مئة عام من التاريخ.. من صراع الإمبراطوريات إلى حلف الأقليات

2020.03.25 | 23:01 دمشق

2020-03-12t195820z_1162977700_rc2jif90gbfg_rtrmadp_3_syria-security-anniversary.jpg
+A
حجم الخط
-A

يحوّل الشرق الأوسط الحلفاء إلى خصوم، والخصوم إلى حلفاء. تلك القاعدة مثبتة بفعل التجربة والشواهد التاريخية المعبأة بأحداث هائلة وشائكة صعُب فيها بالكثير من المراحل فكفكة عقدها أو حلّ ألغازها.

التاريخ خير مدرسة ولا بد للتجربة وقراءة الوقائع بكل موضوعية أن تضيء على جوانب هامة من هذه التعقيدات، لتوضيح الصورة نسبياً.

تلك الصورة تتضح أولاً بمرور الزمن، وثانياً بمقارنة الأحداث وربطها. تخاصم الحلفاء قاعدة ثابتة منذ التحالف الفرنسي البريطاني وتقسيم النفوذ في بلاد الشام والعراق. انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وتسيدهم للعالم أرسى خلافات كثيرة فيما بينهم.

يحوّل الشرق الأوسط الحلفاء إلى خصوم والخصوم إلى حلفاء تلك القاعدة مثبتة بفعل التجربة والشواهد التاريخية

لم تدخل الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الأولى، إلا بعد انتصار الثورة البلشفية وقيام الاتحاد السوفييتي. كان الفرنسيون والبريطانيون يعملون على إنفاذ اتفاقية سايكس بيكو. أرادت بريطانيا الحفاظ على عظمتها الإمبراطورية من الهند إلى الشرق الأوسط عبر قناة السويس، والسيطرة على العراق وفلسطين ودول الخليج. بينما سعت فرنسا إلى السيطرة على لبنان وسوريا تحت شعار حماية الوجود المسيحي. دعمت بريطانيا العصابات اليهودية بالدخول إلى فلسطين لتستخدم الوجود اليهودي في الحفاظ على نفوذها ودورها وبقائها، احتفظت بعلاقات جيدة مع العرب في إطار وعدهم للشريف حسين بمنحه إمبراطورية عربية تمتد على شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام مع العراق. وقدمت وعداً مناقضاً للوعدين السابقين لفرنسا بالتوافق على انتدابها على سوريا ولبنان.

كان الأميركيون الذين دخلوا الحرب إلى جانب الحلفاء، لديهم مشروع مختلف، وهو ضرب النفوذ البريطاني في المنطقة للحلول مكانه. الصراع على النفط بدأ يتعاظم. التقى الأميركيون مع الفرنسيين على تحجيم النفوذ البريطاني في المنطقة، دعمت فرنسا المتطرفين اليهود بالتدفق أكثر إلى فلسطين، وتنفيذ عمليات ضد المصالح البريطانية، بتنسيق مع الأميركيين، وتقدّمت واشنطن أكثر باتجاه دول الخليج. فتعاظم الصراع القومي على الصعيد العالمي، لمواجهة الاتحاد السوفييتي "الأممي". نشأت النازية والفاشية، كحركات قومية، ضد اليهود وضد السوفييت، فيما بقيت الولايات المتحدة الأميركية في خلفية الصراع، حتى الحرب العالمية الثانية.

 

أنهت تلك الحرب القوميات النازية والفاشية، كان الخلاف بين الحلفاء يكبر أكثر فأكثر، فرنسا تدعم المتطرفين اليهود لضرب بريطانيا في فلسطين، بدعم من الأميركيين، والولايات المتحدة تتجه إلى تعزيز علاقاتها أكثر مع دول الخليج لمنافسة النفوذ البريطاني. خرجت بريطانيا ما بعد الحرب الثانية من فلسطين وأعلن قيام دولة إسرائيل، ودخل العالم في حقبة الحرب الباردة، فيما استمرت واشنطن بتحجيم نفوذ المملكة المتحدة، بدعم انقلاب الضباط الأحرار في مصر على الملك فاروق كأحد أكبر حلفاء بريطانيا، وتوسع التنافس في الخليج عبر شركات النفط، كل السردية التاريخية التي قدّمت وتشير إلى عمق التحالف البريطاني الأميركي الفرنسي في الشرق الأوسط، تبددت على مذبح الوقائع والأحداث التاريخية.

على الرغم من تعارض المصالح، والخلافات، كان هناك تقاطعات مصلحية تملي التنسيق بين الطرفين، كحال الاتفاق على تنفيذ عملية آجاكس الشهيرة للإنقلاب على مصدق في إيران، إثر قراره بتأميم شركة النفط الإيرانية، التقت مصلحة الأميركيين والبريطانيين في إنهاء حكم مصدق في العام 1953، الأميركيون أرادوا الإطاحة به لسبيين، أولاً وقف المدّ الشيوعي في إيران، وثانياً لضرب سياسته في إغراق السوق العالمي بالنفط الإيراني والذي كان سيؤدي إلى انهيار السعر العالمي. أما بريطانيا فأرادت التخلص منه لأنه اتخذ قراراً بتأميم شركة النفط الأنغلوإيرانية، ما اعتبره الإنكليز انقلاباً عليهم ويهدف إلى إخراجهم من إيران.

