icon
التغطية الحية

مخيم الهول.. جمهورية خوف يقويها الإهمال الدولي وصعوبة خيارات الحل

2022.04.06 | 05:59 دمشق

560882image1.jpg
الحسكة - شفان إبراهيم
+A
حجم الخط
-A

عبّر أهال التقاهم موقع تلفزيون سوريا في القامشلي والحسكة عن مخاوفهم من المخاطر التي من الممكن أن يصدرها مخيم الهول الذي يشهد مجموعة ظروف من تعامل سيئ وهوامش تحرك نتيجة للضعف الأمني وإهمال دولي، ما حوله إلى حاضنة لجيل جديد من مقاتلي التنظيم.

"أمين محمد" الموظف في إحدى المنظمات الإنسانية الدولية والذي يتردد على مخيم الهول وفقاً لطبيعة عمله، يقول: "كان من الطبيعي أن يتعاون العالم بأسره على مختلف الصعد لمواجهة داعش، لكن لا حكمة ولا أخلاق في تحمل كل السوريين وحدهم مخاوف عودة العنف والإرهاب، وتداعيات بقاء المخيم من دون حلول جذرية".

وأنشأت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المخيم إبان حرب الخليج عام 1991، وتسببت حرب العراق 2003 بإعادة افتتاحه، وسيطر تنظيم الدولة على المخيم في 2013، وأعيد افتتاح المخيم في نيسان من العام 2016 بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على الهول.

تقارير دولية تنبه لخطر الجيل الجديد للخلافة

نشرت منظمتا العفو الدولية و"أنقذوا الأطفال" بيانات تسلط فيه الضوء على معاناة الأطفال وعلى الظروف السيئة التي يعيش فيها أطفال المخيم بأقسامه كافة. داعية الدول وحكوماتها لتسلم رعاياها والأطفال على وجه الخصوص الذين يتعرضون لخطر دائم مع بقائهم في المخيم.

وأصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" بياناً في كانون الأول/ديسمبر 2021، نبهت فيه على مخاطر تفاقم الأوضاع في المخيم، خاصة بالنسبة للأطفال.

وقالت الباحثة في الشؤون السورية لمنظمة العفو الدولية ديانا سمعان إن "عشرات الآلاف من الأطفال السوريين والعراقيين ومن دول أخرى يربو عددها على الـ 60 تُركوا لمواجهة البؤس والصدمات المؤلمة والموت لمجرد أن حكومات بلدانهم ترفض تحمل مسؤولياتها وإعادتهم إلى بيئة تمنحهم الأمان والطمأنينة".

وأضافت: "ينبغي على الحكومات أن تكف عن الاستهانة بواجباتها الدولية تجاه حقوق الإنسان في الدفاع عن حق هؤلاء الأطفال في الحياة، والبقاء، والتطور، وأن تعيدهم من دون تأخير وعلى نحو عاجل إلى ديارهم". وبحسب بيانات الأمم المتحدة أكثر من نصف أطفال المخيم هم دون 18 عاماً.

ومنذ نهاية عام 2020 قررت الإدارة الذاتية إخراج قرابة 25 ألفاً على دفعات من العوائل العراقية إضافة إلى سوريين أطلق سراحهم بضمانات عشائرية، واستثنت منهم الأجانب والمقاتلين في صفوف داعش. ورحل قرابة 1400 من اليتامى وبعض النساء، معظمهم من العراقيين وروسيا، وتوزع الباقي بين دول: فرنسا، كوسوفو، أوزبكستان، كازاخستان، فلسطين، هولندا، ألمانيا، الدنمارك، بريطانيا، السويد.

ومن بين أبرز المعتقلين العراقيين أبو محمد الجميلي، قاض شرعي في تنظيم القاعدة في العراق، قبل انتقاله إلى سوريا وانضمامه إلى تنظيم الدولة، وأبو سعد العراقي مسؤول تجنيد المقاتلين، ومصطفى الخلف أحد خبراء الاتصالات ضمن التنظيم، ومسؤول أمني يعرف باسم علي الخليف. وأشارت تقارير إعلامية حول وجود البريطانية "شميمة بيغوم"، والأميركية "هدى مثنى"، وشخصيات أخرى لا يتم الإفصاح عنها للإعلام.

