لماذا عليك أن تربّت على كتف مولود التسعينيات؟

2023.09.21 | 17:47 دمشق

آخر تحديث: 22.09.2023 | 07:43 دمشق

تت
+A
حجم الخط
-A

عام 1990 وُلد جيلٌ كان أول إرث له ما خلّفه جيل "الثمانينيات".. أولاً استخفافاً بتجربة الجيل الجديد، وثانياً إثر أزمات ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية، كان لا بدّ لنا نحن جيل "التسعينيات" التعامل معها، وقد تعاملنا معها حقيقةً، إلا أنّ مفاجأة في سير حياتنا لم تكن بحسبان الجيل السابق ولا الجيل اللاحق، وهي أننا الجيل الذي استقبل ثورات الربيع العربي في عشرينياته، وعلى الصعيد السوريّ، نعم قضينا العشرينيات وهذه بداية ثلاثينياتنا وما زلنا نحاول أن نناضل من أجل الحقّ، ونكافح من أجل أن نحيا وننجو على عدّة محاور وأصعدة. نريد بناء أسرة متماسكة في وجه السوشيال ميديا والأزمة الاقتصادية على الأقل، نريد حُباً صافياً غير مشروط، وصُحبة كـ التي تربينا عليها. نسعى لإثبات ذواتنا في مهننا المختلفة، والأهم أن بنات وأبناء جيلي لديهم هدف فوق كلّ هذا، فنحنُ يا جماعة نريدُ أن نسعد.

السعادة لدى أبناء وبنات جيلي مقدّسة كما الأمل، الضوء في آخر النفق، وانتصار الخير على الشرّ، والجهد الذي لا يضيع، هناك قواعد ثابتة تربينا عليها جميعاً، ليس قيمياً فقط، بل في كلّ شيء، فنحن عزيزي القارئ عزيزتي القارئة جيل النسخة الواحدة تقريباً، وهذه الـ "تقريباً" مجاملة لأولئك الذين لا يحبّون التعميم، إليكم الآن الأدلة حول أننا نسخة واحدة وأننا مميزون، ونستحقّ أن نؤرّخ ونوثّق وجودنا في هذا العالم.

الرسوم المتحركة على أيامنا مرجعيّة أخلاقية وثقافية

لم يكن لجيل التسعينيات وحتى منتصف الثمانينيات كثير من الخيارات حول ما يشاهدونه من الرسوم المتحركة أو كما كنا نسميها "أفلام الكرتون" جميعنا كان لدينا تلفزيون واحد في البيت، وجهاز التحكّم في يد السيد الوالد إلا حين قيلولة الظهيرة، وتحديداً الساعة الثالثة عندما كان يمرّ قطار على الشاشة معلنا بدء الوقت المخصص لأطفال هذا الجيل جميعاً، كنّا نشاهد هايدي ومأساة سالي وبطولة غريندايزر، ساندي بيل وغيرها، إلى أن أتت صحوة "الستالايت" وأنقذتنا حينذاك قناة سبيس تون من برامج فاتنة محمد، لننتقل إلى مرحلة أكثر تنوعاً وساعات أكثر من البث، واستطاعت هذه القناة أن تؤثر علينا جميعاً في وجداننا ونظرتنا للحياة، هناك شاهدنا عهد الأصدقاء، ونوّار، والمحقق كونان، والحديقة السريّة، وهالة زهرة البراري، والحوت الأبيض ومدينة النخيل، وبابار الفيل، وحتى قصص الشعوب، وانضم إلى الركب الكابتن ماجد وبسّام ورابح "سلام دانك" الذي أحدث بدوره ثورة في عالم الرسوم المتحركة المتعلقة في الرياضة، هذا الكرتون الذي حمل قيماً عالية فيما يتعلّق بالوفاء واحترام الاختلاف والتعاون على الخير، رسخ مفاهيم أعمق من خلال الشارات التي ما زال جيلي يحفظها غيباً، رغم أنّه غادر عالم طفولته منذ خمسة عشر عاماً على الأقل، فكيف لا نردد بحب بأن حلمنا نهار، ونهارنا عمل، نملك الخيار وخيارنا الأمر، نستسلم لكن لا ما دمنا أحياء نرزق ما دام الأمل طريقاً فسنحيا، أو عندما غنينا مع "نوّار":

