ماكرون يهزم فرنسا في ليبيا وشرق المتوسط

2020.06.28 | 00:00 دمشق

5201922192931624.jpg
+A
حجم الخط
-A

تأخذ فرنسا مكانها بين أبرز الخاسرين في الملف الليبي. هي تبحث عن وسيلة للخروج من البئر بأقل الخسائر والأضرار:

تريد من مصر أن تبذل جهدا مضاعفا لمساعدتها بعد فشل الاصطفاف الثلاثي والخماسي والسباعي الذي قادته من القاهرة لمواجهة تركيا في شمال أفريقيا وشرق المتوسط. فجاءت كلمة الرئيس السيسي ورسائله التهديدية لحكومة الوفاق وحلفائها الإقليميين.

وتريد من حلفائها الأوروبيين مثل برلين وروما ولندن أن يقفوا إلى جانبها في هذه المحنة التي تمر بها لكنها تعرف أن الثمن هو النزول من أعلى الشجرة التي تسلقتها لصالح ما تقوله وتريده هذه العواصم. وتقرع باب واشنطن لمطالبتها بوقف تركيا عند حدها كشريك أطلسي فيذكرها الرئيس ترامب بأنها هي التي بدأت لعبة الاصطفافات الإقليمية وتوسيع رقعة النفوذ في شرق المتوسط لمواجهة أميركا وروسيا هناك.

وتحاول إقناع الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارته إلى باريس بتبني الموقف الفرنسي فجاء الرد أن تونس تعتبر "السلطة القائمة في ليبيا تقوم على الشرعية الدوليّة".

وتناور مع الرئيس بوتين على لعب الورقة المصرية ضد تركيا وأميركا وحكومة الوفاق رغم الموقف الأميركي الواضح في رفض الوجود الروسي العسكري في ليبيا.

آخر ما بيد فرنسا من أوراق كان تهديد تركيا بإنهاء علاقتها مع الاتحاد الأوروبي وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان بدعوته المجموعة الأوروبية لمناقشة علاقاتها "بلا محرمات وبلا سذاجة" مع تركيا لأنها تمتلك القوة للقيام بذلك، فجاء الرد التركي من قبل وزير الخارجية مولود شاووش أوغلو أنه على باريس أيضا أن تتحمل جزءا من المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية في ملف الجرائم التي ارتكبها حفتر ضد المدنيين الليبيين في غرب البلاد قبل الانسحاب منها.

باريس تعول الآن على تغريدات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، التي يعلن من خلالها التضامن مع فرنسا في مواجهة "الأعمال العدائية التي تقوم بها تركيا" ضد البحرية الفرنسية في أعالي البحار. الناطق باسم الخارجية التركية السفير حامي أقصوي يقول حتى ولو نسي الشعب الليبي موقف أبو ظبي في ليبيا عبر دعمها للموقف الفرنسي فإنه لن ينسى أبدا الأضرار التي سببتها فرنسا في ليبيا بما يتماشى مع مصالحها الأنانية وأهداف المتعاونين معها.

 فرنسا كانت تراهن على حلفاء محليين وإقليميين يعطونها ما تريده دون تردد للعودة الاستعمارية في الشرق الأوسط. أخذت قبرص اليونانية تحت جناحيها في الاتحاد الأوروبي على حساب حل المسألة القبرصية في محاولة لتوسيع نفوذها الاستراتيجي في شرق المتوسط. وهي لا تعترف باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس رغم شرعية التعاقد وتسجيله في الأمم المتحدة، لكنها تدعم الاتفاقية المصرية اليونانية المائية التي تفرط بحوالي 15 ألف كم من المساحة الإضافية لمصر في شرق المتوسط. وتصر على عدم التعقيب على مضمون كلمة الرئيس المصري ورسائله من النواحي السياسية والقانونية لحكومة دولة جارة. وتردد أنه لا علم لها بالتحقيقات الدولية حول المجازر التي ارتكبها شريكها المشير حفتر في غرب ليبيا.

يقول ماكرون لن نتهاون مع الدور الذي تلعبه تركيا في ليبيا وواشنطن تقول إن باريس هي المسؤولة عن إيصال المشهد إلى هذه الدرجة من التعقيد في ليبيا وأن البيت الأبيض يميل إلى دعم تركيا في توجّهها، شرط إزاحة روسيا من تلك المنطقة وانتزاع قاعدة الجفرة من أيدي مرتزقة "فاغنر".

