icon
التغطية الحية

مع انحسار المساعدات الإنسانية.. الشعب السوري إلى غياهب النسيان

2024.01.23 | 12:43 دمشق

آخر تحديث: 23.01.2024 | 12:43 دمشق

شاحنات مساعدات أثناء دخولها من معبر باب الهوى -المصدر: الإنترنت
شاحنات مساعدات أثناء دخولها من معبر باب الهوى -المصدر: الإنترنت
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يستعد ملايين المدنيين الذين أضحوا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية التي تصل إلى سوريا لمواجهة حالة النقص في المساعدات الدولية التي ظهرت خلال هذا العام بعدما أنهى برنامج الغذاء العالمي مهمته المخصصة لهذا البلد ابتداء من عام 2024.

في حين مددت حكومة النظام السوري خلال الأسبوع الماضي موافقتها على إدخال المساعدات الإنسانية الأممية العابرة للحدود من تركيا لمدة ستة أشهر، وتمثل هذه الآلية محاولة تقوم بها حكومة نظام بشار الأسد لتعزيز شرعيته بعيون المجتمع الدولي بما أن روسيا التي تعتبر أهم داعميه عرقلت قرار مجلس الأمن الدولي الساعي للاستعانة بمعبر باب الهوى في تموز الماضي، وذلك لتجبر الشركاء الدوليين على التعامل مع دمشق.

وقبل كل ذلك، كانت الأمم المتحدة تستخدم أربعة معابر حدودية لتقديم الإغاثة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وذلك عقب صدور قرار أممي في عام 2014 يقضي بفرض مجلس الأمن لعقوبات على النظام.

ولكن ابتداء من عام 2017، تحولت روسيا والصين إلى الوقوف تدريجياً ضد هذا التفويض، عبر تأكيدهما على وجوب إدخال المساعدات عبر دمشق. ومنذ عام 2020، دافعت روسيا والصين عن فكرة اقتصار عملية تمرير المساعدات عبر معبر واحد، ألا وهو معبر باب الهوى، ولكن الدعم المالي المخصص لسوريا قد انخفض خلال السنوات الماضية بسبب امتداد الأزمة في البلد لفترة طويلة، وظهور مزيد من الاحتياجات في أماكن أخرى، وهذا ما أضعف الإمكانيات المالية للمنظمات الإغاثية.

وخلال العام الفائت، أعلن برنامج الغذاء العالمي عن إنهاء برنامج الغذاء في سوريا الذي يدعم 5.6 ملايين نسمة بينهم نازحون في شمال غربي سوريا.

وفي الوقت ذاته، طبقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأميركية تخفيضات كبيرة وصلت إلى 30% على أقل تقدير وذلك في حجم المساعدات الأميركية المخصصة لسوريا، ومن المتوقع أن تلحق بها جهات أوروبية مانحة كثيرة.

لماذا يتراجع حجم المساعدات؟

في عام 2021، كانت ألف شاحنة مساعدات تدخل إلى الشمال السوري، ولكن هذا الرقم تراجع ليصل إلى 445 شاحنة خلال العام الماضي 2023، على الرغم من أن الوضع الإنساني هناك لم يتحسن.

ولهذا أكد غير بيدرسون المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا على التحديات المحدقة بسوريا، عندما قال منذ فترة قريبة بأنها: "تشمل عدم توفر مياه الشرب والانقطاع المزمن للوقود والكهرباء، وتفشي الكوليرا، وانهيار الخدمات الاجتماعية الأساسية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وأمراض سوء التغذية والاضطرابات النفسية التي تظهر بين صفوف الأطفال".

ويبدو أن السبب الرئيس لخفض المساعدات يعود لرغبة الجهات المانحة في ذلك، كما أن حجم المساعدات المقدمة للأهالي في الشمال السوري وللاجئين السوريين في لبنان تراجع كثيراً ويكاد يتوقف نهائياً.

 

وفي شهر كانون الأول من العام المنصرم، أعلن برنامج الغذاء العالمي عن تقليص ميزانيته بسبب التعب الذي انتاب الجهات المانحة وبسبب الجائحة والحرب في أوكرانيا وبسبب حرب إسرائيل على غزة اليوم.

