icon
التغطية الحية

معركة "جناق قلعة" 1915 تخلّد ذكرى شهدائها السوريين

2022.08.30 | 15:05 دمشق

قلعة
إحدى قوائم شهداء جناق قلعة من السوريين
محمد أوزملّي
+A
حجم الخط
-A

في كتابه "شهداء من العالم الإسلامي في ملحمة الدفاع الأخيرة.. جناق قلعة" Son Büyük Savunma Çanakkale'de İslam Coğrafyasından Şehitler، يجمع المؤرخ والكاتب التركي أنس دمير، أسماء شهداء معركة "جناق قلعة" التي حقّق فيها الأتراك والعرب انتصارًا ساحقًا على جيوش الحلفاء (الفرنسيين والإنكليز) عام 1915، واحتوت قائمة الشهداء على أسماء من مختلف مناطق العالمين العربي والإسلامي، على رأسها مدن حلب والباب وإدلب السورية.

جناق قلعة/ غاليبولي

"غاليبولي" أو حملة الدردنيل بحسب التسمية الغربية، ومعركة جناق قلعة عند الشعب التركي؛ حملة عسكرية شنتها قوات بريطانية وفرنسية مشتركة خلال الحرب العالمية الأولى بهدف احتلال العاصمة العثمانية إسطنبول، حيث دارت معارك الحملة في شبه جزيرة جناق قلعة/ غاليبولي على مضيق الدردنيل عام 1915.

ما إن توقفت الحرب العالمية الأولى على الجبهة الغربية بحلول عام 1915، حتى بدأت دول الحلفاء تناقش المضي في الهجوم على منطقة أخرى من الصراع، بدلاً من الاستمرار في الهجمات في بلجيكا وفرنسا.

12222
الجيش التركي في جناق قلعة

في وقت مبكر من ذلك العام، ناشد الجنرال الروسي نيكولاي نيكولايفيتش بريطانيا للمساعدة في مواجهة الغزو التركي في القوقاز، والتي دخلت الحرب العالمية الأولى إلى جانب القوى المركزية، (ألمانيا والنمسا-المجر، بحلول نوفمبر 1914)، ورداً على طلب الجنرال نيكولايفيتش، قرر الحلفاء (القوات البريطانية والفرنسية)  بمشاركة فرق من فيلق الجيش الأسترالي والنيوزيلندي (ANZAC)، إطلاق حملة بحرية في فبراير 1915، شارك فيها قرابة 480.000 من قوات الحلفاء للاستيلاء على مضيق الدردنيل، وهو ممر ضيق يربط بين بحر إيجة وبحر مرمرة في شمال غربي تركيا. وكان من المخطط لهُ إذا نجح الاستيلاء على المضيق سوف يسمح للحلفاء بالارتباط مع الروس في البحر الأسود للعمل معاً على إمكانية إخراج تركيا من الحرب.

بدأت معركة جناق قلعة بشنّ أسطول مؤلف من سفن إنكليزية وفرنسية بقيادة ونستون تشرشل هجوما واسعا بلغ ذروته في 18 آذار 1915، إلا أنّ هذا الهجوم باء بالفشل ليعدل أسطول التحالف عن الهجوم البحري ويستبدله بالهجوم البري والاستيلاء على المواقع الدفاعية الساحلية،  فدخلت القوات الإنكليزية والفرنسية لتتمركز في 5 مناطق جنوب شبه جزيرة جناق قلعة في 25 نيسان/ أبريل من العام نفسه واستطاعوا في البداية إحراز تقدم ضئيل، ولكن سرعان ما اختلفت الموازين لمقابلتهم إرادة الجنود العثمانيين مجبرة إياهم على التراجع لتفشل مخطط استيلاءهم على غاليبولي، على الرغم من وصول قوات لإمداد الحلفاء.

ومن معيقات نجاح الغزو في حملته أيضاً هو الافتقار إلى المعلومات الاستخبارية الكافية والمعرفة بالتضاريس، إلى جانب مقاومة الدولة العثمانية الشرسة آنذاك، مما أدى إلى إلحاق خسائر فادحة بقوات الحلفاء وعدم قدرتها على إحراز تقدم كبيرِ في مواقع الإنزال الأولية، حيث بدأ الإخلاء لقوات الحلفاء وخرجت جميعها من شبه جزيرة غاليبولي في كانون الثاني/ يناير من عام 1915. مصطحبين معهم هزيمتهم.

ضحايا جناق قلعة

تنبئنا شواهد القبور في جناق قلعة أن سوريين وفلسطينيين وشباناً من الشرق الأوسط ودول البلقان وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية فضلًا عن أعداد كبيرة من مناطق كثيرة في العالم الإسلامي. يرقدون اليوم بسلام في مقبرة "شهداء جناق قلعة".

بحسب الإحصائيات فقد سقط في أرض هذه المعركة "56 ألف شهيد" في حين قضى 21 ألفاً في المستشفيات وفقد 11 ألف جندي وجرح 97 ألف جندي و64 ألفاً بقي مريضاً خارج الحرب.

