ملف السويد بالناتو اختبار لعلاقة الأحزاب التركية!

2024.01.18 | 06:57 دمشق

ملف السويد بالناتو اختبار لعلاقة الأحزاب التركية!
+A
حجم الخط
-A

لم يعد ملف التصديق على عضوية السويد في الناتو من قبل تركيا أمراً مرتبطاً ببعد منفصل محله السياسة الخارجية لأنقرة، بل تحول إلى قضية داخلية ذات محور مهم لجميع الأحزاب التركية التي نجحت بحجز مقاعد لها داخل البرلمان إثر الانتخابات الأخيرة منتصف 2023.

أواخر العام الماضي، حينما وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على بروتوكول انضمام السويد إلى حلف الناتو، أحال الملف إلى البرلمان التركي كسلطة تشريع سيكون لها الكلمة الأخيرة في الموافقة على هذا القرار أو لا.

وفي 26 كانون الأول/ديسمبر العام المنصرم، صدقت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان على البروتوكول، ومن المنتظر إحالة الملف إلى الجمعية العامة للبرلمان من أجل التصويت عليه وهنا تبرز معالم تحول هذه القضية إلى كونها ذات بعد داخلي.

لفهم هذا التحول، يجب ملاحظة أن لجنة العلاقات الخارجية وتكون ممثلة من شتى أحزاب البرلمان، كانت منقسمة فيما بينها بشكل ملحوظ، وأبرزت بشكل خاص انقسام الأحزاب المعارضة.

خلال ذلك التصديق، وافق ممثلو حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه "الحركة القومية" على البروتوكول، وإلى جانبهما، وافق حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة عليه كذلك.

لكن في المقابل، نجد أن حزب "الجيد" الذي تقوده ميرال أكشنار رفض التصديق المبدئي على البروتوكول، وإلى جانبه أيضاً كتلة حزب السعادة والتي تضم كذلك حزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو.

وما بين هذين الطرفين، نجد أن حزب "المساواة الشعبية والديمقراطية" الكردي (هو حزب الشعوب الديمقراطي سابقاً) امتنع عن حضور جلسة التصويت التي عقدتها لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي، وبالطبع لم يكن ذلك من قبيل المصادفة.

موقف تحالف الجمهور الحاكم

على الرغم من أن العدالة والتنمية، وحليفه "الحركة القومية" كانا متفقين في تصويت لجنة العلاقات الخارجية، إلا أن ذلك لا يعني أن جميع أعضاء الحزبين سيصوتون بـ "نعم" في الجمعية العامة للبرلمان، لا سيما أعضاء الحركة القومية.

فعلى سبيل المثال، عبّر حزب الحركة القومية أكثر من مرة عن استعداده لرفض التصديق على قرار انضمام السويد للناتو في البرلمان، لأسباب عدة معروفة تتعلق بتهم دعم أو تعاون ستوكهولم مع تنظيمات قسد ووحدات الشعب الكردية في سوريا والتي تعتبرها أنقرة ذراعاً لحزب العمال الكردستاني المصنف على قائمة الإرهاب لديها ولدى الاتحاد الأوروبي كذلك وواشنطن، إضافة إلى حوادث حرق المصحف الشريف التي تكررت العام الماضي.

ولذلك، ووفقاً للتطورات اللاحقة التي ستطرأ على المشهد حين جلسة التصويت القادمة، فإن موقف الحركة القومية لا يعتبر مضموناً بالضرورة بأن يتناغم بشكل كامل مع موقف الحزب الحاكم من القضية، لكن يبقى خيار توافقهما على آلية معينة أكبر من اختلافهما، لا سيما بحكم وجود تواصل مستمر بين زعيمي الحزب أردوغان ودولت بهتشلي وتقاسم مصالح الطرفين في الانتخابات المحلية في آذار/مارس 2024.

لكن الانقسام سيبرز في موقف حزب "الرفاه من جديد" بقيادة محمد فاتح أربكان، الذي عبر بوضوح عن رفضه للبروتوكول، لا سيما أنه حزب محافظ إسلامي لا يتفق بالأساس مع مبادئ الناتو أو توسعه بشكل أولى.

ومعالم الخلاف في الحقيقة تبرز وستبرز بشكل أوضح مع افتراق طريق الحزب عن طريق العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية المقبلة، وقد كانا حليفين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2023.

انقسام داخل جبهة المعارضة

في الطرف الآخر، تبدو معالم الانقسام أوضح، حيث صوت الشعب الجمهوري بالموافقة على البروتوكول المبدئي في حين أن حليفه وخصمه بآن واحد حزب "الجيد" لم يصدق على البروتوكول، مع العلم أنهما كليهما يدعمان مبادئ الناتو وتوسعه وبالتالي هما متفقان من حيث المبدأ على فكرة انضمام السويد للحلف.

