icon
التغطية الحية

ما بين مسلسلي "ولاد بديعة" و"مال القبان".. تشابه مقصود أم مجرد صدفة بريئة؟

2024.03.21 | 16:05 دمشق

آخر تحديث: 21.03.2024 | 16:42 دمشق

ولاد بديعة
ما بين مسلسلي "ولاد بديعة" و"مال القبان".. تشابه مقصود أم مجرد صدفة بريئة؟ ـ الصورة: إنترنت
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

يدور حديث عابر في الحلقة العاشرة لمسلسل "ولاد بديعة" بين الدكتور يحيى (إبراهيم شيخ إبراهيم) وأصدقائه في أثناء عودتهم إلى المنزل من سهرتهم حول تشابه وتداخل موضوعات وتفاصيل الحياة اليومية بين بعضها البعض. يفتتح يحيى الحديث بالقول: "نفس الأغاني بتنعاد بكل المحلات، تقول الكل بيلعب (DJ) من نفس الفلاشة"، لترد عليه عبير (روزينا لاذقاني) مؤكدة كلماته "ما وقفت ع الأغاني صاير كلو نفس الدمغة.. الأكل.. الوجوه.. الشوارع.. الآراء.. لك حتى الجرائم عم بتصير لنفس الأسباب.. يا جوع.. يا تصفية حسابات".

في الحقيقة لم أجد أفضل من هذه الافتتاحية التي تصف تشابه تفاصيل وموضوعات حياتنا اليومية لافتتاح هذه المراجعة عن مسلسلي "ولاد بديعة" (إخراج رشا شربتجي)، و"مال القبان" (إخراج سيف الدين سبيعي)، وكلاهما عن قصة وسيناريو وحوار يامن الحجلي وعلي وجيه، في شراكة مستمرة منذ تقديمهما مسلسل "عناية مشددة" (إخراج أحمد إبراهيم أحمد) في عام 2015، والواضح أنها شراكة ناجحة لها سوقها بين شركات الإنتاج، على الرغم من تشابه قصة وحبكة المسلسلين، وطريقة البناء مع اختلاف في المكان الذي تدور فيه الأحداث، والحوار بين الشخصيات، يجمعهما الحجلي في شخصية "الولد السيء" (Bad boy)، الشرير والطيب أيضًا.

على سبيل المثال لا الحصر..

ما يدفع إلى قول التشابه بين حبكة المسلسلين، هو أنه منذ البداية يتم التمهيد للقصتين بطريقة متشابهة مع التلاعب بنوعية/مضمون القصة، والشخصيات الرئيسية المحركة للصراع الدرامي، وعلى هذا لدينا الكثير من الأمثلة التي لا حصر لها. منها، تدور أحداث "ولاد بديعة" في مصانع الدباغين، أما أحداث "مال القبان" فهي تدور في سوق الجبر (أو الهال)، في الأول تصل بديعة (إمارات رزق) مع ابنتها سكر الصغيرة إلى مصانع الدباغين من منطقة مجهولة، وهي امرأة لديها مشاكل في صحتها العقلية، ومثلها تصل أم نعمان (رسل الحسين) عندما كانت شابة مع ابنها الصغير نعمان إلى سوق الجبر هاربة من ضيعتها بسبب زوجها السيء والمُعنف.

في الأول تبدو بديعة امرأة مستضعفة لا حول لها ولا قوة، تجد نفسها بسبب صحتها العقلية ضحية لنزوات عارف الدباغ (فادي صبيح)، وفي الثاني أم نعمان الشابة، امرأة قوية ترفض الخضوع لنزوات أبو عمار الجبر، أكبر تجار سوق الجبر لتجارة الخضار والفواكة، بما في ذلك رفضها الزواج منه بعقد زواج غير مُثبت في المحكمة، قبل أن تصبح واحدة من تجار سوق الجبر، وتجعل من ابنها نعمان (وسام رضا/بسام كوسا) تاجرًا كبيرًا ينافس عائلة الجبر في السوق.

