ما الذي دفع "الخوجا" للانشقاق؟

2019.12.21 | 16:13 دمشق

20191219_2_39923881_50499007.jpg
+A
حجم الخط
-A

"مانيفستو" رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو في نيسان الماضي، وانتقاداته العلنية اللاذعة لحزبه بعد خسارته انتخابات 31 آذار المنصرم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقته بحزب العدالة والتنمية الذي فتح له الأبواب على وسعها ليعمل ويتدرج في تولي المهام والمناصب والمؤشر الأهم على أنه ذاهب نحو الانتفاضة وإعلان الحرب على رفاق السياسة منذ سنوات طويلة.

قد يقول أوغلو إنه لجأ إلى أسلوب التصعيد والانتقاد العلني لأنه لم يجد آذاناً صاغية حول ضرورة التغيير والإصلاح والتجديد في حزب العدالة الذي بدأت نسبه وحصصه الشعبية تتراجع في الأعوام الثلاث الأخيرة، حيث بات رهانه على حليفه الجديد حزب الحركة القومية اليميني ليوفر له الدعم السياسي والعددي الذي يحتاجه في الحكم. لكن مشكلته هي أنه قرر دخول المواجهة بشكل علني وعبر وسائل الإعلام واستهداف رئيس الحزب رجب طيب أردوغان مباشرة، وهو ما يتعارض مع القواعد المعتمدة والتراتبية الحزبية.

قرر الحزب إحالته إلى المجلس التأديبي لإخراجه نهائيا فلم يتريث مختارا الاستقالة تمهيدا لتأسيس حركة تصحيحية من الخارج تحت سقف "حزب المستقبل" يكون هو فيها رأس حربة ضد أردوغان وسياساته ومواقفه.

داود اوغلو أو "الخوجا" كان قاسيا جدا مع حزبه القديم وهو يقف أمام العدسات للحديث عن سياسات وأولويات وأهداف حزبه الجديد مع مجموعة من المنشقين أو المبعدين أو المغبونين. سيعيد طرح وبناء كل شيء في البلاد من الصفر

داود أوغلو يقول إنه لم يكن يستحق مثل هذه المعاملة، أن يختار رئيسا للحكومة ويمنع من ممارسة صلاحياته

للعودة إلى تطبيق نظرية "صفر مشاكل" التي أطلقها لكنها وصلت إلى طريق مسدود في أكثر من ملف داخلي وخارجي.

داود أوغلو يقول إنه لم يكن يستحق مثل هذه المعاملة، أن يختار رئيسا للحكومة ويمنع من ممارسة صلاحياته. لكن قيادات حزب العدالة تتهمه أنه كان يعد لتغيير بنية الحزب والانقلاب على رئيسه أردوغان وتصفية الحسابات مع النظام الرئاسي الذي لم يكن يدعمه.

لكن الذي سيقلق حزب العدالة وقياداته هي الرسائل الانفتاحية التي بدأ أوغلو بتوجيهها إلى كافة شرائح المجتمع التركي على مختلف ميوله وتوجهاته. لكن المقلق أكثر هو وعوده بتغيير النظام الحزبي وإلغاء حاجز العشرة بالمائة الانتخابي في مواقف سياسية منفتحة على القواعد الشعبية الكردية في جنوب شرق تركيا. ثم وعوده للعلويين الأتراك حول حقوقهم الدينية والاجتماعية والثقافية ولليساريين العلمانيين بالعودة إلى النظام البرلماني في حال وصله إلى السلطة.

أكثر من مؤشر يقول إنَّ المرحلة المقبلة ستكون صعبة على "الأخوة الأعداء" بعدما شن أردوغان هجومه على أوغلو وباباجان واتهمهما بالاحتيال على أحد المصارف الحكومية بهدف الحصول على قرض بدون ضمانات لتمويل جامعة "إسطنبول شهير" التي أسسها أوغلو قبل أعوام محاولا تغيير ملكيتها من عامة إلى خاصة. ثم رد أوغلو على الاتهامات داعيا جميع السياسيين وأسرهم للكشف عن ممتلكاتهم وأموالهم لمعرفة من هو الفاسد والمحتال.

