مؤتمر للمناخ!! أليست هذه رفاهية زائدة؟

2022.11.27 | 06:02 دمشق

قمة المناخ
+A
حجم الخط
-A

اختتم منذ أيام في مدينة شرم الشيخ المصرية مؤتمر المناخ COP27 والذي حضره العديد من الرؤساء العالميين، وناقشوا خلالها تأثير التغير المناخي على مستقبل الأرض، التي بدأت تعاني، كيلا نقول إنها تحتضر، بسبب الانبعاثات التي تسببت حتى الآن بارتفاع درجات الحرارة، وذوبان جبال ثلجية كانت تشكل توازناً بيئياً، بالإضافة طبعاً إلى تناقص في هطول الأمطار بشكل ملموس، خلال السنوات الماضية.. ومنذ قمة الأرض الأولى التي عقدت في ريودي جانيرو البرازيلية عام 1992 وحتى يومنا هذا، ازداد الاهتمام العالمي بقضية المناخ، وقرعت مؤسسات وحكومات دولية أجراس الخطر، وتعددت الاجتماعات والندوات والدراسات الجامعية والأبحاث حول هذه القضية التي تهمنا وتعنينا جميعاً، فهذه الأرض، التي تبلغ من العمر ملايين السنين تعبت مما يفعله بها الإنسان، وبدأت تشيخ، ويخشى خلال عقود قادمة انقراض أنواع من الكائنات الحية، براً وبحراً وجواً، بسبب افتقارها للبيئة المناسبة، وانعدام الغذاء، وقد يكون الإنسان في أجزاء معينة من الكرة الأرضية أحد ضحايا هذه الانهيار البيئي "المخيف" هكذا حرفياً..

ورغم الاهتمام الواسع بهذا الموضوع، إلا أنه لم ينتقل ليصير هماً عاماً، لأنه يبدو في إحدى زواياه رفاهية لدى مئات الملايين من البشر، المطحونين تحت خط الفقر في بقاع مختلفة من العالم، والذين لم يكونوا في يوم من الأيام سبباً فيما يحدث لكوكبنا الجميل، إذ تشير الوقائع التاريخية إلى أن الدول الصناعية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، كانت وراء هذه الكارثة، وأنها هي فقط تتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه، وما سوف نصل إليه تباعاً.

وبمقدار ما يبدو الأمر مثيراً للاهتمام، إذا نظرنا إليه من وجهة نظر تصريحات بعض الضيوف الحاضرين، إلا أن أياً منهم، باستثناء الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، لم يتحدث عن الخطر الكبير الذي تسببه الحروب المشتعلة في أماكن مختلفة من العالم على البيئة العالمية، وعلى وجود الإنسان نفسه، فالدمار البيئي الهائل الذي تسببه الحروب، والحرائق والخراب الذي تحمله يظل خارج تصنيفات المهتمين بالبيئة.

قامت مجموعة من "المتطرفين البيئيين" بمهاجمة مصنع للبتروكيماويات في إحدى المدن الأميركية، وأدى هجوم المجموعة إلى اندلاع حريق هائل، تسبب في انتشار المواد المؤذية للبيئة على نطاق واسع.. نعم حتى في المجال البيئي هناك متطرفون أيضاً

ولن نذهب بعيداً لنتحدث عن الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ قرابة العشرة أشهر، والتي يتوقع لها أن تضع أوزارها بدايات الربيع القادم، لكن لنتحدث عن واقع البيئة في سوريا مثلاً، فعلى مدى عشر سنوات، أي منذ أن دخل الصراع المسلح مرحلة اللاعودة، وقع تدمير فوضوي عبثي لكل شيء تقريباً، ولم يقتصر الأمر على ما انتشر على نطاق واسع من عمليات فرز النفط الخام، وإحراق حقول زراعية شاسعة، ثم اقتلاع مئات آلاف، وربما ملايين، الأشجار، ولكن أيضاً كان التهجير المنظم، الذي قامت به أطراف مختلفة يأتي في مقدمتها نظام دمشق وحلفاؤه، سبباً رئيساً في تراجع الزراعة بشكل مخيف، وأدى أيضاً إلى نفوق الماشية، وانتشار الأمراض في قطعان كبيرة، من دون أن يجد مربو الماشية وسيلة لعلاجها أو لقاحها، طبعاً وسوف يكون فرار مئات الآلاف من العاملين بالزراعة أو بالرعي، وتحولهم إلى مهن أخرى، تحصيلاً حاصلاً لما حدث وما زال يحدث.. ويمكن رصد كل ذلك بالعين المجردة في بعض المناطق في الجزيرة السورية، على سبيل المثال.

وما حدث ويحدث في سوريا، حدث ويحدث أيضاً في العراق، واليمن، ولبنان، دول خرجت عن الخدمة، وأنظمة سياسية مستبدة وفاشلة، ليست لديها أية رؤية أو برنامج لا للمستقبل فحسب، بل حتى لإصلاح بعض الخراب الذي كانت هي ولا أحد سواها السبب فيه، ومن دون أن نبالغ فإننا نستطيع وصف الواقع البيئي في تلك الدول بالجحيم البيئي، لكن مناقشة هذا الأمر تعد رفاهية زائدة جداً، بل إن وزارات البيئة في هذه الدول، ينظر إليها على أنها تكملة عدد لا أكثر، وموضة حديثة لا معنى لها.

يعتقد جون دور، وهو أحد أشهر المستثمرين الأميركيين في مجال التكنولوجيا، أن مستقبل الاستثمار في السنوات المقبلة هو في المجال البيئي، وأن الكثير من رؤوس الأموال سوف تتجه إلى ذلك المجال، بل إنه يميل إلى تسمية ما سوف يحدث بثورة "البيئة المستدامة"‪.  ونحن نعلم، وبحكم مأساتنا، أن كل ثورة تتجه الشركات الكبرى للاستثمار فيها، سوف تزيد أرصدة الأثرياء البنكية، في حين سوف تزداد أعداد الفقراء والجوعى.

أخيراً.. عقد مؤتمر المناخ الأخير COP27 في مدينة شرم الشيخ السياحية الأنيقة، التي لا يحلم ثلاثة أرباع المصريين بزيارتها، ولم يعقد في العاصمة القاهرة، لأن القاهرة تئن تحت وطأة التلوث على كل المستويات.

أخيراً أيضاً، قامت مجموعة من "المتطرفين البيئيين" بمهاجمة مصنع للبتروكيماويات في إحدى المدن الأميركية، وأدى هجوم المجموعة إلى اندلاع حريق هائل، تسبب في انتشار المواد المؤذية للبيئة على نطاق واسع.. نعم حتى في المجال البيئي هناك متطرفون أيضاً.