عمل البريطانيون على دعم الإسلام السياسي، وخصوصاً الأخوان المسلمين، وذلك بهدف مواجهة النفوذ الشيوعي، والمشروع الفرنسي التاريخي في ادعاء حماية المسيحيين بالشرق الأوسط، ولمواجهة الانقلابات العسكرية التي حصلت في الدول العربية وكان الإنكليز يعتبرونها مدعومة من الأميركيين. في اللجوء إلى تدعيم الانقلاب على مصدق وتهيئة الأجواء لذلك، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية أسلوباً بريطانياً من خلال دعم رجال الدين في إيران لمواجهة النزعة الشيوعية لمصدق المتحالف مع حزب تودة. ركزت واشنطن دعمها لعالم ديني هو آية الله كاشاني، وأمدته بالمال وكان آية الله الخميني إلى جانب كاشاني في تلك الفترة.

استمر الاستثمار الأميركي بـ عبد الناصر لمواجهة الشيوعيين، وبرجال الدين لمواجهة السوفييت وتمددهم في إيران. بالتزامن مع السياسة الأميركية المستمرة توسعاً في الخليج والدول العربية الأخرى، وصولاً إلى خروج بريطانيا من المنطقة، لصالح النفوذ الأميركي الكامل. تسيدت أميركا الحرب الباردة في مواجهة السوفييت. ما رفض عبد الناصر السير به في مشروع روجرز نجحت في تحقيقه مع أنور السادات من خلال اتفاقية كامب ديفيد. وحققت تقدّماً من خلال دعمها مع فرنسا لحركة الخميني وصولاً لإنجاح الثورة الإسلامية في إيران. في السبعينيات، خرجت بريطانيا من المنطقة، تقدمت أميركا، وأسست لحقبة الثمانينيات التي كانت الفصل الأساسي في مسار تاريخ الحرب الباردة والوصول إلى انتصار القطب الليبرالي على القطب الشيوعي.

في مرحلة ما بعد الحرب، كانت واشنطن تحتاج إلى عدو، لاستمرار تمددها وسيطرتها على النظام العالمي الجديد، فكانت المواجهة مع الإرهاب، بينما روسيا بدأت بالانضواء تحت مظلة النظام الجديد، وصولاً إلى حقبة فلاديمير بوتين، الذي أرسى نوعاً من التناغم الروسي الأميركي، يتجلى منذ سنوات، وتحديداً عندما سلّم باراك أوباما لروسيا الملف السوري، تعززت العلاقة أكثر بين الروس والأميركيين في حقبة دونالد ترامب، وهي ترتكز على مواجهة التوسع الصيني، تماماً كما كان التلاقي الفرنسي الأميركي سابقاً لمواجهة النفوذ البريطاني.

التغير الجوهري في موقف هذه القوى المختلفة، يرتبط بالالتقاء على نقطة واحدة كان الفرنسيون عرّابيها الأوائل وهي حماية الأقليات، أو ما أصبح يعرف اليوم بتحالف الأقليات، للاستمرار في مواجهة "الإرهاب الإسلامي". السياسة التي يفرضها هذا التحالف تحتّم إضعاف الدول العربية التي أصبحت بلا مشروع، بينما سوريا والعراق تغرقان في الدماء، وقضية فلسطين أنهيت بما يطلق عليه صفقة القرن.

موقع سوريا الاستراتيجي يجعلها ساحة تجاذب وتصارع بين القوى الدولية والإقليمية، وفيها أيضاً تحول الحلفاء إلى خصوم والخصوم إلى حلفاء، التحالف الروسي الإيراني سقط، وقابل للانتهاء مستقبلاً في إطار الصراع على النفوذ، كما سقط التحالف التركي الأميركي. فيما يتكرس الالتقاء الروسي الأميركي، فالعملاقان عندما يلتقيان، تنتفي الحاجة إلى هوامش أخرى كانت تستخدم من قبلهما في حقبة صراعهما المفتوح. بالالتقاء بين الطرفين، كثر سيدفعون الثمن، العرب قد دفعوا الثمن مسبقاً وهو غال إلى درجة الغياب عن المشهد والساحة، الأتراك دفعوا جزءاً من الثمن، وسيستمرون، فيما إيران ستدفع الثمن مستقبلاً بما يتعلق بمشروعها التوسعي، لأن ظروف تحقيقه والحاجة إليه أصبحت قابلة للانتفاء، إلا إذا ارتضت الذهاب أكثر باتجاه إسرائيل وتحالف الأقليات بما يتوافق ويتطابق مع الاستراتيجية الأميركية.

كلمات مفتاحية