ما الذي يبحث عنه أوغلو اليوم الانتقام لنفسه من الحزب الذي كان يراهن على تسلم مهام قيادته أم إضعاف الحزب والحؤول دون وصوله إلى السلطة مجددا حتى ولو يتمكن هو من فعل ذلك؟

داود أوغلو انشق عن حزبه وهو يعرف أن فرصه في ملىء الفراغ السياسي القائم اليوم شبه مستحيلة. الرهان أولا هو على حزب باباجان وعبد الله غل الذي أخر موعد انطلاقته إلى مطلع العام الجديد فهو الذي يلقى الدعم الخارجي الإقليمي والأوروبي من قبل عواصم همها الأول وقاسمها المشترك هو تصفية حساباتها مع الرئيس التركي وحزبه.

أردوغان يقول إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها بعد 3 أعوام لكن توقعات حزبية وسياسية كثيرة تتحدث عن خيار الانتخابات المبكرة المطروح دائما كورقة ضغط وتصفية حسابات لا مفر منها خصوصا وأن حزب العدالة بات محكوما تحت سقف البرلمان وفي القرارات الداخلية والخارجية الحساسة بحليفه حزب الحركة القومية الذي يوفر له الدعم العددي والسياسي اللازم عند الضرورة، وكون قيادات الحزب الحاكم تتخوف من ارتدادات تحرك الثنائي غل باباجان وترى أن الرد الأفضل هو المسارعة مجددا إلى الصناديق قبل أن تقوى وتتغلغل هذه القوى الجديدة في صفوف حزب أردوغان وقواعده ويصعب عندها لملمة ما تبعثر.

الموجع حقا هو أن مراكز أبحاث ودراسات مقربة من حزب العدالة والتنمية كانت تتحدث في العام 2001 عن أسباب كثيرة فتحت الطريق أمام الحزب لتسلم السلطة بينها اكتشافه لأولويات المواطن التركي ووضعه إصبعه على الجرح حيث كان يطالب ما لا يقل عن 90 بالمائة من المواطنين بفسحة حقيقية أمام حرية التعبير وحرية المعتقد أو الديمقراطية إلى جانب التنمية الاقتصادية. اليوم وبعد مرور 17 عاما على

هل ما زالت تركيا تبحث عن حزب سياسي جديد يحل مشاكلها وأزماتها في الداخل والخارج أم أن المطلوب هو إعادة تنظيم العمل الحزبي والعلاقة بين القيادات السياسية والقواعد الشعبية

تفرد الحزب بالسلطة يحدثنا داود أوغلو عن أولويات حزبه الذي أعلنه في الدفاع عن الشعارات نفسها بهدف بناء تركيا الجديدة.

أوغلو يعد المواطن بالدفاع عن مبادىء العدالة والشفافية والمساواة والتعددية وفوقية القانون واعتماد مقاييس الكفاءة والعودة إلى النظام البرلماني ورفع حاجز العشرة بالمائة من النظام الانتخابي. لكن السؤال الأهم الذي حمله معه الخوجا بعد سنوات من حكم حزب العدالة هو هل ما زالت تركيا تبحث عن حزب سياسي جديد يحل مشاكلها وأزماتها في الداخل والخارج أم أن المطلوب هو إعادة تنظيم العمل الحزبي والعلاقة بين القيادات السياسية والقواعد الشعبية التي تتابع عن قرب وللمرة الأولى في التاريخ السياسي التركي شخصية تسلمت منصب رئاسة الوزراء يتم إبعادها وعزلها وتصفيتها من قبل رفاق الأمس؟

فهل ينجح أوغلو في كسب اللون الرمادي داخل قيادات وكوادر حزب العدالة والحصول على دعم الليبراليين وبعض اليساريين العلمانيين والأكراد الذين خيب "حزب الشعوب الديمقراطية" آمالهم؟

الجميع ينتظر الآن ما سيقوله ويفعله حزب باباجان وفرصه في العثور على تسجيل اختراق حزبي وسياسي حقيقي وإلا فإن ما تقوله بعض قيادات العدالة والتنمية حول أن كلا الحزبين ولدا ميتين وكل ما سيحصلان عليه في التاريخ السياسي التركي الحديث هو التحاقهم بمجموعة أحزاب الواحد بالمئة التي لا تقدم ولا تؤخر في التوازنات السياسية والحزبية في البلاد.