصة بينها شركة تيسلا وشركة EVgo، ومع ذلك جرت الأمور ببطء، بسبب قصور الشبكة، ومتطلبات الشحن في المنطقة، والتنافس على إشغال البلدية للمساحات الممتدة بجانب الأرصفة، وكل تلك الأمور أثرت على كيفية تركيب معظم الشواحن وعلى أماكنها.

وعن ذلك يقول ترافيس آلان وهو رئيس قسم الشؤون القانونية والعامة لدى شركة FLO: "إن مدينة كنيويورك أقامت بنيتها التحتية على مدار مئة عام فأكثر، ولهذا لا تعد كل الأماكن مناسبة للشحن".

حتى تقوم شركة FLO بتركيب شواحنها بجانب الأرصفة، عليها أن تتجنب التداخل مع مسارات الدراجات، وأماكن تحميل الشاحنات وصنابير الإطفاء، ولهذا تشاور موظفو الشركة مع الأهالي وأعضاء مجلس المدينة حول أفضل المواقع وأقلها مضايقة. ويخبرنا آلان بأن الشركة تلقت كثيراً من الملاحظات السلبية التي قدمها أهالي نيويورك الذين يرون بأنه لا يوجد ما يكفي من محطات الشحن، لكنه يفخر بفترة التشغيل التي تعادل 99.9% بالنسبة للشواحن التي نصبتها شركة FLO في تلك المدينة حتى الآن.

تحدثت أيضاً سارة رافالسون، وهي النائبة التنفيذية لرئيس قسم الشؤون الخارجية ووضع السياسة، عن القيود التي تحد من سعة المدن لتلك المحطات بوصف ذلك تحدياً يظهر في عدة مناطق بنيويورك، لكنها أعربت عن تفاؤلها حيال دوافع الحكومة المحلية، فتحدثت عن زيادة قدرها 539 مليون دولار في ميزانية لجنة الخدمات العامة بولاية نيويورك، والتي خصص فيها مبلغ 1.24 مليار دولار من أجل المركبات الكهربائية، كما سيخصص جزء من هذا المبلغ لتخفيض أسعار الكهرباء بالنسبة لمشغلي محطات الشحن. وخلال العام الماضي، أعلنت اللجنة عن مخططات تقضي بتخصيص مبلغ قدره 372 مليون دولار لتركيب محطات في المناطق الفقيرة.

 تعقب رفالسون على ذلك بقولها: "إن التحدي الحقيقي في نيويورك هو إنجاز العمل، لكني أرى عموماً بأن السوق في نيويورك جذاب للغاية، وبوسعي القول إن نشاط السياسة أسهم فعلاً في جعله أشد جاذبية".

مع تركيب مزيد من أجهزة الشحن في عدد أكبر من الأحياء، أصبح من الأسهل العثور على قابس متوفر في مختلف أرجاء مدينة نيويورك. في حين أعلنت وزارة النقل في تلك المدينة عن أن زيادة الاستخدام تحد من تكرر وقوف السيارات التي تعمل على الغاز لتسد المكان أمام تلك الشواحن. كما تتعاون وزارة النقل في الولاية مع الشرطة على تعليم الضباط وتثقيفهم حول تلك الأمور وزيادة عملية إنفاذ القانون عند المقابس العامة.

كابل عبر النافذة وسيارة في الممر

في تلك الأثناء، لم تعد دوبا تسعى وحدها في البحث عن حلول إبداعية، إذ في مدينة جيرسي، اشترى سال كاميلي أول سيارة كهربائية له في عام 2021، واليوم أصبح لديه سيارتان من نوع نيسان لييفس، لكنه نادراً ما يقودهما، إلى جانب سيارة تيسلا من نوع واي، غير أنه لا يمتلك مرآباً أو ممراً للسيارات حتى يشحن سياراته فيه، ولهذا وظف كهربائياً قبل ست سنوات ليمدد له كابلاً طوله ستة أمتار تقريباً حتى يوصله بقابس النشافة الموجودة في مطبخه، وقد مرر هذا الكابل عبر النافذة ليخرج إلى الشارح حيث ثبتت فوقه لافتة لمنع تعثر المارة به.

وعن ذلك يحدثنا كاميلي فيقول: "لم يكن هنالك أي شاحن في الحي خلال تلك الفترة، لأنها كانت موجودة فقط في وسط مدينة جيرسي، أي على مسافة تبعد أربعة كيلومترات، ولهذا لم يكن بوسعي أن أضع السيارة في الشحن هناك ثم أذهب إلى البيت، صحيح أنه بإمكاني أن أركب سيارة أجرة، لكن الفكرة بحد ذاتها سخيفة، أليست كذلك؟".