ما سبق عينة بسيطة من تشابه القصتين مع اختلاف في التركيبة، لكنها حتى في التسلسل نحن نشاهد الجانب ذاته، هناك فكرة يتم استثمارها في كلا المسلسلين أيضًا، في مشهد فلاش باك لـ"ولاد بديعة" ينتقم مختار الطفل من أشقائه (ولاد بديعة) بمشهد شنق قططهم الثلاث. وفي "مال القبان" بعد علم عزيز القروي (سعد مينا) بأن القاضي فارس الشامي (خالد القيش) يحب القطط، يضع أمام عتبة منزله كرتونة داخلها قطة مقتولة كتحذير له في حال لم يطلق سراح شقيقه الموقوف بتهمة التهريب.

وفي العموم، تدور قصة "أولاد بديعة" حول صراع على الإرث بين أولاد عارف الدباغ، مختار (يوسف نصر) من طرف، وشاهين (سامر إسماعيل)، وياسين (يامن الحجلي)، وسكر (سلافة معمار) من طرف آخر، يضاف إليها صراع أزلي قديم بين عارف الدباغ وأبو هديل (حسين عباس) على تجارة الجلد المصبوغ، وبعد وفاة عارف يرث شاهين صراع والده مع أبو هديل؛ بينما يتتبّع "مال القبان" قصة الصراع الأزلي أيضًا بين نعمان الزير (بسام كوسا) مع أبو عمار الجبر (نجاح سفكوني) على زعامة السوق من طرف، ووالدته أم نعمان (رسل الحسين/ختام اللحام) من طرف آخر، حيثُ يعتقد نعمان أن علاقة غير شرغية جمعت والدته مع أبو عمار بعد هربها من الضيعة، ومحاولة أم نعمان استعادة أملاكها من ابنها بعد انقضاء نحو 20 عامًا على تفويضها لنعمان بالتصرف في أموالها.

العنف والعنف المضاد

قبل الانتقال إلى مشاهد العنف والعنف المضاد المتكررة في المسلسلين – تظهر بدرجة أقل في "مال القبان" – لا بد من التذكير أن مشهد شنق القطط في "ولاد بديعة" في بداية الحلقة الرابعة سبقه بيان إخلاء مسؤولية يؤكد أن "كل مشاهد الحيوانات كانت بحضور أطباء ومختصين ولم يتعرض أي حيوان للأذى"، على عكس مشاهد العنف التي تضمنتها الحلقات اللاحقة، بما فيها مشهد ضرب شاهين وياسين العنيف لمختار الذي أدى إلى إخصائه في النهاية، وهو مشهد درامي استخدم في مسلسلات سابقة، منها "لعنة الطين" (إخراج أحمد إبراهيم أحمد، وسيناريو سامر رضوان)، وقبله في "أسياد المال" (إخراج يوسف رزق، سيناريو هاني السعدي)، أي إنه ليس من مشاهد العنف المبتكرة في الدراما السورية.

ومن باب الإنصاف، فإن الانتقادات التي قوبلت بها مشاهد العنف تتحمل مسؤوليتها خدمة شاهد نت، خدمة البث المباشر العارضة للمسلسل، لأنها تجاهلت تصنيف المشاهدة العمرية للمسلسل، وهذا ينطبق على جميع المسلسلات التي تتيحها الخدمة ذاتها لمشتركيها، سواء أكانت غربية أم عربية، حتى أنها تتيح أعمال غربية حصلت على تصنيف (TV-MA)، أي إنها غير مناسبة للأطفال من هم دون سن الـ17 عامًا، دون الإشارة لذلك في وصف المسلسل؛ كذلك لا أجد منفعة نقدية من الحديث عن العنف الذي يحركه خلاف على الإرث مالي/ثأري خارج إطار القانون، بل الأهم من ذلك أن كل هذا العنف، وما يقابله من عنف مضاد، يحدث في ظل غياب لسلطة القانون.

يقدم "ولاد بديعة" الكثير من مشاهد العنف على مختلف الأنماط مع غياب شبه تام لسلطة القانون، وهذه السلطة تكاد أن تكون معدومة أو لا وجود لها، مثال عليها، مشهد المطاردة بين مختار وشاهين الذي يبدأ من غرفة التحقيق في أحد فروع الشرطة (قوى الأمن الداخلي)، دون أي تدخل يذكر من عناصر الشرطة (الحلقة الخامسة)؛ وأيضًا لدينا محاولة اغتيال شاهين من قبل أبو هديل، اقتحام أبو الهول (محمد حداقي) لمكتب ياسين الدباغ، أو امتلاك يمان (عدنان أبو الشامات) لبناء يحوله إلى سجن خاص به يمارس فيه الابتزاز والتهديد، كل ذلك يحدث في ظل غياب تام للقانون.

