icon
التغطية الحية

محاصصة بلا اختصاص وختم تركي.. تجديد المجالس المحلية في الشمال السوري

2022.12.22 | 06:06 دمشق

سيسي
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تُجري المجالس المحلية التي تُشرف على إدارتها الولايات التركية المحاذية للحدود مع سوريا، في ريفي حلب الشمالي والشرقي انتخابات جديدة لإعادة تشكيلها، بعدما انتهت دورتها السنوية في 15 أكتوبر / تشرين الأول الماضي، بناء على أحكام النظام الداخلي المعتمد من المجالس، حيث أعلنت المجالس المحلية، في مدن الباب وقباسين وبزاعة وجرابلس ومارع وصوران، خلال الشهرين الماضيين، انتهاء ولايتها، في حين سيتم تسيير الأعمال الإدارية والخدمية من المجالس المحلية السابقة، حتى تشكيل المجالس الجديدة.

وكثفت مجالس الأعيان والوجهاء والناشطين في المدن في المناطق المذكورة من جلساتها واجتماعاتها الدورية لاختيار أعضاء المجالس المحلية، وفقاً للصيغة المعتمدة في كل مدينة، حيث عاشت بعض المدن خلافات بين العائلات بسبب عدم التراضي فيما بينها في اختيار المرشحين الجدد لعضوية المجالس.

وباشر أعضاء المجلس المحلي الجديد في مدينة جرابلس، مزاولة أعمالهم في 1 ديسمبر / كانون الأول الجاري، بعدما أنهى الأعضاء القدامى أعمالهم في المجلس في 30 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، حيث انتخب الأعضاء الجدد محمد جاسم العبو رئيساً وعلي ملحم نائباً، بإشراف وزارة الإدارة المحلية والخدمات في الحكومة السورية المؤقتة، ومجلس محافظة حلب الحرة.

 

 

ورشحت العائلات في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، أشخاصاً لعضوية المجلس المحلي، حيث يحق لكل عائلة ترشيح خمسة أشخاص متوافق عليهم، ويتم اختيار عدد منهم لعضوية المجلس كما هو الحال في بلدتي بزاعة وقباسين شرقي حلب، بحسب مصدر مقرب من المجلس المحلي في المدينة، الذي أشار، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: إلى "أن أسماء المرشحين لعضوية المجالس المحلية في الباب وبزاعة وقباسين، تم رفعها عبر المنسقين الأتراك إلى ولاية غازي عنتاب التركية، ومن المفترض الموافقة عليهم بعد إجراء دراسات أمنية عنهم".

بينما في بلدة صوران، توصّل مجلس الأعيان والوجهاء إلى صيغة توافقية في اختيار عضوين من كل عائلة يفوق عدد عائلاتها الـ 100، كما في مارع حيث يقوم الوجهاء والأعيان بدورهم في تنسيق واختيار الأعضاء بمشاركة عائلات المدينة، ومن المفترض أن يتم التوافق على تشكيل المجلس قبل نهاية العام الجاري.

مجالس بدون تغيير

ورغم انتهاء الدورة السنوية للمجالس المحلية في مدن وبلدات اعزاز وأخترين والراعي، فإنها مستمرة في أعمالها، دون إجراء أي تغيرات في تشكيلتها، بينما في عفرين وجنديرس والمعبطلي لا توجد بوادر من المجالس المحلية لحل نفسها، رغم مضي أكثر من أربعة أعوام ونصف على تشكيلها.

 كيف يتم تشكيل المجالس المحلية؟

تُشكل المجالس المحلية في منطقة ريفي حلب الشمالي والشرقي، بناءً على الاختيار والتوافق على الشخصيات المرشحة لعضوية المجلس، ويجب أن يحصل المرشحون على رضا الفصائل العسكرية ومجلس الأعيان والوجهاء والناشطين، بينما يعد الانتخاب من الحالات النادرة غير الموجودة في هيكلة المجالس المحلية، ويقتصر على انتخاب الأعضاء لرئاسة المجلس.

