icon
التغطية الحية

ماذا ستفعل أوروبا عقب الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية بسوريا؟

2024.04.04 | 17:53 دمشق

القنصلية الإيرانية بدمشق
القنصلية الإيرانية بدمشق عقب الهجوم الإسرائيلي - AFP
Responsible Statecraft - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أصبحت أوروبا تخشى أن تجتاح آثار الحرب على غزة كامل الشرق الأوسط، وتلك المخاوف اقتربت أكثر من التحول إلى واقع خلال هذا الأسبوع، إثر الغارة الجوية الإسرائيلية التي ضربت القنصلية الإيرانية بدمشق، وأسفرت عن مقتل ستة إيرانيين بينهم قائد رفيع المستوى لدى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو محمد رضا زاهدي الذي قتل مع نائبه في تلك الغارة.

في الوقت الذي تنفذ فيه إسرائيل بشكل دوري غارات جوية تستهدف مواقع إيرانية وتنفذ عمليات اغتيال بحق قياديين إيرانيين في سوريا، يمثل الهجوم على القنصلية التي تعتبر قانونياً ضمن الأراضي الخاضعة للسيادة الإيرانية، حركة تصعيدية مهمة، إذ حتى الآن، كبحت القيادة الإيرانية نفسها بصورة نسبية عن الرد على التحركات الإسرائيلية بما أنها ترغب بتجنب الانجرار إلى حرب شاملة. ولكن بعد الهجوم على القنصلية بدمشق، زاد الضغط على طهران من الداخل ومن حلفائها الإقليميين في الخارج وذلك حتى تصد تلك الهجمات بقوة خشية أن تظهر بمظهر من يعتريه ضعف شديد مما يستدعي مزيداً من العدوان.

التوعد بالرد المباشر

ولذلك، توعد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالانتقام من إسرائيل، وبناء على طلب من إيران، عقد اجتماع استثنائي لمجلس الأمن الدولي في الثاني من نيسان الجاري، حيث سعى مندوب إيران لكسب شجب واستنكار أعضاء مجلس الأمن للهجوم الإسرائيلي، وتعهد باحتفاظ إيران بحقها الأصيل والمشروع في الرد بشكل حاسم بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

يرى حسين الشريعتمداري وهو رئيس تحرير صحيفة كيهان الإخبارية المتشددة التابعة للحكومة والذي عينه المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، بنفسه في منصبه، أن إيران أصبح لها حق قانوني بالرد على إسرائيل عبر الهجوم على سفاراتها في مختلف بقاع العالم، في حين مضى عضو البرلمان جمال رشيدي كوشي أبعد من ذلك عندما طالب أمام الناس بالهجوم على "المراكز الدبلوماسية الصهيونية" في المنطقة، وعلى رأسها تلك الموجودة في دولة أذربيجان المجاورة، بما أنها حليف مقرب من إسرائيل، وتجدر الإشارة إلى أنه رداً على الهجمات الإسرائيلية السابقة، ضربت إيران أهدافاً في كردستان العراق، الذي يتمتع بعلاقات قوية مع إسرائيل.

بيد أن أحداً لم يحدد حتى الآن طبيعة الرد الإيراني وحجمه وتوقيته، لكن أولى المؤشرات تظهر بأن الهجوم على القنصلية بدمشق سيحرض على رد فعل أقوى بكثير كما هو متوقع، إذ عقب مداولات لمجلس الأمن القومي، ألقى آية الله علي خامنئي خطاباً قاسياً توعد فيه برد شديد، وقد فسر كثير من المحللين ذلك على أنه توعد برد مباشر، وليس من خلال الحلفاء أو الأتباع، كما تفعل طهران عادة، وهذا بدوره ينذر بمزيد من التصعيد.

سعي أوروبي لخفض التصعيد

وهذه التوقعات جعلت أوروبا تعاني من حالة عدم استقرار في موقفها، وذلك لأن الحرب الشاملة لا بد أن تزعزع الاستقرار في المنطقة، وتدفع بموجة هجرة جماعية جديدة باتجاه أوروبا، فضلاً عن احتمال شن هجمات ضد مواقع أوروبية في الشرق الأوسط (مثل العملية البحرية الأوروبية في البحر الأحمر التي أتت لتقف ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن)، وهذا بدوره سيخلق فرصة سانحة أمام التنظيمات المصنفة "إرهابية" مثل تنظيم الدولة والقاعدة ليعودا من جديد، إذ بعد الهجوم الذي شنه "داعش" على موسكو في 22 من آذار الماضي، حذرت أجهزة الاستخبارات في فرنسا ودول أوروبية أخرى من اشتداد الخطر الإرهابي على أوروبا.

وللتخفيف من حدة تلك الأخطار، يتعين على الاتحاد الأوروبي الاستعانة بعلاقاته الدبلوماسية مع كل الجهات الفاعلة في المنطقة لمنع توسع رقعة الحرب، ويشمل ذلك إيران التي يتمتع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بعلاقات مباشرة معها، على عكس الولايات المتحدة.