في عام 2017 وبمناسبة الذكرى 102 لمعركة جناق قلعة أصدر المؤرخ والكاتب التركي أنس دمير كتاباً حمل اسم "شهداء من العالم الإسلامي في ملحمة الدفاع الأخيرة ـ جناق قلعة"، جمع في صفحاته أسماء شهداء المعركة الذين شاركوا من مختلف مناطق العالم الإسلامي، كما تضمن معلومات وافية عن قصصهم وجبهاتهم، وبداية الحرب العالمية الأولى ودور الدولة العثمانية التي اضطرت إلى دخول تلك الحرب في إطار مساعيها لحماية وحدة أراضيها.

فيقول أنس دمير في كتابه واصفاً الحشد العسكري الكبير الذي اجتمع في جبهات الدولة العثمانية:

"في الحرب العالمية الأولى توحدت الجيوش الصليبية لمهاجمة الدولة الممثلة للعالم الإسلامي والحاملة لرايته، فيما توافد شباب المسلمين من داخل مناطق الدولة العثمانية وجميع أصقاع العالم الإسلامي للالتفاف حول راية الإسلام، وفي تلك الأثناء، أعلنت الدولة العثمانية حالة التعبئة العامة (السفربرلك)، فيما نشرت مؤسسة الخلافة فتوى الجهاد، التي لقيت تأييدا كبيرا من قبل المسلمين، حيث بدأ شبابهم ورجالهم بالتوافد إلى الدوائر العسكرية من جميع المناطق الإسلامية".

الجدير بالذكر وبحسب إحصائيات كتاب دمير فإن مدينة حلب فقدت ما مجموعه "972 شهيداً" في الحرب العالمية الأولى، إلى جانب كل الجبهات الأخرى بما في ذلك جبهة جناق قلعة. حيث استشهد 421 جندياً في جميع الجبهات الأخرى، و551 شهيداً في جبهة جناق قلعة. أي أن 57 في المئة من شهداء مدينة حلب سقطوا على جناق قلعة فقط. أما منطقة الباب (في سوريا) فقد قدمت بحسب الإحصائيات 96 شهيداً ، وإدلب وريفها 121 شهيداً.

أما عن عدد الجنود السوريين المشاركين في جبهة جناق قلعة وغيرها من الجبهات العثمانية فإن التصريحات الرسمية تفتقر إلى ذكر عددهم، وتكتفي فقط في تصريحاتها وتصريحات الباحثين في هذا الشأن حول عدد الشهداء فقط، والإحصائيات التي تذكر الشهداء السوريين تختلف من باحث لآخر.

فبحسب إحصائيات ذكرها الدكتور في قسم التاريخ في جامعة Çanakkale Onsekiz Mart Üniversitesi مدحت أتاباي، فقط سقط 1600 من الجنود السوريين في معركة جناق قلعة، ويصل عدد الشهداء السوريين بمختلف مناطقهم  إلى 3 آلاف في تصريحات غير رسمية.

وفي هذا السياق وعن العلاقة بين الشعبين السوري والتركي يقول الدكتور أتاباي لجريدة "وطن" التركية: 

"إذا ما نظرنا إلى جمهورية تركيا، فسنرى أن هناك ألعاباً عدائية من قبل الغرب، وهم يحاولون وضع الأتراك ضد بعضهم البعض مع إخواننا السوريين الذين عشنا معهم مئات وآلاف السنين، ولهذا السبب ما نحتاجه اليوم هو رؤية هذه اللعبة جيدًا، فهم بدافع الضرورة احتموا بإخوانهم الأتراك، لهذا يجب أن نكون معًا في الألم والفرح والنجاح، فإخواننا السوريين الذين دقات قلوبهم لهذا الوطن من قبل ما يزيد عن 100 عام، ما زالوا في ورطة حتى اليوم، لهذا السبب دعونا نتذكر الماضي ونتعلم من الماضي حتى نتمكن من النظر إلى المستقبل بشكل أفضل".

ويكمل أتاباي في حديثه عن ذكرى شهداء جناق قلعة قائلاً: "من الظلم وعدم الاحترام لذكرى وأرواح الشهداء العزيزة أن يتم تقسيمهم إلى مجموعات عرقية وهم الذين اجتمعوا من مختلف أنحاء البلاد للقتال جنبًا إلى جنب للدفاع عن وطنهم ودينهم، والذين أعطوا أنفاسهم الأخيرة بين ذراعي بعضهم البعض، حيث لم يقوموا بتعريف أنفسهم بهوياتهم العرقية بل بهويتهم الإسلامية تحت حكم الدولة العثمانية آنذاك".


مراجع:
Enes Demir -  Son Büyük Savunma Çanakkale'de İslam Coğrafyasından Şehitler
Vatan Gazete - https://www.gazetevatan.com/gundem/canakkale-cephesinde-suriyeli-sehit-var-mi-yok-mu-tartismasi-belgelerle-son-buldu-966257