كما أعلن أيضاً عن حاجته لمبلغ قدره 593 مليون دولار لمدة ستة أشهر وذلك ليواصل عملياته بالشكل الأنسب، ولكن المبلغ الذي تمكن البرنامج من إنفاقه لم يتعد 2.8 مليون دولار حتى شهر تشرين الأول الماضي.

وحول ذلك يعلق آرون لوند الخبير بالشأن السوري، فيقول: "تراجعت المساعدات المخصصة إلى سوريا بسبب تراجع الاهتمام بهذا الشأن، وبسبب انحسار العنف، وتجميد النزاع على أغلب الجبهات، ولهذا أصبحت أخبار سوريا قديمة اليوم".

يرى لوند أيضاً بأن الوضع الاقتصادي العالمي، لاسيما بعد تفشي الجائحة، قد زاد من الضغط على التمويل الذي خصصته الدول الغربية الغنية لسوريا.

ويعلق عثمان صائب وهو أحد أهالي محافظة إدلب على الوضع بقوله: "أصبحنا اليوم ضحايا منسيين لحرب دموية، إذ لم نعد نمتلك منزلاً ملائماً، بل صرنا نعيش في أكواخ على مر السنين، كما لم يعد لدينا عمل، ولذلك صرنا نعتمد على السلة الغذائية التي تجلبها وكالات الأمم المتحدة لنا، واليوم أتوا ليخبروننا بأن السلة ستصبح أصغر فأصغر، إذن كيف لنا أن نطعم أنفسنا؟"

يعتقد لوند بأن المشكلة لا تتعلق بتخفيض التبرعات فحسب، بل بتزايد احتياجات السوريين بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، ليس في سوريا فقط، بل أيضاً في دول الجوار أي في تركيا والأردن ولبنان.

ويعتقد بأن الخسارة التدريجية للتمويل أتت نتيجة لفجوات كبيرة في الخدمات المقدمة للنازحين في الداخل السوري، بيد أن السبب الأهم هو تفاقم بعض نقاط الضعف.

تفاقم نقاط الضعف: المخدرات والإرهاب

تشمل نقاط الضعف المخدرات والانضمام للجماعات المسلحة التي تشمل قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة، والميليشيات الموالية لإيران أو تلك التي تمولها روسيا.

وتعقيباً على ذلك، يقول مدير إحدى المنظمات الدولية غير الحكومية الذي أدلى بتصريحه رافضاً الكشف عن اسمه لأن منظمته تعتبر شريكة لهيئة الأمم المتحدة: "تراجع اهتمام المانحين بالأزمة السورية اليوم بعدما أصبح العالم يركز على أوكرانيا، ثم صار يركز على غزة اليوم، ففي كل حوار يكرر المانحون الشيء نفسه وهو أنهم سئموا من سوريا". بيد أن هذا المدير حذر من عواقب عودة تنظيم الدولة لنشاطه وقال: "لم يعد الناس في سوريا اليوم، خاصة في شمال غربي سوريا، يعبأون بالأيديولوجيا أو غيرها، وذلك لأن تنظيم الدولة يدفع مئة دولار شهرياً، وهذ الراتب يفوق أي مبلغ بوسع أي أسرة أن تحصله، ولهذا أصبحت الأسر تميل إلى إرسال أولادها القاصرين للانضمام إلى تنظيم الدولة".

ويعلق صائب على ذلك بقوله: "أصبحوا اليوم يوزعون منشورات في المقاهي، وينقلون الشباب إلى الجنوب حيث موطن قوتهم" ولعله يعني بذك الرقة التي كانت المعقل السابق لتنظيم الدولة، ويضيف: "إن الأمر لا يقتصر على تنظيم الدولة، بل هنالك أيضاً قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي سمه ما شئت، ومن جانب النظام هنالك الميليشيات المدعومة إيرانياً والمدعومة روسياً التي تعمل على استقطاب الشباب، أما الناس فما عليهم سوى أن يرسلوا أولادهم".

