مبادرة مركز حرمون لإعادة بناء الائتلاف

2021.01.09 | 00:07 دمشق

thumbs_b_c_19bfd6d7cc2a83cc0618a5d88c087162.jpg
+A
حجم الخط
-A

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الجاري مضمون (وثيقة – ورقة ) قام بإنتاجها وصياغتها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، وتتضمن الورقة مبادرة لإعادة النظر في التشكيلات السياسية السورية المعارضة، ولعلّ المعني بهذه التشكيلات على وجه الحصر هو ( الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة). ووفقاً لمصادر نُسبت إلى مركز حرمون، إذ أفادت بأن المبادرة لم تكن وليدة الوقت الراهن، بل يعود تاريخ صياغتها إلى العام 2016، وقد قدّم مركز حرمون إلى الائتلاف نسخة منها في شهر حزيران من العام المذكور، إلّا أن الائتلاف لم يبد حيالها أيّ اهتمام، فما الذي دعا إلى طرحها من جديد في الظروف الراهنة؟

لسنا بحاجة إلى مزيد من التفاصيل في الحديث عن الأزمة المزمنة التي يعاني منها الائتلاف، بل ربما أصبحت – بفعل تفاقمها وتراكمها – أزمة مركَّبة، فهو أولاً – الائتلاف – يعاني من مشكلة ذات صلة ببنيته التنظيمية والإدارية، تلك المشكلة التي ولدت مع نشأته عام 2012، وتنامت مع استمراره إلى الوقت الحاضر، وقد أدّى استفحال هذه المشكلة إلى شلل النواظم المؤسساتية والتنظيمية، وترسيخ سلوك قائم على حيازة مواقع النفوذ والصراع على اقتسام مفاصل القرار، وفقاً لما يحوزه كل طرف من أوراق قوّة، مُستمدَّة في غالب الأحيان من ولاءات لجهات إقليمية، أو من اعتبارات ما دون وطنية، ما أدّى إلى إحداث فجوة كبيرة بين جمهور الثورة والائتلاف الذي بات من العسير عليه – ضمن المعطيات الراهنة – أن ينهض بعبء ردم تلك الفجوة أو تجسيرها، وبطبيعة الحال لا يمكن إنكار أو تغييب عوامل أخرى في غاية الأهمية، لعلّ أبرزها انحسار عوامل القوّة من مفاصل الثورة – عسكرياً وسياسياً – بفعل الدعم المطلق من حلفاء النظام وقدرتهم على تحصين نظام الأسد من أي مساءلة دولية يمكن أن تطوله جرّاء جرائمه بحق السوريين، وكذلك حمايته من أي عقاب أو رادع جرّاء عدم امتثاله للقرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية، ومماطلته والتفافه، بل وازدرائه بمجمل معطيات العملية السياسية ونواظمها الأممية، الأمر الذي جعل موقف أنصار الثورة من الائتلاف مزيجاً يتراوح بين السخط العاطفي نتيجة الإحباط واستمرار المأساة وتجذّرها، وبين الموقف العقلاني الناقد الذي يطالب بإعادة إنتاج كيان الائتلاف وفقاً للمستجدات الراهنة.

تكتسي مبادرة مركز حرمون بعضاً من أهميتها لجملة من الأسباب، لعل أهمها التوقيت الذي تظهر فيه من جديد، ونعني بذلك تعدد المحاولات التي تقوم بها بعض القوى والتشكيلات الحزبية السورية من إنشاء مؤتمرات وندوات وحوارات صاخبة بهدف إيجاد كيان أو كيانات جديدة، قد تكون بديلاً أو كياناً موازياً للائتلاف، ربما يجد فيه البعض حلّاً مناسباً لمشكلة التمثيل السياسي لما تبقى من ثورة السوريين، وبعيداً عن التكهّن بنجاح هذه المحاولات أو عدمه، فإنه يمكن التأكيد على أن ثمّة انقساماً واضحاً في الرأي ضمن تلك القوى والتشكيلات ذاتها، فثمة من يرى ألّا جدوى من أي محاولة لإصلاح الائتلاف، بل الواجب نسفه أو تجاوزه، نظراً لفداحة العطب الكامن في بنيته وسلوكه معاً، إلّا أن فئة أخرى ترى أن المصلحة الوطنية في الوقت الراهن لا تستدعي التفريط بالائتلاف ككيان عام، ذلك أن الحالة السورية لا تحتمل مزيدا من التجريب أو المغامرة، بل الأولى والأجدى إعادة بنائه من جديد، ليكون عمله موازياً لأعباء ومتطلبات المرحلة الراهنة، شريطة أن تكون إعادة بنائه تطول جذوره التنظيمية ومسلكه السياسي معاً، وليست حالة ترقيعية كما هو الحال في المرات السابقة. ولعل هذا الرأي هو الأوسع قبولاً لدى قطاع واسع من القوى والجماعات والأفراد، وهذا ما يتماهى مع مسعى مبادرة حرمون التي تهدف إلى إعادة البناء الجذري مع الحفاظ فقط على اسم الائتلاف. أضف إلى ذلك، أن ما يجعل هذه المبادرة أكثر قبولاً ومصداقية هو كونها صادرة من مركز بحثي مستقل، منحاز – وطنياً – إلى الثورة السورية، ولكنه غير منحاز – سياسياً وإيديولوجياً – إلى أي جهة سورية معارضة، ما يجعل ردّات الفعل الأخرى على طروحاته أقلّ حساسية، وذلك نظراً لشيوع للمناخات المشحونة والمليئة بالنزعات والتجاذبات ذات النزعة الشخصية في أوساط المعارضة السورية.