تواصل موقع تلفزيون سوريا مع عدد من الشخصيات المطلعة على تشكيل المجالس المحلية في مدن مارع وصوران والباب وجرابلس وعفرين واعزاز، وطرح عليهم التساؤلات التالية: كيف يتم انتقاء الأعضاء؟ وما الآلية المعتمدة في تشكيل المجالس؟ وكيف يتم توزيع المقاعد؟ وما الشروط والمحددات التي يجب توفرها في المرشحين لعضوية المجلس؟

وأوضحت المصادر - بعضهم طلب عدم الكشف عن هويته لأن هذا الملف غير مسموح للتداول الإعلامي - أن تشكيل المجالس المحلية يعتمد على آلية المحاصصة في توزيع مقاعد العضوية، بين العائلات من السكان الأصليين في مختلف المدن، وذلك وفقاً لعدد من الشروط والمحددات التي تخول العائلة لترشيح مندوب عنها في المجلس المحلي.

وقال الصحفي أحمد المحمد في مدينة صوران بريف حلب الشمالي لموقع تلفزيون سوريا: "تعتمد صوران على صيغة التوافق والاختيار بين الأعيان والأهالي، ويحق للعائلة التي يفوق عددها أكثر من 100 أسرة ترشيح 5 أشخاص لعضوية المجلس المحلي، ويتم اختيار 1 أو 2 منهم كعضو في المجلس، بغض النظر عن المؤهلات العلمية والخبرة العملية".

وأضاف: "يرشح 35 شخصاً تقريباً أنفسهم لعضوية المجلس، ويتم اختيار 14 منهم، ولاحقاً يتم التوافق على توزيع مقاعد العضوية فيما بينهم، بشكل توافقي وقد تجري انتخابات بين الأعضاء لرئاسة المجلس".

عملياً، لا تختلف طريقة تشكيل مجلس صوران عن باقي المجالس المحلية، ففي مدينة الباب وبلدات بزاعة وقباسين ومارع والراعي واعزاز وأخترين، يتم الاعتماد على صيغة التوافق والاختيار في توزيع المقاعد في عضوية المجلس المحلي، بحيث يتم إرضاء جميع السكان بما يتناسب مع عدد أفراد العائلة، أو الحارة.

 في حين بعفرين تتم مراعاة جميع المكونات من العرب والتركمان والأكراد والإيزيديين والعلويين، وكلهم يشتركون في إدارة المجلس المحلي حيث يحق لكل مكون ترشيح عدد من الأشخاص لعضوية المجلس، بحسب ما أوضح عضو المجلس المحلي في عفرين آزاد عثمان، خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا".

في المقابل يبدو أن الكفاءة العلمية والخبرة العملية في الإدارة المحلية، محدودة ونادرة، حيث تغيب خبرة الكثير من الأعضاء الموكلين في إدارة المكاتب ومزاولة المهام الإدارية، وكذلك تبدو الكفاءة غائبة أيضاً لكون الأعضاء الذين يمتلكون شهادات علمية تتطابق مع اختصاصات المكاتب نادرة، وغالباً ما يتم تسليم العضوية لأشخاص لا يملكون حتى شهادة تعليم أساسي.

وقال المدرس في مدينة مارع حسن العيسى لموقع تلفزيون سوريا: "إن اختيار الأعضاء يتم بطريقة عشوائية، وفرض السلطة والانتقاء، فلا يتم بحسب المؤهلات العلمية والعملية، التي يملكها المرشح، ما يعني أن عضو المجلس الذي يملك شهادة التعليم الأساسي يكون مشرفاً على مهندس يدير مؤسسة خدمية في القطاع العام، لذلك تبدو المحاصصة حقيقة لا يمكن تجاهلها".