نشرت تقارير في الآونة الأخيرة تفيد بأن تنظيم الدولة قد استجمع قوته خلال الشهور القليلة الماضية لدرجة أنه بات يحاول البدء بجمع الضرائب.

 

في حين ذكرت إيتانا وهي منظمة رقابية متخصصة بالأنشطة العسكرية في سوريا بأن: "عدد هجمات تنظيم الدولة قد ارتفع خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ شهد شهر كانون الأول هجمات مسلحة وصل عددها إلى 12 هجمة".

ويرى لوند بأن بقعة مثل سوريا تعتبر بؤرة مثالية لتجنيد الشباب بالنسبة للجماعات المسلحة، ويقول: "هنالك فيض لا ينضب من الشباب الساخطين اليائسين الذين لا يعرفون شيئاً سوى الحرب، ثم إن الناس لا يستطيعون العثور على عمل أو رسم مستقبل يليق بهم، كما أن الشرطة والأمن يتصرفان بوحشية في مختلف أنحاء سوريا، إلا أن هذين الجهازين يعانيان من الضعف ومن اختلال في وظائفهما، ويعود سبب ذلك للفساد المتفشي، ونقص الموارد، وخروج مساحات شاسعة عن سلطة القانون، وظهور ثغرات في الحكم بين الأنظمة المتناحرة".

بيد أن الخطر لا يتمثل بعودة تنظيم الدولة أو بتفاقم النزاع المسلح فحسب، بل أيضاً بانتشار المخدرات ، وهذا ما عبر عنه مدير المنظمة غير الحكومية بقوله: "ثمة طريقة أخرى للحصول على المال وهي المخدرات".

يعتقد أن حكومة نظام الأسد جنت مليارات الدولارات من خلال الإتجار بالمخدرات التي ترسلها إلى الدول الغربية ودول الخليج، وذلك لأن ثمانين في المئة من إنتاج الكبتاغون يتم في سوريا، وتقدر عمليات الإتجار بهذا المخدر بمليارات الدولارات سنوياً.

يتحدث صائب عن ذلك بقوله: "سمعنا عن مشكلة المخدرات، لكن هيئة تحرير الشام صارمة بشأن الممنوعات"، بما أن هذا التنظيم يسيطر على مركز محافظة إدلب ومخيمات النازحين المحيطة بها.

في حين يرى أحد العاملين في منظمة غير حكومية بأن: "نقص المساعدات لا يعتبر مشكلة للمناطق التي يسيطر عليها الثوار فحسب بل أيضاً في مناطق النظام كونها عرضة بنسبة أكبر لمشكلة المخدرات".

والحق يقال إن مشكلة المخدرات قد أفسدت العلاقات بين الأردن وحكومة النظام في سوريا، ولهذا شن الأردن مؤخراً عدداً من الغارات الجوية التي استهدفت قرى سورية، بحجة أنها تحولت إلى مراكز لإنتاج المخدرات.

تزايد الاحتياجات في ظل تراجع المعونات

تسبب تردي الوضع الاقتصادي وتراجع المساعدات الدولية بتعرض السوريين للأنشطة غير المشروعة أكثر من ذي قبل، وذلك لأن حكومة النظام السوري رفعت منذ مدة قريبة الدعم عن المواد الاستهلاكية، وزادت الضرائب وأسعار الوقود، ما أدى إلى خروج مظاهرات متفرقة خلال الصيف الماضي، كما تضاعفت أسعار الأغذية خلال مدة تقل عن عام، وهكذا أصبح 90% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.

وتقدر الأمم المتحدة عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية بأكثر من 15 مليون نسمة خلال عام 2023، أي بزيادة تعادل 5% مقارنة بما كان الوضع عليه في العام السابق، ومن المتوقع لهذا الرقم أن يرتفع ليصل إلى 16.7 مليون نسمة خلال عام 2024.

يعلق لوند على ذلك بقوله: "في نهاية هذا الدرب لابد أن نشهد انهياراً اجتماعياً وتجدداً للنزاع مع تفشي الأوبئة والمجاعات".

 

المصدر: Middle East Eye