icon
التغطية الحية

مشروع لتطريز الأزياء يسهم في تمكين اللاجئات السوريات والفلسطينيات ببيروت

2021.05.25 | 18:32 دمشق

http_cdn.cnn_.com_cnnnext_dam_assets_210514120919-restricted-04-sustainable-designer-lebanon-to-london.jpg
امرأة ترتدي قميص طرزه لاجئات - Alasidair Harriss
سي إن إن - ترجمة ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الثاني من آب عام 2020 حزمت لاريسا فون بلانتا حقائبها لتنهي إقامتها في بيروت، حيث عملت مصممة للأزياء على مدار خمس سنوات هناك، وقد أتى سفرها بعدما تدهورت الأوضاع الاقتصادية في بيروت مقارنة بما كانت عليه الأمور عند وصولها إليها في عام 2015، ما حدا بكثير من صديقاتها وأصدقائها إلى مغادرة تلك المدينة. كما أن وفاة والدة لاريسا في أيار من العام نفسه، دفعتها بإلحاح للعودة إلى لندن.

وبعد مرور يومين على عودة لاريسا إلى بلدها، وردت أنباء حول وقوع انفجار كبير في وسط مدينة بيروت، وقد أتى ذلك الانفجار هائلاً، حيث نتج عن انفجار 2750 طنا من نترات الأمونيوم التي كانت موجودة في مستودع ضمن مرفأ بيروت، ما تسبب بمقتل أكثر من مئتي شخص، وأضرار بالغة أصابت البنية التحتية لهذه المدينة.

وفي مقابلة أجريت معها عبر الهاتف تحدثنا لاريسا البالغة من العمر 27 عاماً فتقول: "أرسل لي أحد الأصدقاء رسالة نصية وسألني إن كنت قد رأيت ما جرى في بيروت، فهرعت إلى غوغل وهناك رأيت المرفأ يحترق ثم شاهدت الانفجار بعد مرور ثوان معدودة على ذلك. لم أستطع وقتها ترتيب تسلسل الأحداث وما يعنيه كل ذلك، فقد اعتقدت بأن بيروت قد سويت بالأرض تماماً، إذ لم يسبق لي وأن شاهدت حادثاً مماثلاً لهذا أبداً في حياتي".

ولأنها أحست بأنها عاجزة عن القيام بأي شيء وهي في لندن، لذا أنشأت لاريسا صفحة بعنوان: اذهب ومولني/  Go Fund Me (والتي جمعت من خلالها 30 ألف جنيه إسترليني أي ما يعادل 42 ألف دولار وذلك بهدف القيام بإصلاحات في بيروت ولدعم الأصدقاء والمصابين هناك)، ثم تواصلت مع مايكه زيرفوغيل وهي المديرة التنفيذية لمنظمة محلية غير ربحية تعرف باسم مشروع السما وهو مشروع يعمل على إدارة مشاريع وخطط تمكين مخصصة للنساء. وهكذا، تعاونت لاريسا مع مايكه قبل أن تعمل في أحد فروع هذه المنظمة وهو فرع ورشات السما.

وتقوم بإدارة هذا الفرع فاطمة خليفة التي نزحت من سوريا برفقة أولادها في عام 2012، حيث يعمل هذا الفرع على تقديم أعمال التطريز للاجئات السوريات والفلسطينيات، كما تدار إحدى الورشات التابعة له من أحد مخيمات اللاجئين في لبنان، وهو مخيم برج البراجنة، حيث تعيش فاطمة وغيرها ممن يعملن بالتطريز.

وبحسب ما ذكرته لنا فاطمة، فإن مخيم اللاجئين هذا محروم من الأمان، إذ هنالك حوادث عنف تشتمل على إطلاق الأعيرة النارية، ناهيك عن انتشار المخدرات والظروف الصحية المريعة هناك.

وتحكي مايكه ما جرى في المقابلة التي جمعتها مع فاطمة فتقول: "ليس لدى اللاجئين أي خيار آخر، وذلك لأن غالبيتهم أتوا بصورة غير شرعية ويعيشون حالة رعب دائم تجاه فكرة إعادتهم إلى بلدهم، خاصة الشبان منهم، كما أن المخيم بحد ذاته لا يخضع للقانون في لبنان، لذا أثناء وجود اللاجئ في ذلك المخيم، لا يمكن للحكومة أن تعتقله".

في حين علقت لاريسا على الأمر بقولها: "أردت أن أقدم العمل لهؤلاء النسوة، فقد عرفت من خلال مايكه بأن من يعملن بالتطريز يعشن حالة اكتئاب شديدة، بسبب نمط حياتهن وظروفها المقلقة، وذلك لأنهن لسن بمواطنات لبنانيات، ولهذا يعانين من انعدام الاستقرار، كما لا يمكنهن العودة إلى بلادهن، ولهذا أردت ضمان تدفق العمل حتى أخفف عليهن ما يقاسينه من هموم".

 

وتتابع مايكه وصف الوضع بقولها: "قبل انفجار بيروت، كان الأمل بتحسن الوضع الاقتصادي موجوداً، ولكن بعدما رأينا ما فعله السياسيون وكيف تصرفوا حيال الانفجار، أو لنكن صادقين، إنهم لم يفعلوا أي شيء حياله مطلقاً، أدركنا بأن البلاد باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وكانت تلك صدمة كبيرة على النساء وعلى فاطمة".