ويستعين جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بجهات اتصال تربطه بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وذلك للضغط على إيران حتى تقنع حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم حزب الله في لبنان، والميليشيات في العراق وسوريا، والحوثيين في اليمن، للمضي قدماً نحو خفض التصعيد.

يرى الاتحاد الأوروبي أن الدعم السياسي والمالي والعسكري الذي تقدمه إيران لتلك الميليشيات يقوض أمن المنطقة، بيد أن طهران نفسها لا تسيطر على تلك الجماعات بشكل مطلق. غير أن هذه الجهود الأوروبية يمكن أن تثمر إن أصبحت جزءاً من استراتيجية أوسع أهدافها هو تحقيق وقف إطلاق نار دائم في غزة، إلى جانب إعادة تفعيل عملية سلام شاملة تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة تتعايش مع إسرائيل على المستوى الأمني. بيد أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع منع الدعم الإيراني لحلفاء طهران الإقليميين إن بقي الجميع ينظر إلى ذلك الاتحاد بأنه عاجز أو غير راغب بكبح جماح إسرائيل.

ضرورة الضغط الأوروبي على إسرائيل

دان بوريل الهجوم على القنصلية الإيرانية وشدد على احترام حرمة المقار الدبلوماسية والعاملين فيها في جميع الأوقات، بيد أن معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تُدن الهجوم على القنصلية الإيرانية بدمشق، إذ بخلاف دول المنطقة وعلى رأسها قطر وعُمان والسعودية والإمارات ومصر ولبنان وتركيا، وكذلك الصين وروسيا وإندونيسيا وباكستان وماليزيا وغيرها، دانت سلوفينيا وهي دولة غير دائمة العضوية في مجلس الأمن هذا الهجوم في الثاني من نيسان خلال اجتماع لمجلس الأمن، في حين أنحت كل من فرنسا والمملكة المتحدة باللائمة على إيران وذلك لزعزعتها للاستقرار في المنطقة.

ونظراً للوضع المزري الذي وصلت إليه العلاقات الأوروبية-الإيرانية، لذا لن يستسيغ الاتحاد الأوروبي أن يتصرف بطريقة مختلفة على المستوى السياسي، ويتمتع الاتحاد بنفوذ يتيح له دفع إسرائيل للانتقال نحو المسار السياسي في غزة، مع تحذيرها من التصعيد في المنطقة.

غير أن الاتحاد الأوروبي عجز حتى اللحظة عن ممارسة هذا النفوذ، على الرغم من أنه أهم شريك تجاري لإسرائيل، إذ بلغ حجم التجارة مع أوروبا 28.8% من التجارة الإسرائيلية في عام 2022، كما أن المبادرة المشتركة التي تقدمت بها إسبانيا وأيرلندا لمراجعة إحدى الصفقات التي تعمل على تسهيل هذه التجارة أصبحت عرضة لتعليق جزئي بسبب عدوان إسرائيل على غزة، لكن حلفاء إسرائيل من دول الاتحاد الأوروبي رفضوا ذلك وعلى رأسهم ألمانيا، والتشيك، وإيطاليا، والنمسا.

وإن ما شجع منتقدي إسرائيل على ذلك هو أن المراجعة تمت على يد هيئة العمل الخارجي الأوروبية التي يترأسها بوريل لا على يد المفوضية الأوروبية التي تترأسها أورسولا فون دير لاين التي اتخذت مواقف قوية مؤيدة لإسرائيل، ومع ذلك ماتزال فكرة تعليق الصفقة أمراً غير وارد، إذ حتى الآن لا يوجد أي دليل على تلقي حكومة نتنياهو في إسرائيل لأي شيء سوى الضغوط الدبلوماسية الشديدة من قبل الاتحاد الأوروبي.

إن زيادة التصعيد قد تدفع إيران للحصول على سلاح ردع نووي ليكون ذلك بمثابة سياسة تأمين نهائية، لا سيما إن بقيت الشبكة الحالية التابعة لطهران والتي تضم حلفاءها في المنطقة تتعرض للتدمير إثر الهجمات الإسرائيلية، وينطبق الأمر نفسه على موقف إيران الدفاعي، لأن هذا التحول يصبح منطقياً تماماً عندما يلوح شبح تغيير القيادة، بما أن آية الله علي خامنئي الذي أفتى بحرمة إقامة ترسانة نووية، قد بلغ من العمر 85 عاماً، في حين أن الجيل القادم من قادة إيران قد لا تنتابه هذه الهواجس.

إن تحول إيران إلى دولة نووية سيعقد التداعيات المترتبة على حرب غزة والتي تتسبب بزعزعة الاستقرار في المنطقة، إلى جانب إصابة الجهود التي تصدرتها أوروبا خلال عقود طويلة للسيطرة على برنامج إيران النووي بالعقم في نهاية المطاف، ولكن ضمن المسار الحالي، لا يرجح أن يحشد الاتحاد الأوروبي إرادته السياسية ويستخدم نفوذه ليعالج مركز الحرب المتوسعة في الشرق الأوسط، أي النزاع في غزة.

المصدر: Responsible Statecraft