 بينما في "مال القبان" يملك خير الزير (يامن الحجلي) مجموعة من الرجال الذين يساعدونه على استحصال ديون الأشخاص من المديونين لهم بالقوة، في صورة مشابهة لأفلام الجريمة الهوليودية؛ ومع ذلك تحضر سلطة القانون في "مال القبان" أكثر من "ولاد بديعة"، ويركز أكثر على سردية محاربة الفساد، وتغلغل قوى الفساد في أجهزة إنفاذ القانون، ممثّلة بالصراع الدائر بين القاضي فارس وعزيز القروي، كما تظهر هذه أجهزة القانون بشكل متكرر في سوق الجبر لمحاربة ظاهرة الخضار والفواكة المهربة.

قد يُنظر الجمهور إلى أن ما سبق على أنه مجرد قصص متخيّلة تخدم الخطوط العريضة للمسلسلين، لكن يجب ألا نتجاهل أن التلفزيون ومنصات البث المباشر أصبحت تعمل كذراع ثقافي/معرفي إلى جانب الترفيهي بالنسبة للجمهور، فالتلفزيون وفقًا لأستاذ الاتصالات في جامعة كاليفورنيا، لاري غروس، يعمل على "توسيع المفاهيم والمعتقدات والسلوكيات التقليدية والمحافظة بدلًا من تغييرها أو إضعافها"، بمعنى أنها "ليست لتشجيع التغيير بل لمقاومة التغيير"، باعتبار التلفزيون الحيز المشترك الذي يضم حوله "مجتمع كبير غير متجانس".

ما يقوله غروس يدلُ على أن ما نشاهده في المسلسلات الدرامية هو امتداد يصب في خدمة النظام الاجتماعي الذي يريد النظام القائم – أي نظام – تثبيته، وهذا يكون عكس وسائل الإعلام على مختلف أنواعها، إذ إن الفرق بينهما قائم على أن الأول يحتاج جمهور غير انتقائي، بينما الثانية غالبًا ما يكون جمهورها انتقائي؛ وبما أن التلفزيون يحتفظ بمساحة واسعة في حياتنا اليومية، وخصوصًا في الموسم الرمضاني، فإنه لا بد من النظر إليه على أنه قوة ثقافية تعزز السلوكيات والمعتقدات والعادات والموروثات المتفق عليها بين المجتمع، أكثر من عمله كقوة تغيير ثقافية واجتماعية.

تشابه مقصود أم مجرد صدفة بريئة؟

لكن التشابه لا يتوقف على ما سبق فقط، لدينا الخط السياسي الذي يقدم له "ولاد بديعة"، يمكن اختصاره بأن مجموعة من الأفراد يتصارعون فيما بينهم في بلد تغيب عنه أجهزة إنفاذ القانون، أهمها تخطيط يمان وسكر للسطو على منازل المهجّرين والنازحين، وهنا يتم تجاهل المراسيم التشريعية التي صدرت خلال الأعوام السابقة، وتُجيز بالقول والفعل استملاك عقارات المهجّرين واللاجئين خارج سوريا، وهناك عمل ياسين في تهريب البنزين على خط دمشق – بيروت، وجميعها محاولات لاستمداد قصة مشوهة من أرض الواقع.

أما بالنسبة لـ"مال القبان" فإننا نجد القانون حاضرا بقوة، مع إسقاط على ما بدأ من مظاهرات في عام 2011، وقضية المعتقلين بسبب المظاهرات، وتمثّل ذلك بمفاجئة خروج رغد (سلاف فواخرجي) من المعتقل، وهي زوجة القاضي فارس، دون أن ننسى عرض مشاهد لمظاهرة 15 شباط (فبراير) 2011 الشهيرة في سوق الحريقة، صرخة السوريين الأولى، وبعدها عرض مشاهد سريعة مأخوذة من قمع قوات النظام للمظاهرات في العام ذاته.