ثمة ما يعفينا من الحديث المفصّل عما جاء في المبادرة، ذلك أنها باتت منشورة في أكثر من موقع أو صحيفة، ومن المتاح قراءة تفاصيلها لمن يشاء، وما هو متاح لنا في هذا الحيّز المحدود من هذه المقالة، هو الوقوف عند نقطتين اثنتين وردتا في تضاعيفها، تكمن الأولى في إحدى (المعطيات) التي تم تصنيفها ضمن (المستوى الذاتي)، وهي التي تحمل الرقم ( 7 ) والتي تقول: (كل نظرة تستند إلى تصنيف السوريين إلى طوائف وأعراق، هي نظرة ساذجة وواهمة، على المستوى العقلي، وهدّامة ومخرِّبة، على المستوى الواقعي).

ولعل مضمون  المقبوس السابق يحيل إلى ردّ مباشر على ما حاولت، وما تزال، بعض الأطراف الدولية، وفي طليعتها روسيا، إظهار الحرب الدائرة في سوريا على أنها ذات منشأ عرقي أو طائفي، وأن سبب انفجار الشارع السوري لا يعدو كونه صراعاً بين أقوام وطوائف ، قد تحوّل إلى حرب طاحنة، ولهذا أطلق الروس مصطلح – مؤتمر الشعوب السورية  - على مؤتمر سوتشي في كانون الثاني 2018، غداة انعقاده، وقد قوبلت تلك التسمية آنذاك برفض كبير. ولا داعي للتأكيد على أن هذا المسعى يعمل على تغييب جوهر قضية السوريين التي تتمثل بوجود نظام الاستبداد الأسدي (أصل المشكلة)، هذا لا ينفي – بالطبع – حاجة السوريين إلى إعادة النظر والبحث الجدي في العديد من المسائل ذات الصلة بحقوق كل المكوّنات وصياغة مفهوم للوطنية السورية، وإنجاز عقد اجتماعي جديد، ولكن هذا كلّه لا يمكن تحقيقه إلّا في مناخ ديمقراطي لا يمكن حصوله في ظل دولة الاستبداد والتوحّش. فضلاً عن ذلك، فإن المقبوس السابق ينفي أيضاً إمكانية التمثيل السياسي للسوريين وفقاً لمبدأ المحاصصة العرقية أو الطائفية التي تحرص بعض الكيانات الرسمية على التمسّك بها، فقط إرضاءً لإملاءات خارجية، بعيداً عن الحاجات الوطنية.

كما تشير المبادرة في إحدى فقراتها التي تتحدث عن الإجراءات العملية لإعادة بناء الائتلاف، بناءً على التمثيل الحزبي (وضع معايير موضوعية لاختيار التنظيمات السياسية التي يحق لها اختيار ممثلين لها في الائتلاف)، ولا نعلم كيف ستكون عبارة (معايير موضوعية) مجدية أو ذات فاعلية، ضمن شروط  تكاد تكون لا موضوعية أحاطت بتشكيل أو تأسيس المئات، إن لم تكن الآلاف من الأحزاب والجماعات والتشكيلات السياسية التي نشأ معظمها بعد آذار 2011، فضلاً عن أن معظمها، بل أغلبها الساحق قد تشكل خارج الأرض السورية، وهي في مجملها لا نملك لها أي ملمح حسّي سوى ما يُكتب على وسائل التواصل الاجتماعي، فما هي السبل أو الآليات التي يمكن من خلالها التحقق من ماهيّة هذه الأحزاب أو القوى؟ هل من خلال مطالبتها ببيانات عددية عن أعضائها؟ وهل من العسير تقديم قوائم بآلاف الأسماء الوهمية لمن يشاء؟ أم هل يمكن الركون إلى كل حزب أو تيار لا يتجاوز عدد أعضائه أصابع اليد، وكل واحد منهم يقيم في قارة، وما يجمعهم صفحة فيسبوك أو موقع إلكتروني فقط؟ بالتأكيد هذا الاعتراض لا ينفي ضرورة التمثيل الحزبي في أي كيان وطني جامع للسوريين، ولكن شريطة أن تتوفر البيئة المناسبة التي تتيح التحقق من ماهية الأحزاب وحقيقة وجودها وفاعليتها وقدرتها على تجسيد تطلعات السوريين والتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم بمزيد من الشفافية والواقعية، وهذا ما لا تتيحه الظروف الحالية للسوريين الذين تناهبتهم بلدان اللجوء والمنافي.

يبقى القول: إن مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إذ يؤكّد أنه هو من أنتج تلك المبادرة منذ سنوات ثلاث، إلّا أنه يؤكّد أيضاً – على لسان أحد مسؤوليه – أن المركز إذ ينشر هذه الورقة، فإنه لا يدّعي طرحها من جديد على أحد، ولا يتبنّى حالياً أيّ مبادرة سياسية، وربما كان هذا التأكيد مخالفاً لرغبات كثير من السوريين الذين ينتظرون انخراطاً أكبر لمراكز البحوث والدراسات في المساهمة الفعالة في الشأن الوطني العام، ليس من خلال الميدان البحثي المعرفي فحسب، بل من خلال الميدان السياسي المباشر أيضاً، فما يمتلكه مركز حرمون من خبرات إدارية وتنظيمية، فضلاً عن امتلاكه قدرات لوجستية تمكّنه من المساهمة في مواجهة الأزمة الراهنة التي تواجه كيانات المعارضة، سواء الرسمية أو سواها.