مشاهدات رمضانيّة

2020.05.06 | 00:04 دمشق

ebsjkpwa7xxajue2x4tfiaglffgoszksuwydt1wo.jpeg
+A
حجم الخط
-A

رمضان يبدو غريباً في سوريا، بلا زينة، بلا قناديل مضيئة، بلا أهلّة تتدلى من الشوارع، أو بهجة تغمر ظلمتها، بلا مساجد تواسي أحزان المهجرين والمتعبين والحالمين، وبلا اجتماع حول موائد الخير، الكل منزوٍ في بيته، يراقب ويترقّب، إلا أن هناك من يصرّ أن يجعل حضوره يحمل البهجة والتغيير، ويرسم البسمة والحياة، فإن انتهى زيت القناديل الرمضانية، أضاءته الهمم الشبابية، ويبقى الأجر لمن صبر، ولمن بذل أيضاً. وعلى الأرض السورية الطيبة مشاهد تستحق أن تُذكر.

مع ثبوت شهر الخير؛ تبدأ فرق العمل الخيري بالتحرك، توزّع ما توفّر لها من مواد غذائية، أو وجبات إفطار للصائمين، يختفي الشباب ضمن وسائل التنقل، ثم يظهرون وهم يحملون حاجات الناس بجد ويوصلونها إليهم، المهام تنجز بسرعة، وبهدوء أيضاً، تُجبر الخواطر وتصعد الدعوات الطيبة للسماء وتكون من نصيب من يقوم بتسليمها إليهم، وإن كانت تصيب كل من قدمها وساهم في وصولها لأيديهم، مشهد لا يبدو غريباً أو جديداً، لكنه يخبر بقوة أن الثورة تستمر كلما تراحمنا أكثر، وكلما وصلنا إلى فئات منسية، وأسعدنا قلوباً أكثر، فبعد سنوات من محاولات تفرقتنا وتشتيتنا، ما زال السوري يحرص على أخيه، ويفكر بغيره، ويحاول تقديم ما يسعده، سواء سعى لذلك عن طريق أفراد أو منظمات، فهناك حرص جماعي على ألا يعبر رمضان دون بسمة حياة.

وعلى النطاق الفردي؛ مازالت تتحول بعض البيوت في رمضان إلى جمعيات خيرية، يتم فيها إحصاء أعداد الأسر المحتاجة، وتبدأ التواصل مع أهل الخير، الذين يبادرون بالعطاء مع شعور بالأسف للتقصير يستهلون به كلامهم، ويختتمونه معتذرين، ليتحول القليل الذي يقدمونه عن طيب نفس إلى كثير في يد من يستحق، تتهلل وجوه الأطفال حين يستقبلون الهدية، ويذهب ظمأ رمضان حين تُشهد ابتساماتهم، تبتلّ العروق حقاً بصدق دعائهم، ويثبت الأجر عند من لا يضيع عنده أجر.

ولأن السوري المهجّر اعتاد العطاء ولم يعرف سواه، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، فإن هذا العطاء يتجلى في شهر الخير، فنجد الأطباق تتنقل من بيت إلى بيت، محملة بما لذ وطاب من الطعام أو الحلوى، قُبيل الإفطار تحضر المفاجآت اللذيذة، من جيران هُجّروا قبل شهورٍ قليلة، لم تفقدهم كارثة التهجير طقوس رمضان، وعادات الجود والكرم، ففكروا بمن حولهم، وقدموا أطباقاً تحمل طابع مدنهم، نكهتها، رائحتها ولونها، فتجد الطعام مشوباً بنكهة الحب والحزن، وحرارة الشوق إلى العودة، وتقرأ في ذاك التواصل معاني للتراحم، كما تقرأ معنى الإباء، فتلك النفوس أبيّة عصيّة على الهزيمة، تحب الحياة لأنها تعقل كيف تكون الحياة على صعوبة الأحوال مرحلة جميلة، ذات قيمة عظيمة.

لا يمكن أن يغيب عن المشهد الرمضاني في سوريا المسبب الرئيسي لفقر الناس وتشتتهم وتشردهم، فالنظام المجرم لم يدخر وسيلة إلا واستخدمها لأجل زيادة معاناة الناس وألمهم، لا يمكن إنكار إحصاءات الفقر والبطالة والجوع في السنوات الأخيرة، وهي لم تكن غائبة أبداً قبلها، فسوريا لم تكن يوماً ترفل بالنعيم في ظل آل الأسد، وهي اليوم في أشد معاناتها وهم يتابعون سياسة البطش والقهر للشعب، غير آبهين بهلاك الشعب على حساب سلامة الكرسي ومن عليه، ولذلك فالقهر يزداد، ومعه يزداد الإيمان أكثر بأحقية الثورة بالاستمرار والمواجهة، وبأنه لا خلاص لسوريا ما لم يسقط النظام الذي تسبب في معاناة شعب كريم على مدى عقود من الزمن وما زال، الأمر الذي يملأ نفس كل حر بضرورة أن تستمر الثورة، وأن يحصل السوري على كرامته في أرضه، وأن يسقط كل من يفكر أن يسلبه إياها.

كلمات مفتاحية