مناهضة روسيا تنمو في مولدوفا.. هل ستفتح موسكو جبهة جديدة؟

2023.11.19 | 06:38 دمشق

قوات من الجيش المولدوفي ـ رويترز
+A
حجم الخط
-A

بمجرد الإعلان عن سقوط ناغورني قره باغ، دخلت على الفور حيز التنفيذ خطة نظامية في مولدوفا لإضعاف معنويات مقاطعة ترانسنيستريا ذات الحكم الذاتي  وغير المعترف بها دوليا، الخطة بسيطة: بما أن "روسيا لم تدافع عن قره باغ"، فإن ترانسنيستريا بالنسبة لها هي حقيبة بدون مقبض، والتي ستتخلى عنها بالتأكيد بمجرد أن يصبح من الصعب عليها حملها. بدؤوا الحديث عن هذا في العاصمة كيشينيف، ولقد ظهرت مصانع كاملة من المتصيدين على الشبكات الاجتماعية، وتعمل بشكل متضافر، في محاولة لتخويف( البريدنيستروفيين) سكان  إقليم  ترانسنيستريا.

لابد من القول بأن  دروس قره باغ باتت  مفيدة  لكل المناطق الإنفصالية التي رعتها روسيا وساهمت بانفصالها لمصالح سياسية وهذا ينطبق على جمهورية ترانسنيستريا في مولدوفا لأن طريقتها باتت تتشابه من خلال التشديد  بالحصار عبر خطة محكمة لإسقاطها ، مما لا شك فيه، أنها جزء من الخطة بأكملها. وتتكون من عدة أجزاء:

1- الخنق الاقتصادي: لا تزال ترانسنيستريا من دون تجارة في الاتجاه الشرقي. ويتم استيراد كل شيء وتصديره عبر مولدوفا. ويهدف فريق كشينيف، الذي يتحرك بحزم نحو قطع العلاقات مع روسيا، إلى جلب جمهورية بريدنيستروفيا المولدافية غير المعترف بها إلى الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. وتتمثل المهمة في التأكد من أن خزانة بريدنيستروفيا ليس لها دخل، وأن الناس لا يحصلون على معاشات تقاعدية ورواتب.

2- دراسة تفصيلية للإمكانيات العسكرية لترانسنيستريا والقوات الروسية من فلول الجيش الرابع عشر إلى قوات حفظ السلام. إضافة لذلك تحلق الطائرات بدون طيار باستمرار فوق ترانسنيستريا خاصة في الليل. من هم أصحابها؟ بالتأكيد ليست روسية أو من ترانسنيستريا. ويمكن أن نتذكر أن مولدوفا كانت تنوي في العام الماضي شراء عنصرين عسكريين مهمين من ألمانيا: أنظمة الدفاع الجوي والطائرات بدون طيار، فقد استقبل في الآونة الأخيرة حرس الحدود المولدوفي أولى الطائرات بدون طيار من الشركاء الغربيين.

3-الحراك الدبلوماسي: وزادت وزارة الخارجية في كيشينيف عدد الدعوات والمطالبات الموجهة إلى روسيا لسحب فلول الجيش الرابع عشر وإعادة تشكيل صيغة حفظ السلام. و استبدال قوات حفظ السلام الروسية في ترانسنيستريا ومولدوفا بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ولكن هنا يجب علينا أن نعترف بأن القيادة في مولدوفا تتفهم الوضع المتغير وتعرف أن روسيا لن تتركه.

 سوف تنمو الهستيريا المناهضة لروسيا والترانسنيسترية في مولدوفا. وسوف يستمر الترهيب الدعائي من خلال "تجربة قره باغ". وفي مولدوفا نفسها، ستُبذل محاولات لتطهير المجال السياسي من المعارضة بشكل كامل وتصفية القوات الموالية لروسيا.

لكن  التحول الناشئ للقيادة الأرمينية نحو الغرب لن يؤدي على الأرجح إلا إلى تعزيز الكرملين في ظل الحاجة إلى الحفاظ على الوجود الروسي على ضفاف نهر دنيستر. لذلك تم الإعلان عن مطالب كيشينيف من دون الكثير من الحماس.

4-كيشينيف تعمل على تدمير صيغة المفاوضات "5+2"، التي يتم بموجبها تكليف رومانيا  بدور ومكانة أطراف النزاع المعترف بها دولياً. وبالنسبة لروسيا وأوكرانيا – الدول الوسيطة والضامنة، تقوم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بدور الوسيط، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصفة مراقب. ويبدو أن الغرب ورومانيا واضحون وراء جهود  مولدوفا.

