ماذا يمكن أن نقول للنساء في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة؟

2023.11.26 | 13:50 دمشق

آخر تحديث: 26.11.2023 | 13:50 دمشق

xc
+A
حجم الخط
-A

تعتبر مناهضة العنف من القضايا التي تتطلب مسارات مناصراتية طويلة الأمد، التفاصيل المحقة، والكثير من خصوصية الحالات التي يمر بها ضحايا هذا العنف أو ذاك أفراداً ربما أو جماعات أو حتى شعوباً بكاملها، إذ من المهم الحديث أنَّ مناهضة العنف لا تخرج عن كونها نابعة من الفطرة الإنسانية السليمة والقدرة التعبيرية السياسية من ناحية أخرى من أجل وضع إطار التوصيفات بشكل واضح، فهناك عنف يعود جذوره إلى أسباب سياسية دينية أو ربما اقتصادية ثقافية أو حتى جندرية، وغيرها الكثير بحسب حساسية التعاطي مع كل قضية والسياق الجغرافي المحيط. 

وفي اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 نوفمير / تشرين الثاني أخذت الحملة هذا العام بحسب هيئة الأمم المتحدة “لا عذر“ وتستمر إلى 10 ديسمبر / كانون الأول، إذ تأخذ أيام هذه الحملة الـ 16 من كل عام حيث تتركز الجهود المبذولة من أجل التضامن ومناصرة حقوق النساء حول العالم والتعبير عن أشكال العنف والتمييز وتحقيق عالم خال من العنف بين الجنسين ذكوراً وإناثاً، وتشير التقديرات بحسب موقع الأمم المتحدة إلى أنه يوجد 736 مليون امرأة على مستوى العالم تتعرض للعنف، أي واحدة من كل ثلاث نساء تقريباً وقعن ضحايا العنف الجسدي / الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتها، وضمن أماكن مختلفة ضمن أماكن العمل والمساحات عبر الإنترنت ومن خلال آثار الحروب والكوارث ويضاف لها عواقب ما بعد الجائحة وتغير المناخ.

تعتبر حقوق المرأة ملحقة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف في 10 من كانون الأول / ديسمبر، وتزامُنُ اليوم الأخير من الحملة مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان ليس وليدَ مصادفة، بل من المهم إدراك أن هذه الحقيقة لا تنفصل بين حقوق الإنسان وحقوق المرأة وليست شعارات تلقائية.

وبالعودة إلى سياقنا الحالي الأعنف هذا العام، تسببت الكارثة الزلزالية في السادس من شباط التي ضربت الشمال السوري وجنوبي تركيا بتدهور غير مسبوق في سوية الحياة الطبيعية بشكل عام، حيث أسفرت الكارثة عن عشرات آلاف الضحايا من الإناث النساء والأطفال، ومثلهم ممن عاشوا في العراء لأسابيع ممتدة، أو بقين تحت الأنقاض لأيام، أو تعرضن لبتر الأطراف وهن حوامل، وأنجبت كثيرٌ من النساء السوريات والتركيات أطفالهن وهنّ في فترة الحداد على من فقدن من أحبابهن، كما تعرضت النساء لخذلان كبير بعد أن فقدن أعمالهنّ بسبب انهيار المدن والقرى والبنى التحتية بشكل كبير والاضطرار إلى النزوح إلى مدن أخرى، وشاهدن في نزوحهن العنف الناتج عن العنصرية من بعض الأتراك، إذ لم تشفع الكارثة في تخفيف التوترات لكن هذا ما شهدناه خلال الأشهر الماضية.

ويضاف إلى ما سبق التدهور النفسي وظهور شكل آخر من أشكال الصدمات النفسية، فالسوريات عموماً سواء كنَّ في سوريا أو في تركيا يعانين بشكل متفاوت من صدمات الحرب الناتجة عن النزاع والنزوح المتكرر والتهجير القسري الذي ينتج عنه أشكالٌ أخرى من العنف تنتهي عند تهشيم التوازن النفسي لديهنّ.

ولم تقف الكارثة الزلزالية عند سوريا وتركيا فقط بل امتدت إلى المغرب وتحديداً في مدينة مراكش جنوبي البلاد لتظهر الفاجعة الأعنف التي امتدت في غرق مدينة أدرنة الليبية، وسماع أصوات النساء من الفيديوهات القادمة من السوشال ميديا على مدار أيام عصيبة، ما مزق كل السلام الذي قد تحاول المرأة الطبيعية والرجل الطبيعي في ترميمه داخل كينونته النفسية بعد ما شاهدناه من مشاهد دمار عنيفة حين دمر الإعصار كل مفاصل المدينة المنكوبة ذلك اليوم.