رعب المكان

الأوضاع الداخلية في مخيم الهول مخيفة، فهو يحتوي على 70 ألفاً، ينتمون إلى قرابة الـ 50 جنسية. والأطفال الذين كبروا و"اشتد عودهم" وبما يحملونه من أفكار ومعتقدات سابقة وتكرار حوادث الاعتداء بمختلف أشكاله، حوَّل المخيم إلى حاضنة لجيل جديد من مقاتلي التنظيم، ويشكلون مع نساء داعش خطراً حقيقياً.

وأوضح عبد الله سليمان علي، الباحث السوري المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية: "إن الهول سيكون الرحم الذي ينجب أجيالاً جديدة من المتطرفين فمعظمهم يكررون الإجرام والحوادث الأمنية دوماً، كعمليات فرار مخطط ومدبر بحرفية واتفاق مع أكثر من جهة، أو هجمات ضد حراس أو عاملين إنسانيين أو قتل أو تهجم على الصحفيين، لتكبر معها دائرة المخاوف من أن يستمر الخطر عبر (أشبال الخلافة) و(نساء داعش)".

وشهد المخيم عمليات فرار متتالية لعوائل وأفراد يحملون الجنسيات العراقية، والتونسية، ومن أبرزها هروب سعاد بن عليه زوجة الجهادي الفرنسي وليد عثماني، كما عاد هاربون من "الهول" إلى السويد وهولندا وفنلندا وبلجيكا، وفقا لسجلات قضائية ومسؤولين في مكافحة الإرهاب.

وتقول أجهزة الأمن في المخيم إنها أحبطت 700 محاولة هروب من المخيم.

ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال في أيلول الماضي تقريراً يرصد أوضاع المخيم الذي تحول إلى "خلافة صغيرة" تلعب النساء المحتجزات فيه دور الموجه الأيديولوجي للأفكار العنفية، وتقوم بكل الفظائع والجرائم، كحال تعرض امرأة عراقية للخنق أمام أطفالها بسلك كهربائي، كما عثر على سيدة عراقية تبلغ من العمر 18 عاماً وهي مقتولة في خيمتها بحجة تعاملها مع إدارة المخيم، وفقاً للتقرير.

كما وثقت مصادر حقوقية ومنذ مطلع عام 2021، مقتل 91 شخصاً في المخيم، معظمهم لاجئون عراقيون، على يد عناصر من التنظيم، من ضمنهم عاملان من محافظة الحسكة يعملان في المجال الإنساني، كانوا يقدمون الخدمات والمساعدات الطبية للمرضى، بطبيعة الحال هذه الجرائم لا تتم من دون دور للجيل الجديد للتنظيم.

وقال الأكاديمي الكردي فريد سعدون لموقع تلفزيون سوريا: "ستستمر مشكلة مخيم الهول طالما لم تحل مشكلة الأسرى وعوائلهم، فالمشكلة ليست محلية إنما دولية تتشارك فيها دول التحالف وأميركا وقسد والدول التي لها معتقلون في المخيم".

مشكلات مركبة بعد الترحيل وإهمال مشاعر الإيزيديين

وفي زيارة غير معلنة إلى سوريا في يونيو/حزيران 2021، عبّر الجنرال الأميركي، "فرانك ماكينزي"، عن تفاؤله بانتقال الأسر من مخيم الهول، بعد تحذيره مرارا من أن الشباب في المخيمات باتوا متطرفين وسيشكلون الجيل المقبل من المقاتلين الخطرين. و"ستكون الخطوة الأولى من العديد من عمليات إعادة (اللاجئين إلى وطنهم) وأظن أن ذلك سيكون المفتاح نحو خفض التعداد في مخيم الهول".