وأضاف: "الولاية التركية التي تشرف على إدارة كل منطقة، تطلب من الأعيان رفع قائمة المرشحين لإجراء دراسات أمنية موسعة عنهم، وفي حال تمت الموافقة عليهم يمكنهم مباشرة العمل، وفي حال لم تتم الموافقة يمكن استبدالهم بآخرين دون النظر لمؤهلات الأشخاص". وتشرف على إدارة المناطق الخاضعة للجيش الوطني في ريفي حلب الشمالي والشرقي وفي منطقة عمليات "نبع السلام"، 4 ولايات تركية هي هاتاي وكلس وغازي عنتاب وأورفة.

وتعد المحددات والشروط الموضوعة من المجالس المحلية في اختيار الأعضاء من أبرز الأسباب التي أوصلت من لا يمتلكون الكفاءة والخبرة في عمل الإدارات المحلية، ولا يحظون بتأييد شعبي، وهم بعيدون كل البعد عن الرقابة والمحاسبة بسبب عدم وجود سلطات رقابية، بحسب ما أوضح المحامي يوسف حسين.

وقال خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "ما تجريه المجالس المحلية وفق محددات عائلية وعشائرية هي محاصصة، لن تحقق الأهداف المرجوة من الإدارات المحلية، وتشكيلها يتنافى تماماً مع الانتخابات التي تكون عبر هيئة عامة ناخبة تمثل جميع أهالي المدينة، ويفوز في العضوية من يحظى بالتأييد الشعبي الأعلى، إضافة إلى شروط الترشيح المرتبطة بالخبرة والكفاءة العلمية".

ما دور الفصائل العسكرية؟

تحظى الفصائل العسكرية بدور مهم في تشكيل المجالس المحلية في منطقة ريفي حلب الشمالي والشرقي، منذ تأسيسها، خلال العام 2017، من خلال قبول ورفض ترشيح أشخاص للعضوية، وتراجع لاحقاً هذا الدور في بعض من المجالس نسبياً، لكن بشكل غير كامل.

وقالت مصادر متطابقة لموقع تلفزيون سوريا: "يتوزع دور الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني، في كل مركز مدينة، حيث يتم إشراك شخصيات تابعة للفصائل في عضوية المجالس المحلية، ففي مدينة اعزاز يعتبر الدور الفاعل لفصيلي لواء عاصفة الشمال والجبهة الشامية، وفي مدينة الراعي لفرقة السلطان مراد، وفي جرابلس للفرقة التاسعة وأحرار الشرقية، وفي الباب وبزاعة وقباسين لفرقتي الحمزة والسلطان مراد، وفي مارع لفرقة المعتصم والجبهة الشامية، بينما بمنطقة عفرين يكون إشراك الفصائل أقل مقارنة بالدور التركي البارز في إدارة المنطقة".

القرار النهائي بيد المخابرات التركية

يبدو أن الانتخابات النزيهة غائبة تماماً باعتبارها، من أبسط حقوق الناس، ما يجري في تشكيل المجالس المحلية، محاصصة عائلية عشائرية مناطقية فصائلية، تختم بنهاية المطاف بختم المخابرات التركية، ومن يتوافق عليه يتم قبوله دون النظر إلى الكفاءة، بحسب ما أوضح المدون معتز ناصر.

وأضاف الناصر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "تفرض الفصائل رجالها في تشكيلات المجالس المحلية منذ بداية تشكيلها 2017، ومعيار الفرض عند معظم الفصائل، الولاء الفصائلي، ورغم تراجع هذا الدور لكنه لم يختفِ، وأصبح اليوم محصوراً بترشيح بعض الأسماء، أو شراء ذمم البعض الآخر".

يبدو أن المجالس المحلية منذ انطلاقتها لم تخرج عن النمطية المعتادة التي يتم تشكيلها عادةً، من توزيع المقاعد حسب الحارات والعائلات، التي تمتاز بثقلها وقوتها وعدد أفرادها فضلاً عن سلطتها العسكرية، التي تفرض وجود كوادر تنتمي إليها بشكل غير مباشر أو تحصل على ولائها، ما ينعكس سلباً على تأدية دورها الخدمي.