يضاف إلى ذلك بعد وقت قليل كارثة سياسية تحولت إلى فاجعة إنسانية غير مسبوقة أيضاً، إذ أسفر هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة عن مقتل أكثر من 4000 امرأة تركن خلفهن عائلات مشردة، وهاجم الاحتلال القطاع الذي تقطنه قرابة 50 ألف امرأة حامل بحاجة للعناية الفائقة، وسجلت 180 ولادة داخل القطاع في ظروف غير إنسانية وتفتقر إلى أدنى مقومات الوقاية الصحية في أثناء الولادة ما يعرض النساء لخطر أمراض ما بعد الولادة والإصابة بالعدوى والفيروسات بشكل محتم، إضافة إلى ما يقارب 300 امرأة في عدد متضارب المصادر عن عدد النساء والفتيات الغزاويات المختطفات لدى الإسرائيليين، إذ يعتبر الاختطاف من الوجوه القاسية في العنف الموجه ضد النساء تحديداً من أجل إخضاع الغزاويين للشروط الإسرائيلية.

لا أرقام ثابتة بعد، فالعنف والدمار مستمران في حياة الغزاويات والغزاويين، وتساوى الرجال والنساء في قلب الشقاء، لكن توجد خصوصية للنساء خاصة فيما يتعلق بحالات الحمل والولادة والعنف الجنسي المرتبط بسياق النزاعات المسجلة والخطف غير المبرر في ظروف لا تمتّ للرحمة بأية صلة والخوف من الاستغلال والتحرش والاغتصاب الجنسي أيضاً والذي ينتج عنه في الغالب حملٌ سِفاحٌ أو أمراضٌ منقولة جنسياً، وتصبح المخاطر مرعبة الآثار على المدى المتوسط والبعيد، يضاف إلى ذلك الاختلال الديمغرافي الناتج عن الإبادة الجماعية.

وأحدثت التغطيات الصحفية على مدار الساعة عنفاً معنوياً وتروما عنيفة لكل من شاهد حربَ غزة، فنحن كسوريين وسوريات نعلم ما تقسو به الأيام والساعات في الحرب والكارثة الزلزالية التي أخذت معها كثيراً من العافية النفسية لكثيرٍ منا بلا استثناء، لما يعانيه شعبنا إلى يومنا هذا فما زال هناك من تدفن أقاربها وأسرتها بفعل قصف النظام في الشمال السوري، كما أنه لا يخفى على أحد أن مئات آلاف العائلات السورية ما زالت تعيش في الخيام، وهنالك عائلات لم تغادر المستشفيات ولم تنهِ علاجها من إصابات الزلزال بعد، في الوقت الذي يقتل فيه الناس على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي ونرى مجدداً الخيام ونرى النزوح من شمالي القطاع إلى جنوبيّه، جلُّه من النساء اللواتي يحملن أطفالهن وأوجاعهن أمام مرأى ومسمع العالم بأسره.

أضحتْ قضية مناهضة العنف ضد النساء اليوم ذاتَ أبعاد سياسية وبنيوية غير مسبوقة، ولها تفاصيل وجودية لا يمكن السكوت أو التغاضي عنها، فلا قوانين ولا سياسات إجرائية ولا أخلاق في النزاع رادعة وهنا تكمن أهمية عمل السياسيات والسياسيين من ذوي الأيادي النظيفة غير الملطخة بدماء الشعوب من أجل الضغط والعمل الدبلوماسي المنظم ذي الأجندة الواسعة في سبيل الضغط على السياسيين المجرمين بكل ما يحويه الإجرام من فظاعة، ويضاف لها الجهود المناصراتية لأصحاب الشأن العام من كتاب وكاتبات ومن صحفيين وصحفيات ومختلف قطاعات المجتمع المدني الإنسانية وفئات نخبوية أخرى لخلق لوبيات عمل ضاغطة ومؤثرة على الرأي العام العالمي في الإعلام والبرلمانات والمحافل الدولية من أجل إنهاء الحروب وتحويل تكاليفها وميزانياتها لإعادة إعمار البنية التحتية بشكل كامل والتكفل المادي للعلاج الصحي والنفسي للمصابات المتضررات والمصابين أيضاً وإنقاذ الآدمية في الجغرافيا المدمرة.

ومن الأهمية بمكان أيضاً أن تعرف النساء الفاعلات كيف يترابطن معاً بكل ما يملكن وما يعرفن وما يستطعن إنجازه من أجل تخفيف آثار هذه الكوارث، فعلى النساء الشجاعات في كل دول العالم إيصال معاناتهنّ وإيجاد مساحات متميزة من السلوك الداعم الذي يجمع آلام النساء ويحفظ سردياتهن من الضياع والتلاشي، ومن أجل خلق عالم أقل عنفاً للنساء والفتيات ربما العام المقبل،  وربما في يوم ليس ببعيد.