الواضح أن عرض المسلسلين في هذا التوقيت، يحمل رسائل غير مباشرة الهدف إيصالها إلى أكبر فئة من الجمهور، خصوصًا أن كلاهما يعرضان على منصة شاهد نت، وعلينا التنويه هنا إلى أنه كان من المتوقّع عرض "مال القبان" العام الماضي، جنبًا إلى جنب مع "مع وقف التنفيذ" (إخراج سبيعي، سيناريو الحجلي ووجيه)، لكن الجهة المنتجة أجلت عرضه بذريعة التأخر في عمليات التصوير، والواضح أن كلا المسلسلين كانا مكملان لبعضهما البعض في حال إسقاطهما على الواقع السياسي –الاجتماعي العام الماضي.

أما بالنسبة لمزامنة عرض "ولاد بديعة" مع "مال القبان"، فإن الأول يركز على فكرة انفلات المجتمع عنفيًا لدرجة لا يمكن ضبطها، فالنتيجة في حال غياب أجهزة إنفاذ القانون – المهتمة بحماية البلاد والعباد من القوى الخارجية – ستؤدي بالضرورة إلى مجتمع يحكمه قانون الغاب، القوي يأكل الضعيف، مع تجاهل لدور هذه الأجهزة بالسماح لمثل هذه المجموعات التشبيحية بالقيام بمثل هذه الأعمال الخارجة عن إطار القانون، ودور الأشخاص المستفيدين من هذه الأجهزة من مثل هذه الأعمال.

أما في "مال القبان" فإن التركيز في هذا الجانب يكون على صراع النظام مع قوى الفساد، وأن المعتقلين/ات بخير، لا يوجد ذكر لمن غُيب أو قتل في السجون، وبدلًا من ذلك يكون التركيز على خروج المعتقلين بمراسيم العفو الرئاسي، هنا تغيب القضايا الأساسية التي خرجت بسببها هذه المظاهرات، وينحسر الفساد في رشوة دوريات قوى الأمن الداخلي، وعلى هذا الأساس نجد أن المسلسلين يعملان وفقًا لنظرية "الشرطي الجيد، الشرطي السيء"، وأن التغيير ممنوع.

ماذا أيضًا!

أما على صعيد الأداء التمثيلي، يبدو أن "ولاد بديعة" قد تم اشتغاله على عجلة، وهو ما يبرز واضح في القصة وأداء طاقم التمثيل الذي ظهر متفاوتًا بين المقنع في بعض المشاهد، وغير المقنع في مشاهد كثيرة، ويستثنى منه وسام رضا (السيكي) الذي يقدم أداءًا مميزًا، بالاشتراك مع سامر إسماعيل، محمود نصر، ونادين (أم جمعة) التي تقدم الأداء المُتوقّع لسيدة كبيرة، لكنها لفتت الأنظار لقيادتها "الطريرة" (وهي وسيلة نقل صغيرة بثلاث عجلات).

لكن هذا الأمر لا ينطبق على طاقم تمثيل "مال القبان" الذين قدموا أداءًا متوازنًا وواقعيًا يعكس طبيعة القصة التي تُحاكي واقع الحياة الاجتماعية في الوقت الراهن، بما فيهم بسام كوسا، وسلاف فواخرجي، التي تقدم أداء غير متكلف أو مصطنع، لكنه لم يلفت الانتباه بسبب علاقتها المضطربة مع الجمهور نتيجة موقفها السياسي، وكذلك الحجلي نفسه الذي ظهر متمكنًا من شخصية خير الزير في "مال القبان" أكثر من شخصية ياسين الدباغ في "ولاد بديعة".

أخيرًا، يستخدم الحجلي ووجيه في كل حلقة من المسلسلين أسلوب الـ"فلاش باك" (FlashBack)  لرواية القصة التي تدور في زمنين منفصلين/متصلين، وهو أسلوب يقدم بشكل جيد للشخصيات الرئيسية، وتطور الصراع فيما بينها، وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدمان فيها هذا الأسلوب، فقد استخدما الأسلوب عينه العام الماضي في مسلسل "مع وقف التفيذ"، لكن ذلك لا ينفِ التشابه في طرحهما للقصص المنتقاة لمسلسلاتهما، والذي وصل إلى ما وصل إليه في "ولاد بديعة" و"مال القبان"، ما يجعلنا نتساءل إن كان هذا التشابه مقصود أم مجرد صدفة بريئة!