ويرى سعدون أن "قاطني المخيم يطبقون القوانين السابقة للتنظيم، وحولوا المخيم إلى مجتمع منغلق على أسس عقائدية متطرفة ويُخيرون القاطنين بين التنفيذ أو القصاص، وتتم تغذية الجيل الجديد في المخيم روحيا وأيديولوجياً ليصبح مستعداً لأدواره الوظيفية بمجرد العيش خارج المخيم، وأصبحوا جزءاً من خلايا أمنية تراقب حركة المخيم".

وعودة العراقيين المحتجزين في مخيم الهول -أطفالاً ونساءً ورجالاً- لا يُنهي إحدى القضايا والملفات الخطيرة في العالم؛ فهو مصدر للقلق والخوف للعراقيين من أبناء المناطق السّنية الذين فقدوا أبناءهم، وأخرى خاصة بأبناء شنكال ذوي النفسيات المسحوقة، والمتحولة إلى هويّاتٍ ممحوقة بفعل القتل والخطف العمد على يد داعش.

ويقول "مامو شامو" من أهالي شنكال/سنجار: يُدان العالم "الديمقراطي الإنساني" بأزمة أخلاقية ضخمة مع كل يومٍ لهذا المخيم، الذي يشكل للإيذيديين رمزا لقضية بؤس أخلاقي عام".

وأعلن البرنامج الإنمائي في العراق للأمم المتحدة، عقد ورشة عمل لتعزيز القبول والتفاهم بين القادة المحليين، والمصالحة المجتمعية لتسهيل عودة العراقيين من المخيم وإعادة دمجهم. وأوضح البرنامج في بيان، "أن الورشة عقدت بالشراكة مع وزارة الهجرة والمهجرين ومستشارية الأمن الوطني وعدد من المسؤولين الحكوميين، بمشاركة 74 من قادة المجتمع وشيوخ العشائر في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى".

رفض مطلق لمطلب "الإدارة الذاتية"

وتؤكد مصادر من "الإدارة الذاتية" لموقع تلفزيون سوريا أن "وضع المخيم معقد وشائك، فهو يحتوي على عشرات الآلاف من الجنسيات الأوروبية والآسيوية والعربية، وليس من السهل إخراجهم من دون تعاون دولي وضمانات لعودة آمنة إلى ديارهم وبلدانهم، لذلك الأفضل هو إنشاء محكمة دولية للمعتقلين كمخرج لمشكلة استدامة العنف والقتل".

وفي هذا السياق أوضح الخبير القانوني معاذ يوسف لموقع تلفزيون سوريا أن تنظيم داعش متعدد الجنسيات، وحين حدوث جريمة على أرضٍ ما، يجب وجود محاكم مختصة بذلك النوع من الجرائم، وهي موجودة في سوريا، أي محكمة الإرهاب، لكن المشرفين على معتقلات وسجناء داعش هي قوات التحالف، كما أن القرار 2254 لم يذكر محاكمة ومحاسبة مرتكبي الإرهاب.

ويضيف يوسف حول الحل: "القضية تحتاج إلى قرار دولي لإنشاء محكمة مختلطة دولية ووطنية، وربما تتأخر إلى حين إيجاد تسوية سياسية لإنشاء ذلك النوع من المحكمة بإشراف خبراء تقنيين ومدعين عامين من الأمم المتحدة، فالمحكمة مرتبطة بالجرائم ضد الإنسانية، وحالياً الإدارة الذاتية غير معترف بها لإنشاء المحكمة في مناطق سيطرتها، والمحاكم السورية مُستبعدة من الشرعية الدولية".

ويقول مراقبون إن عدم عقد المحكمة سيعني استدامة بقاء قرابة 5 ملايين شخص في منطقة شمال شرقي سوريا ومن خلفها كل سوريا، تحت خطر أمني وعسكري، والجيل الجديد لداعش سيشكل أبرز المخاطر المستقبلية على المنطقة.