وهنا تحكي لنا لاريسا التي تدربت في جامعة سان مارتينز المركزية وهي جامعة عريقة متخصصة في الأزياء والإبداع بلندن عن بداية الفكرة فتقول: "كنا بحاجة لفكرة بسيطة، إذ لم نكن على استعداد لبدء الأمور من أولها، ولهذا طلبنا من أصدقائنا أن يرسلوا الثياب حتى يتم تطريزها". وهكذا عندما عادت لاريسا إلى لبنان في 20 من آب من العام الماضي، جلبت معها 30 قطعة من الألبسة، تتفاوت بين سترات قطنية وصولاً إلى العباءات، وذلك حتى تقوم النسوة التابعات لتلك الورشة بتطريزها. والبعض طلبوا ألواناً معينة، في حين فضل آخرون عنصر المفاجأة دون أن يقدموا أية تعليمات، وقد أحبت النسوة اللواتي يقمن بعملية التطريز تلك العملية لأن بعض الأقمشة كانت بألوان لم يخطر ببالهن بأنها يمكن أن تتناسب مع بعضها".

وعن هذه التجربة تحكي فاطمة فتقول: "إن الجزء اللافت في هذا الأمر هو حالة التعاون، فلاريسا مصممة تترك انطباعاً مميزاً ولها تأثير خاص، ولهذا أتت حاملة أفكارها في جعبتها، ثم خرجت النسوة بتصاميمهن وكذلك الزبائن، وبهذه الطريقة أصبحت لدينا قطع فريدة ومميزة".

وفي غضون ثلاثة أشهر، تمت إعادة القطع الثلاثين، بعدما أضيفت عليها فنون تطريز معقدة ومحكمة، ونقشات سورية أو فلسطينية، إذ تصف لنا لاريسا الأمر بقولها: "إن هذه الزخارف والنقشات خاصة بمنطقة محددة، ولهذا تأثرت بالبيئة الزراعية المحيطة. كما أن كل نقشة تمثل شيئاً معيناً، إذ هنالك زخارف ونقشات تمثل نباتات أو نجوماً، وهنالك أيضاً نقشة شريرة تصور الأسلاك الشائكة، وهذا ما يعكس كيف تغيرت الأمور هناك".

وهكذا نجحت مبادرة إعادة التدوير هذه، ما دفع لاريسا وفاطمة لمواصلة العمل سوية، والخروج بمشروع إل في بيxاستوديوهات السما، وحتى اليوم تم تطريز 200 قطعة على يد اللاجئات، حيث عادت عليهم بربح غطى أجور العاملات والعديد من تكاليف العمل.

هذا وتبتهج النسوة اللائي يعملن بالتطريز عند مشاهدة صور زبوناتهن وهن يرتدين القطع التي تمت إعادة تدويرها، وعن ذلك تحدثنا فاطمة بقولها: "إن قيمة مشاهدة القطعة وقد أصبحت في العالم الخارجي، بعدما عملنا على تطريزها لمدة عشرة أيام داخل المخيم تفوق قيمة المال، كما أنه من المهم جداً بالنسبة لنا مشاهدة كل هذا الدعم".

أما لاريسا فتعقب على هذا بقولها: "أصبحت هنالك حالة تقارب حقيقية بين الزبونة وهؤلاء النسوة اللواتي يعشن حياة مختلفة تماماً في بيروت، ثم إنك تغير حياتهن فقط عندما ترسل لهن قطعة واحدة". يذكر أن بعض اللاجئات أصبحن يرسلن القطعة مصحوبة برسائل شخصية كتبت باللغة العربية.

هذا ويحتضن قسم ورشات السما فاطمة وفريقها من العاملات بمجال التطريز، وتخبرنا فاطمة عن ذلك فتقول: "إن السما مكان آمن بالنسبة لنا، إذ بوسع النساء أن يأتين وأن يتطرقن للحديث عن أمور لا يمكنهن طرحها ومناقشتها في بيوتهن".

The initiative provides embroiders with a sustainable livelihood.
توفر المبادرة للمطرزات سبل عيش مستدامة - لاريسا فون بلانتا

 

وتقوم فاطمة بتشغيل نساء يسعين لتطوير أنفسهن، ورفد المجتمع الذي يعشن فيه، وتشرح لنا هذا بقولها: "هنالك كثير  من النساء اللواتي عشن حالة اكتئاب على مدار سنين طويلة"، ثم تحكي لنا فاطمة قصتها وكيف عانت من اكتئاب شديد عندما وصلت إلى مخيم اللجوء، حيث لم يكن لديها كهرباء أو حتى نور، كما لم يعد بوسعها تحمل نفقات مدارس أولادها الصبيان الثلاثة.

وتشرح لنا فاطمة الوضع بقولها: "معظم النساء، وأنا منهن، فقدن أحداً من أفراد عائلتهن في الحرب أو تركن أسرهن خلفهن عندما هربن. ولهذا تحل منظمة السما محل الأسرة وتمنح النساء القوة التي تساعدهن على أن يصبحن مصدر إلهام للجيل القادم، أي أولادهن، حتى يفكروا بمغادرة المخيم في يوم من الأيام... ثم إن مشروع إل في بي  x السما قد أعاد الأمل للورشة بتحسن الأوضاع في بيروت، بيد أن الأمر لا يتصل بكسب المال فقط، وذلك لأن هذا المشروع يقدم الدعم النفسي لتلك النسوة أيضاً".