ما بعد الهجوم على رفح ليس كما قبله

2024.05.23 | 05:13 دمشق

آخر تحديث: 23.05.2024 | 05:13 دمشق

588888888888888888887
+A
حجم الخط
-A

ردّتت حركة حماس بشكل إيجابي على المقترح الذي قدمه الوسيطان المصري والقطري بخصوص صفقة وقف إطلاق النار علما أن الجانب الأميركي كان على علم ووافق على هذا المقترح، لكن هذا الموقف قوبل بتعنّت من رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض الأمر وقدم ملاحظات جديدة هي في الأصل ورقة تفاوض جديدة وليست ملاحظات على الورقة التي اعتمدت في الأساس على مقترح أسهمت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في بنائه في باريس 1 وباريس 2.

ولم يكتف بنيامين نتنياهو بذلك بل أعطى التعليمات لقوات الجيش المحتشدة شرق معبر كرم أبوسالم بالدخول إلى رفح واحتلال معبر رفح الممر الوحيد لسكان قطاع غزة.

انكشاف موقف نتنياهو

كانت هناك تقديرات كثيرة تؤكد أن بنيامين نتنياهو لا يريد الوصول لوقف إطلاق نار حتى بشروط أفضل من التي يتم الحديث عنها وهدفه هو إطالة أمد الحرب لأنه يعلم أن انتهاء الحرب مرتبط بتقصير عمره السياسي، ولكن عند هذه اللحظة ورفضه للمقترح الذي وافقت عليه حماس ووافق عليه الوسطاء انكشف بشكل لا لبس فيه أن نتنياهو لا يريد الوصول إلى اتفاق أبدا، وإنما يريد الاستمرار في وضع العِصيّ في الدواليب وجعل حالة الحرب مستدامة مع استمرار الضغط العسكري لجعل قطاع غزة مستباحا له متى أراد ولا يريد أن يكبله في هذا أي اتفاق ولذلك لا يريد الإشارة إلى أي شكل من أشكال اليوم التالي ليظل يتلاعب بالمشهد بما يخدمه.

ملف المعبر كأداة لتعطيل التفاوض

باحتلاله لمعبر رفح أدخل نتنياهو عصا جديدة في دولاب التفاوض المتوقف أصلا والذي كان يبدو أن الإدارة الأميركية تسعى للضغط لكسر عصيّ نتنياهو السابقة بتحريك الدولاب للضغط عليها مرة ولأخذ موقفٍ أكثرَ مرونة من حماس مرة أخرى.

ولم يكن ملف معبر رفح مُدرَجا في أي أوراق سابقة فيما يتعلق بملف وقف إطلاق النار في غزة، إذ كان الخلاف يتركز في المسافات التي سينسحب إليها الاحتلال وعلى شكل عودة النازحين من الجنوب إلى الشمال وكذلك النقطة الأهم وهي ديمومة وقف إطلاق النار والتي لم يقبلها نتنياهو وحاول الأميركان تطويع النصوص من أجل إيجاد صيغة مثل "هدوء مستدام يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم".

لقد رفض نتنياهو حتى مثل هذه الصيغة وأضاف عقدة المعبر أمام منشار الوسطاء وهذا سيفتح أسئلة كثيرة عن الجهة التي ستدير المعبر هل هي السلطة الفلسطينية أم هي شركة أجنبية أم جهات محلية ترشحها حماس ويريد نتنياهو بالفعل إكثار هذه الأسئلة بشكل متعمد.

نتنياهو لديه تقدير موقف يرى أن إدارة بايدن التي تتجه للانتخابات أضعف من أن تقوم بمزيد من الضغط على إسرائيل.

ضعف إدارة بايدن

منذ عدة أسابيع أعلنت الإدارة الأميركية رفضها للهجوم على رفح واعتبرت أن دخول رفح خط أحمر كما أنها سربت أن هناك حظرا على صفقة سلاح لدولة الاحتلال، وسمعنا من الناطقين الأميركيين أن واشنطن ترفض دخول رفح من دون وجود أي خطط لتأمين المدنيين ولكن نتنياهو ضربَ كل هذا عُرضَ الحائط وبدأ اجتياحَ رفح وطلبَ من سكانها إخلاءَها من دون وجود أي أماكنِ آمنة، ثم أغلقَ معبر رفح، ما أدى إلى توقف دخول المساعدات الإنسانية.

