لماذا يصر الرئيس (تبون) على عودة الأسد للجامعة العربية؟!

2021.12.07 | 05:22 دمشق

1120199181627105.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعمل السياسة الخارجية الجزائرية بشكل حثيث ومحموم ومنذ عدة أشهر، اشتغالًا دؤوبًا لا ينقطع، من أجل إعادة بشار الأسد إلى الجامعة العربية واجتماعاتها، وهو الذي طُرد منها إبان سياسة القمع والقتل التي مارسها في مواجهة ثورة الشعب السوري مع ثورته من أجل الحرية والكرامة انطلاقًا من أواسط آذار/ مارس 2011. وقد تكون جائحة كورونا ساهمت هي الأخرى في التأجيل تلو التأجيل لعقد القمة المرتقبة في الجزائر، لكن الأهم أن الـتأجيل الأخير جاء على خلفية إصرار الرئيس عبد المجيد تبون وسياسته الخارجية من أجل عودة الأسد إلى الجامعة العربية، ورفض العديد من الدول العربية هذه العودة قبل الدخول في عملية الانتقال السياسي وفق القررات الأممية، وتمنُّع النظام السوري وتعنته في الولوج ضمن سياق أي خطوة جدية عبر ذلك. وهو ما يلحظه كل متابع للمسارات التفاوضية، ومنها بالضرورة مسار اجتماعات اللجنة الدستورية التي خلت من أية خطوة جدية من قبل النظام وداعميه نحو أي إنجاز جدي على طريق بناء الدستور المفترض.

ويبقى السؤال المطروح دائمًا هذه الأيام: لماذا يصر الرئيس الجزائري على ذلك بالرغم من كل قتامة الواقع السوري وتعثر كل خطوات الانتقال السياسي، حيث من يقوم بوضع العثرات في طريقها دائمًا هو النظام السوري نفسه، وليس المعارضة، ويعوِّق أي خطوة أممية بهذا الاتجاه، علاوة على انكشاف المقتلة الأسدية التي تجاوز عديد ضحاياها المليون شهيد، وهي هنا تشبه ما فعله الاستعمار الفرنسي في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي للأراضي الجزائرية، حتى سميت الجزائر بلد المليون شهيد.

وقد أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في أكثر من منبر إعلامي وسياسي أن بلاده ترغب في أن تكون القمة العربية المقررة في مارس/ آذار المقبل في الجزائر، قمة جامعة يعود فيها النظام السوري، فيما أكد أن عودة العلاقات بين الجزائر وفرنسا إلى طبيعتها مرتبطة بقبول باريس إقامة علاقة ندية. وقال تبون في حوار تلفزيوني بثه التلفزيون الرسمي، إن بلاده تطمح لأن تكون القمة العربية المقبلة قمة لـ"لمّ الشمل"، مشيرًا إلى أن "الجزائر بلد جامع للفرقاء"، معبرًا عن رغبته في "أن تحسم القمة المقبلة لصالح عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية".

أما لماذا هذا الإصرار على إعادة تأهيل النظام السوري وإعادته إلى الجامعة العربية وقمة الجزائر فيعود ذلك لأسباب عديدة أذكر منها:

  • لم تتوقف السياسة الجزائرية ومنذ ما يزيد على ثلاثين سنة مضت عن إقامة علاقات جيدة مع الإيرانيين، داعمي بشار الأسد، وموجهي سياساته، وأصحاب المشروع الفارسي الطائفي للمنطقة برمتها، وقد كان للسياسات الجزائرية السابقة واللاحقة الباع الكبير في إقامة علاقات خارجية وذات ديمومة ومتينة مع طهران، يوم لم يكن من علاقات عربية بينية توافق سياسات الجزائر في خلق مشكلة الصحراء الغربية وفتح باب العلاقات المتوترة مع المملكة المغربية من أجل ذلك، فكانت سياسات إيران والنظام السوري فقط من تقف إلى جانب السياسة الجزائرية حول مشكلة الصحراء، ومن ثم إقامة علاقات تآلفية حول ذلك، بل وفتح سفارات في كل من طهران ودمشق لجبهة (البوليساريو) التي تقود الحرب في الصحراء الغربية بدعم جزائري واضح. وهذه مسألة يحملها الحاكم الجزائري إيجابًا لإيران والنظام البعثي السوري. ولا يتم نسيانها منذ تلك المرحلة وحتى الآن.
  • المسألة الأخرى هي ما عنته الجزائر فيما سمي (العشرية الدموية) التي عاشتها الجزائر في أثناء تصديها للإسلام السياسي وموجات العنف هناك، ووقوف إيران والنظام السوري إلى جانب السياسة الحكومية الجزائرية، بل ومساعدتها في لجم التمدد الإسلامي في الجزائر وجبال الجزائر الوعرة.
  •  كذلك فإن النظرة الرسمية الحكومية الجزائرية لتوصيف ما جرى من ثورة شعبية سورية عام 2011 على أنه تحرك إسلاميين جهاديين، أو في أحسن الحالات ثورة للإسلام السياسي كما دأب الإعلام السياسي الرسمي الجزائري على توصيفها وتسميتها، وهو بعيد عن الحقيقة كل البعد، حيث لم تر الجزائر الرسمية غير ذلك، وهي بهذا المعنى تقف إلى جانب النظام السوري في معركته مع الإسلام السياسي، حسب تصورهم، التي عانت ما عانت منه الجزائر كما يقولون.
  • علاوة على ذلك فإن السياسة الجزائرية كانت وعلى الدوام ومنذ حكم الرئيس (هواري بومدين) مرتبطة ومتشابكة مع السياسة الروسية/ الاتحاد السوفييتي، وما زالت تقوم بمناورات عسكرية مع حكومة بوتين، إذ تنظر إلى نفسها على أنها من الحلف الروسي المشتغل في البحر المتوسط والداعم والمورد لها سلاحًا روسيًا حديثًا، قد لا تستطيع امتلاكه من الغرب.
  • أيضًا السياسة الجزائرية المتوترة على طول المدى مع سياسات الفرنسيين الذين كانوا محتلين لأرض الجزائر العربية، وبالتالي فإنهم يجدون أن عداءهم لا بد أن يكون في مواجهة كل سياسات الفرنسيين في المنطقة وهم يرون أن الفرنسيين من يقفون ضد بشار الأسد ويدعمون الثورة السورية، لذلك كان لابد من الوقوف في المقلب الآخر.

كل ذلك وسواه هو ما يدفع دائمًا إلى الاستمرار في الضغط عربيًا تحيُّنًا للفرص من أجل عودة تأهيلية للنظام الأسدي الحليف لهم إلى الجامعة العربية وقمتها المرتقبة في آذار/ مارس المقبل في الجزائر. فيما لو عقدت بالطبع.

لكن الحيثية البديهية التي تطرح اليوم في مواجهة السياسة الجزائرية لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية ورفع لواء (لم الشمل العربي) الذي تنادي به الجزائر متناسية أنها هي وليس غيرها من يعمل باستمرار على توتير العلاقات مع الجارة العربية المغرب، وتواصل اختلاق المشكلات البينية كقضية الصحراء الغربيةـ وسواها إجهازًا أكيدًا على مشاريع لم الشمل المغاربي، حيث يتعثر، بل يتوقف كلية مشروع الاتحاد المغاربي من دون أية اجتماعات له، ومن يعرقل ذلك هي الجزائر التي تتحدث اليوم عن فكرة لم الشمل، عندما يأتي الحديث بخصوص النظام السوري وأهمية عودته إلى الجامعة العربية، لكن عندما يطرح موضوع المغرب وعلاقتها المتوترة عسكريًا وسياسيًا معها، فإن لم الشمل العربي يصبح نافلًا وغير قابل للتطبيق.

أما الواقع المرصود في قضية عودة النظام إلى الجامعة العربية وإعادة تعويمه وتأهيله، فهو ما يزال مرتبطًا بالموافقة الأميركية على ذلك وكذلك الأوروبية، وهي التي لا يبدو أنها باتت  قاب قوسين أو أدنى من التطبيق، في ظل تصريحات وتأكيدات أميركية وأوروبية لا تقبل بالتطبيع مع الأسد مطلقًا قبل ولوجه الجدي في عملية الانتقال السياسي ووقف المقتلة المستمرة بحق الشعب السوري، والقبول بتطبيق القررات الأممية المرتبطة بالوضع السوري، وهو ما يحول واقعيًا من دون تنفيذ رغبات الرئيس عبد المجيد تبون، وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من تأجيل انعقاد القمة في الجزائر، أو تغيير مكان انعقادها المقبل.