5- النقطة المهمة وغير الواضحة تماما لجهة كيف ينظر معارضو تيراسبول ( العاصمة) إلى مستقبل جمهورية بريدنيستروفيا المولدوفية، من خلال :

-الرأي الأول  الذي يشدد على أنه من الضروري الانضمام بشكل لا لبس فيه إلى الاتحاد الأوروبي مع ترانسنيستريا، التي يجب أن تكون تابعة الى كيشينيف  بحلول وقت الانضمام.

-أما الرأي الثاني، والذي عبرت عنه رئيسة مولدوفا مايا ساندو مع وزير الخارجية نيكو بوبيسكو، باقتراح أنه من الممكن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، وسينضم آل بريدنيستروفيا بعد ذلك إلى "الحديقة الأوروبية". وستبدأ المفاوضات بشأن الانضمام بحلول نهاية هذا العام، 2023. ومع ذلك فمن غير المرجح أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن الجيب الذي تتمتع فيه موسكو بالتعاطف. ورومانيا تحتاج إلى جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية السابقة بأكملها، وحسابها بسيط: كمكافأة لخدمتها المخلصة للولايات المتحدة، سيتم منحها المنطقة المحددة. وهكذا، دون التورط في صراع مباشر مع روسيا، فإنها ستحصل على ما كانت تملكه في 1941-1944. خلال هذه الفترة، لم تكن رومانيا تمتلك أراضي مولدوفا الحالية فحسب، بل كانت تمتلك أيضًا أوديسا.

لذلك يرى المحللون الروس بأن روسيا لن تترك هذا الجيب للغرب، لكن هل قيادة مولدوفا مستعدة لصراع مسلح جديد؟ بينما تؤكد قيادة مولدوفا أن التسوية يجب أن تتحقق "بالوسائل السلمية حصرا". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما مدى حرية كيشينيف الرسمية في تصرفاتها وهل سوف لن تُسمع العبارة الكلاسيكية بعد فترة: "لقد تغيرت الظروف"؟ اليوم فإن صيغة التفاوض "5+2" لم تعد صالحة للعمل فالعلاقات بين كيشينيف وموسكو على وشك الانتهاء، والعلاقات بين طرفي النزاع  مجمدة.

وتلعب البعثة الميدانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مولدوفا أيضًا دورًا محددًا. ومن المحتمل أن تتوقف عن العمل بعد 31 كانون الأول/ ديسمبر 2023. لقد  تمت مناقشة هذا الخيار في وسائل الإعلام، بالنسبة لبريدنيستروفيا وروسيا اليوم، من المهم للغاية استئناف العمل بصيغة "5+2"، لكن هذا لم يكن ممكنًا حتى الآن.

أما بالنسبة لمولدوفا فإن الوقت يختلف فعليا وروسيا أضعف من أي وقت مضى، والآن يمكن لكيشينيف تحقيق الاندماج  مع الاتحاد الأوروبي، وأيضا دمج أراضيها المبعثرة بسبب روسيا. ولابد من الانتباه إلى أن الغرب في الشهر السابع في لقاء القمة الأوروبية تعهد بالدفاع عن مولدوفا وتزويدها بأحدث الأسلحة، وخاصة إذا تعرضت لها موسكو ، وروسيا تعيش حربا ضروسا مع أوكرانيا لا يمكنها فتح جبهة أخرى خاسرة .

والأمر المثير للقلق هنا هو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عازمان على تمكين مولدوفا من تحقيق تفوق نوعي في المجال العسكري على ترانسنيستريا. حيث تحلق الطائرات بدون طيار المولدوفية بشكل مستمر تقريبا. ورومانيا اشترت من كيشينيف رادارًا للتحكم في مجالها الجوي (وليس فقط). أرسل الأميركيون والبولنديون عدة طائرات محملة بالأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة، إلى مولدوفا. وهذا مخصص بالفعل لقتال المشاة.

إذن سوف تنمو الهستيريا المناهضة لروسيا والترانسنيسترية في مولدوفا. وسوف يستمر الترهيب الدعائي من خلال "تجربة قره باغ". وفي مولدوفا نفسها، ستُبذل محاولات لتطهير المجال السياسي من المعارضة بشكل كامل وتصفية القوات الموالية لروسيا. ما الذي يمكن أن تعارضه روسيا وترانسنيستريا؟