وهذا كله يؤكد أن نتنياهو لديه تقدير موقف يرى أن إدارة بايدن التي تتجه للانتخابات أضعف من أن تقوم بمزيد من الضغط على إسرائيل وأن مقربين من نتنياهو وخبراء بالشأن الأميركي مثل رون دريمر وزير الشؤون الاستراتيجية أكدوا لنتنياهو أن إدارة بايدن لن تقوم بشيء أكثر مما قامت به، ولذلك عمل نتنياهو على أن الخط الأحمر الأميركي ليس خطا ثابتا وأنه على الأقل في هذه الفترة يمكن أن يتحرك وهو يهدف فقط لترويج صورة لواشنطن تختلف عن التطابق مع صورة الإبادة الجماعية التي تقوم بها دولة الاحتلال.

ما بعد الدخول إلى رفح وتفويت فرصة تحقيق صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار يغامر نتنياهو بقيادة دولة الاحتلال نحو مستنقع أعمق ووفقا لتصريح أحد أعضاء الكنيست الإسرائيليين ميخائيللي بأن نتنياهو يقود إسرائيل نحو الهاوية.

تعميق المأزق الإسرائيلي

لم يتوقف الأمر عند دخول شرقي رفح واحتلال معبرها بل أقدم الاحتلال الإسرائيلي على عمليات عسكرية في منطقة الزيتون شرقي غزة ومخيم جباليا شمالي القطاع وكذلك بعض العمليات في المحافظة الوسطى على أساس أن عدم إقفال ملف المفاوضات يمكن أن يغطي على هذه العمليات ويعطيه قوة في الميدان تقويه على المستوى السياسي، ولكن ما رأيناه أن الاحتلال تكبَّد خسائر فادحة في رفح وجباليا والزيتون، وبدت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام كأنها في بداية المعركة وليس في شهرها الثامن، وهذا من شأنه أن يضعف معنويات الجيش الاسرائيلي الذي لديه مشكلة عميقة مع المستوى السياسي في عدم وضوح أهداف الحرب وهو الأمر الذي صرَّح به علنا وبوضوح وزير الدفاع يواف غالانت الذي ينتمي إلى حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو.

ما بعد الدخول إلى رفح وتفويت فرصة تحقيق صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار يغامر نتنياهو بقيادة دولة الاحتلال نحو مستنقع أعمق ووفقا لتصريح أحد أعضاء الكنيست الإسرائيليين ميخائيللي بأن نتنياهو يقود إسرائيل نحو الهاوية. أمام العالم كله ظهرت المقاومة بموقف مرن عندما وافقت على مقترح الوسطاء وأمام العالم كله ظهر نتنياهو أنه يريد إكمال الإبادة الجماعية في رفح برغم الخط الأحمر الأميركي المزعوم. وعمليا تكبّد الاحتلال الإسرائيلي خسائر ميدانية كبيرة في جباليا ورفح ولا يعرف الجنود الذين عادوا للزيتون وجباليا لماذا عادوا بعد أن أعلن الاحتلال في تشرين الثاني نوفمبر الماضي أنه قضى على كل بنى المقاومة في هذه المناطق.

أما محورُ صلاح الدين الذي يسمّيه الاحتلال محور فيلادلفيا جنوبي رفح على الحدود مع مصر فإنه على الأغلب سيكون جحيما على قوات الاحتلال، حيث إن هذا الخط يحتضن في باطن الأرض مئات من الأنفاق إن لم يكن آلافا تمّ حفرها على مدار أكثر من 20 عاما، بعضها استخدم للتهريب في فترة اشتداد الحصار بين 2007 و2015. وهذه الأنفاق من المحتمل أن تتحول إلى أنفاق قتالية ولهذا هناك إدراك لدى المقاومة أن الاحتلال الإسرائيلي لا يستيطع البقاء عسكريا وليست لديه حلول سياسية ولهذا فإن نتنياهو سد الطريق أمام المفاوضات وفتحها أمام الاستنزاف الطويل وهو ما يجعله مسؤولا عن احتمال مقتل الأسرى في هذه الحرب الطاحنة وعن انفتاح سيناريوهات جديدة تجعله يقدم على مزيد من التنازلات كان قادرا على تجنبها لو وافق على مقترح الوسطاء لكن هذا ما يحدث عندما يتم تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العليا وعندما يُطمس على عقول مرتكبي الإبادة الجماعية.