في الليالي التي يحتاج فيها كاميلي أن يستخدم شاحنه الخاص، يتمثل أكبر تحد لديه بتأمين مكان لركن السيارة قريب بما يكفي من الكابل حتى يتم توصيلها به، وهنا يأتي دور السيارتين من نوع نيسان، إذ تشغل إحداهما المكان القريب من اللافتة خلال النهار، في حين يقود كاميلي سيارته التيسلا ليزور عملاءه الذين يتوجهون إلى مشروعه الشخصي في مجال تقانة المعلومات، أما سيارة النيسان الأخرى فيركنها خلف الأولى، وعندما يعود كاميلي إلى بيته يحرك السيارة التي تشغل المكان المخصص للشحن، ثم يركن سيارة تيسلا مكانها، ويركن سيارة النيسان الثانية بشكل مائل ليحمي قابس الشاحن الممتد من أي حركة جانبية قد تضره.

يخبرنا كاميلي بأن عملية الشحن الكاملة تكلفه 13.65 دولاراً، أو 15 دولاراً في الصيف عندما ترتفع أسعار الكهرباء، مقارنة بمبلغ 18 دولاراً في محطات الشحن التي جرى تركيبها بالقرب من شقته قبل بضع سنين. ثم إنه يشحن سيارته تيسلا كل أربعة أيام ويقودها مسافة تعادل 2.010 كيلومترات بالسنة، في حين يشحن سيارتي النيسان كل شهر ونصف، ولهذا يخبرنا بأن تكاليف الشحن السنوية لا تقل عن خمسمئة دولار.

خيار آمن وحلول ذكية

أما روي رادا، وهو مدير مشروع مبتكر في مجال التنقل الإلكتروني لدى شركة ConEd والذي سمع عن تركيب أجهزة شحن مشابهة في كل أرجاء المدينة، فقد قال: "أحترم الابتكار، بيد أن أهالي نيويورك سيحصلون على ذلك بطريقة أو بأخرى، ولكن علينا أن نزودهم بخيار مؤمن بصورة أكبر حتى يتمكنوا من اللجوء إليه".

ينصح رادا أهالي المدينة بالتشاور مع متخصصين في بناء المرافق لمعرفة مدى تأمين عملية الشحن عبر منازلهم، لأن هذه العملية إن لم تكن آمنة فعندئذ يحق لمالكي المركبات الكهربائية أن يرفعوا الأمر إلى الجهة التي تدير العقار الذي يسكنونه، وبذلك قد يحصلون على خصم عند تركيب شواحن خارج البناء من خلال برنامج Power Ready الذي قدمته شركة ConEd.

ومع زيادة عدد السائقين الذين يعيشون في المدن ويشترون سيارات كهربائية، ينبغي على المدن ذات الكثافة السكانية العالية مثل نيويورك أن تنفذ حلولها الذكية، إذ يحلم كثير من المتحمسين لسيارات الكهرباء، مثل دوبا وكاميلي، بمستقبل لبنية تحتية تتسم بإبداع أكبر، مثل الشواحن الموجودة ضمن أعمدة الإنارة أو تلك التي تركب بالقرب من الأرصفة وتشتمل على جهاز لاسلكي للشحن مدمج بالرصيف.

يعلق كاميلي على ذلك بقوله: "تخيل أن يكون مكان لركن السيارات في طريق برودواي بكامله، من قمة مانهاتن وحتى الحديقة، على شاحن لاسلكي".

في حين يحلم آخرون بطرق تساعد على ربط سائقي السيارات الكهربائية الذين يحتاجون إلى قابس بأشخاص يملكون مقبساً، ولهذا أسس جيمس فرانسواز في عام 2019، شركة ناشئة أطلق عليها مورد للطاقة البديلة، ومن خلالها وضع فرانسواز تصوراته لتطبيق بين أهالي المنطقة يعمل على ربط أهالي نيويورك الراغبين في تأجير مساحات الشحن المنزلية الخاصة بهم لسائقين يعتمدون على المقابس العامة لا سيما أولئك الذين يتقاسمون الطريق في رحلة ما، ومن المقرر أن يجري الإطلاق التجريبي لهذا التطبيق في شهر أيلول المقبل.

يعلق فرانسواز على ذلك بقوله: "إن الناس مهتمون، إذ منذ كوفيد، أصبحوا أميل للاستهلاك التشاركي وباتوا على استعداد لمساعدة جيرانهم".

يرى فرانسواز بأن فكرة مشروعه قابلة للتطبيق بالنسبة لمن يحاربون التغير المناخي، إذ يشترك في هذا الدافع المحفز معظم من اشتروا سيارات كهربائية بمن فيهم دوبا التي تقول: "يحتل المناخ مساحة كبيرة من تفكيري، كما يعتبر العمل على التحول إلى المركبات الكهربائية جزءاً من مناصرة المناخ والنشاط في هذا المجال، حتى لو بقي ذلك على نطاق محلي ضيق يعتمد على تطبيق القانون لفسح المجال أمام السيارات الكهربائية في منطقتي بالوصول إلى محطة الشحن المخصصة لتلك السيارات".

المصدر: Bloomberg