ما أسباب عجز المجالس المحلية عن تقديم الخدمات؟

تعمل المجالس المحلية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، دون إطار قانوني موحد ينظم عملها، وارتباطها بالقانون 107، الصادر عام 2011، كان قبل التدخل التركي في سوريا، ما جعلها متفرقة وغير واضحة في إدارتها، لا سيما أن تبعيتها لوزارة الإدارة المحلية والخدمات في الحكومة السورية المؤقتة شكلية ليس إلا.

وقال المدون معتز الناصر: "إن نشأة المجالس المحلية غير صحيحة، بسبب عدم وجود تبعية قانونية وسياسية وحوكمية واضحة، ممثلة بجهات أعلى تأخذ دور المراقبة، والتخطيط، والمساءلة، لا سيما أن معظم العاملين في المجالس المحلية لا خبرة تذكر لديهم في الإدارة المحلية. وظروف العمل والرواتب المقدمة، لا تشجع دخول أصحاب الخبرة والكفاءة، وتسلط المنسقين الأتراك، وعدم وضوح دورهم، وتبعية المجالس لإملاءات خارجية كلها عوامل دفعت أصحاب التوجه الوطني إلى الابتعاد عن المشاركة، لذلك الأهالي غير راضين عن عمل المجالس، ولا يرون أنها تمثلهم، خاصة بعد فشلها على أرض الواقع بالمجال الخدمي".

وأوضح: أن المجالس المحلية لم تكن على قدر المسؤولية، لأنها بنيت أساساً على خطأ، في ظل تقصّد عدم وجود بنية إدارية وحوكمية وقانونية سليمة تساعدها على أداء عملها، وهي عاجزة في ظل استمرار عملها تحت هذه البنية، "ومهما كان القائمون عليها نبلاء وأكفاء، فلن يستطيعوا تحقيق الإنجازية المطلوبة في هكذا بنية غير سليمة".

ويرى المحامي يوسف حسين أن ضعف الحوكمة ناتج عن إبعاد دور الحكومة المؤقتة في الشمال السوري وإدارة الولايات التركية بشكل مباشر للمجالس وكافة المؤسسات العامة، ويمتلك مكتب الولاية صلاحيات لا تمتلكها الحكومة المؤقتة، حيث لا توجد سلطة مباشرة للحكومة على هذه المجالس، ما ساهم في فشل المجالس المحلية.

وتابع الحسين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن المهام الحوكمية الإضافية الموكلة للمجالس المحلية إلى جانب الخدمية، كمديرية الأحوال المدنية والتي من المفترض أن تتبع لوزارة الداخلية، وكذلك مسألة مديرية المواصلات التي من المفترض أن تتبع لوزارة المواصلات، وأيضاً الملف التعليمي الذي يجب أن يتبع لوزارة التربية، والأمني الذي يجب أن يتبع لوزارة الداخلية، كل ذلك شتّت عمل المجالس المحلية وحوّلها إلى مجالس حكومية وليست مجالس محلية خدمية.

لا تحصل المجالس المحلية سواءً القديمة أو المشكلة حديثاً على رضى الأهالي لكونها قائمة على أسس المحاصصة بين العائلات، وتغييب الخبرات العملية والكفاءات العلمية، إلى جانب إقصاء عائلات أخرى في ظل انتشار الفساد والمحسوبيات، بالتزامن مع انخفاض مستوى الدعم اللوجستي المقدم من قبل الولايات التركية والحكومة السورية المؤقتة والمنظمات والفصائل العسكرية التي تسيطر على المعابر الداخلية والخارجية، ما انعكس سلباً على تقديم الخدمات للسكان وأفشل التطلعات الإدارية المستقلة في الشمال السوري.