لكن ما جرى هنا، وهو الأرجح، أن حزب الجيد يريد أن تكون له مبادرة لا سيما وأنه قدم مقترحاً للبرلمان لعقد مناقشة حول ملف انضمام السويد وتقديم إيضاحات من قبل الحكومة حول تطورات المفاوضات مع السويد والأوروبيين والأميركيين بهذا الخصوص، وهو ما تم بالفعل.

بمعنى آخر، لا يمكن أن يكون سبب الرفض هو أن حزب الجيد في النهاية أقرب لليمين القومي، وبالتالي رفضه للتصديق يتعلق بدعم السويد لتلك التنظيمات، ولو كان هذا السبب وحده لكان حزب الحركة القومية أكثر تشدداً في الرفض، إلا أنه على الأرجح يسعى لوضع مقاربة خاصة به، في ظل ابتعاده عن الدخول في تحالفات مع المعارضة وعلى رأسها الشعب الجمهوري.

ولذلك نجد أن حزب الجيد حينما علق على رفضه للتصديق ، أجاب بأنه يدعم الناتو وتوسيع الحلف، إلا أن الحكومة لم تقدم إجابات واضحة بخصوص مفاوضاتها مع السويد وقضية تسليم "الإرهابيين" المطلوبين في السويد إلى تركيا، وكذلك لم يؤكد أنه سيرفض التصديق في الجمعية العامة بل ترك الباب مفتوحاً إلى حين انعقاد جلسة الجمعية العامة وتقييم الأمر من جديد.

أما موقف كتلة حزبي السعادة والمستقبل، فقضية الرفض واضحة نظراً لهوية الحزبين المحافظة، وموقفهما الشبيه مع حزب الرفاه مجدداً.

ومن المفارقة أن مقاعد السعادة والمستقبل هي بالأصل مقاعد الشعب الجمهوري الذي صدق على البروتوكول ذاته، وهذه المقاعد هي تركة رئيس الشعب الجمهوري السابق كمال كليتشدار أوغلو، حيث قدم ما يقرب من 40 مقعداً في البرلمان لأحزاب مختلفة معه ومعه هوية ومبادئ حزبه ومنها هذان الحزبان، مقابل دعم ترشحه في الانتخابات الرئاسية التي خسرها.

ومثل ذلك المقاعد التي حصل عليها حزب الرفاه مجدداً، حيث دخل الانتخابات تحت جناح تحالف الجمهور وهو ما مكنه من حصد مقاعده الحالية القليلة.

وهذا يفسر ما يمكن وصفه بالضوضاء الحاصلة بين الأطراف الحليفة المختلفة في وقت واحد، وهو ما يصعّب في الوقت ذاته من عملية التصويت على قرارات تتطلب أغلبية أو تتطلب موافقة ثلثي الأعضاء مثل التعديلات الدستورية على سبيل المثال.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن التصديق على بروتوكول انضمام السويد للناتو، لا يتطلب أغلبية في أصوات نواب البرلمان مستقبلاً، حيث إن النصاب القانوني لدخول القرار حيز التنفيذ يتطلب أصوات 151 نائبا فقط.

وهنا السؤال، بما أن القرار يتطلب هذا العدد وهو مضمون لدى العدالة والتنمية الحاكم الذي يمتلك 268 مقعداً، وحليفه الحركة القومية يمتلك 50 مقعداً، فلماذا التهويل للأمر أو الإيحاء بأن التصويت على القرار أمر شائك؟

إذا ما استثنينا أهمية التصويت من حيث إبراز معالم الانقسام بين التحالفات الموجودة، فإن القضية مرهونة بقرار السياسة الخارجية بالدرجة الأولى، وهي تمثل ورقة ضغط بالمقام الأول، وهذا ما يفسر تصريح أردوغان الذي قال فيه "كما لديهم برلمان فلدينا برلمان" في إشارة لربط موافقة الكونغرس على صفقة بيع طائرات إف-16 لتركيا بموافقة الأخيرة على ملف السويد.

ثمّ إن حكومة العدالة والتنمية لا ترجح أن يكون التصديق على قرار مهم كهذا بنسبة قليلة عند الحد الأدنى فحسب، حيث سيؤثر ذلك على الحاضنة الشعبية المنزعجة من عدة مواقف سجلتها السويد لا سيما فيما يتعلق بحرق المصحف، ولذلك ترغب الحكومة التركية بموافقة ذات أغلبية كبيرة تضم أصوات تحالف الجمهور وأحزاب معارضة كذلك.