عنونت مجلة " لوبوان " الفرنسية قبل أسبوعين "أردوغان يطيح بماكرون في ليبيا"، مبرزة كيف أجبرت الأسلحة التركية ومنها الطائرات المسيرة خليفة حفتر على التراجع نحو الشرق بعد محاصرة طرابلس لشهور طويلة بدعم فرنسي. وأبرزت مجلة "إكسبرس" الوضع الشائك لفرنسا بعدما وضعت تركيا على الطاولة أمام باريس شروطا صعبة تتجلى بانسحاب حفتر من سرت والجفرة. واعتبرت مجلة "سلايت" الفرنسية أن الدروس السياسية التي كان يمكن لفرنسا أن تستنتجها من دعمها الجوي لتصفية القذافي عام 2011، تبخرت إلى حد كبير بسبب دعم باريس لحفتر وصمتها وغضها الطرف عن التدخل الإماراتي والمصري أو حتى الروسي وانتهاك قرارات حظر الأسلحة.

ماكرون يحمل الشعب الفرنسي اليوم نتائج فشل سياسته الليبية التي أبعدت باريس عن الاعتدال والتوازن وحسابات خط الرجعة ويتمسك بحفتر في محاولة لتلميع صورته وبناء جيشه مرة أخرى لمهاجمة غرب ليبيا عندما تقرر القاهرة التحرك بالتنسيق مع باريس للإطاحة بالحكومة الشرعية. قوى المعارضة الفرنسية الحزبية والسياسية والإعلامية الرافضة لهذه السياسة الانتحارية التي لا تتفق مع الخطوط العامة للسياسة الفرنسية الخارجية أمام امتحان حقيقي.

أنقرة تحمل باريس مباشرة مسؤولية الإشراف على خطة ثماني دول عربية وأوروبية وأفريقية لتجهيز 20 مرتزقاً بهدف مهاجمة السفن والأهداف التركية الناشطة قبالة السواحل الليبية. ربما لهذا السبب يعتبر الوزير شاووش أوغلو أن فرنسا ماكرون "تدعم مساعي الإرهابيين في تقسيم ليبيا، في محاولة فرنسية للعودة ببلاده إلى عهدها الاستعماري السابق".

أنقرة تقول للشعب الفرنسي أن ماكرون، يصف الدعم التركي لحكومة الوفاق الشرعية المعترف بها دوليا باللعبة الخطيرة، لكنه يشارك القاهرة والإمارات واليونان في الصمت على محاولات حفتر الدخول العسكري إلى العاصمة الليبية وارتكابه المجازر قبل الانسحاب من هناك، وتجاهل كلمة السيسي حليفها في ليبيا وكل ما تتضمنه من تهديدات وخروج عن أسس وقواعد القانون الدولي ومبادىء العلاقات بين الدول.

فرنسا ليست شريكا بحريا في شرق المتوسط لكنها تقود اصطفافا ضد تركيا ومصالحها هي وشريكتها قبرص التركية هناك. هي أرادت الاستقواء بعلاقتها مع لاعبين إقليميين على حساب التزاماتها الأوروبية والأطلسية ودخلت في اصطفافات ثنائية ومتعددة الجوانب لتقاسم النفوذ والهيمنة على المتوسط وثرواته ومحاصرة تركيا إقليميا وحرمانها من حقوقها المائية المشروعة. شركاء باريس اكتشفوا مؤخرا تقديمها لمصالحها على مصالح أوروبا أو الأطلسي وأنها كانت تراهن على انتصار سهل في ليبيا من خلال حفتر. السياسي الإيطالي ونائب رئيس البرلمان الأوروبي فابيو كاستالدو يقول إن بلاده تريد أن تلعب دورا إلى جانب أوروبا لمنع التصعيد في ليبيا والانزلاق إلى صراع لا نهاية له لكن قبل ذلك يجب وضع حد لنفاق بعض شركاء الاتحاد الأوروبي وفرنسا في المقام الأول.

إعادة منح باريس فرصة تغيير نهجها وأسلوبها وأفكارها ستكون مرتبطة بقرار الداخل الفرنسي في مساءلة حكومة ماكرون على ما فعلته.