 تقاربوا.. تناغموا 

وإن اختلفتم كلكم في الشكل والأسماء 

والعمر والأهواء

 والزي والكلام

 كالخنصر والبنصر

 والوسطى والسبابة 

والخامس الإبهام

 جميعها أنامل في باقة فريدة، من باقة فريدة من تل الحياة.

نادراً ما تجد عزيزي القارئ واحداً من مواليد التسعينيات لا يحفظ هذه الأغاني، أو لا يستمتع بها حتى يومنا هذا، وإضافة لها شارات المسلسلات التي رافقت طفولتنا، لم نكن نشاهدها، بل انتمينا إلى عائلات وبيوت ظهرت فقط على الشاشة، كذلك الأمر نحن أوفياء لألعابنا، للأتاري والسيجا، نرفع شعار ماريو عالياً أمام جيل البلاي ستيشن، فنحن من كنّا كلمّا انتهت "أرواحنا" في اللعب، نعيد الكرّة من الأوّل، لم نتوقف يوماً حتى  ختمنا جميع الألعاب، وكذلك نحن في حياتنا اليوم، نعيد كلّ شيء من الأول، نهاجر إلى بلاد جديدة، وتفشل علاقاتنا العاطفية ونبدأ من جديد، نطرد من عملنا، نغيّر المهنة ونبحث عن فُرص، لا أحد يعرف لماذا نقاتل جلّ وقتنا، لن أقول دون استسلام، فهناك منّا من استسلم فعلاً، قتل الطفل داخله، أو سلّم أرواحه دفعة واحدة للسماء.

نريد حُباً صافياً غير مشروط، وصُحبة كـ التي تربينا عليها. نسعى لإثبات ذواتنا في مهننا المختلفة، والأهم أن بنات وأبناء جيلي لديهم هدف فوق كلّ هذا، فنحن يا جماعة نريد أن نسعد

نحن يا عزيزتي من جيل "الألفين" أو "السبعين" حضرنا في شبابنا نيازك، وحرباً عنصرية طاحنة، تخبّطنا ضمن ثورات المفاهيم ألف مرّة، حتى وجد "بعضنا" هويته وما يناسبه، ننتمي لمفهوم العائلة ونحب فرديتنا، نريد زواجاً بلا أزواج، شيئاً  كأن نكون رفاق دربٍ وفيّين، نحب التكنولوجيا وزحمة المدن والسهر حتى الصباح، وبنفس الوقت ننتظر سن التقاعد علّنا نجد كوخاً بعيداً بكندا نقضي ما تبقّى من أيام عمرنا فيه، نسمع عمرو دياب كثيراً، ونحب أصالة أيضاً، وموسيقا الميتال، وكلاسيكيات القرن الماضي، ونرقص اليوم على سطلانة ومخصماك، فما يميّزنا هو التقبّل، صحيح أحياناً يكون قهرياً قسرياً لكثرة ما نُبذنا في طفولنتا ومراهقتنا، لكننا متقبِلون من الطراز الرفيع. مريضون بالنوستالجيا وحالمون، نلهث وراء الغد، إيماناً بأن شيئاً ما سيكون العوض عمّا فاتنا قبلاً، نلهث حذرين فأصغرنا دخل في عامه الثالث والثلاثين ونحن جيل كامل نرفض أن نكبر، ليس اعتراضاً على سُنّة الكون، بل لأن ما فاتنا كثير.

قرأت منذ فترة منشوراً على موقع إنستغرام يقول: "إذا قابلت شخصاً من مواليد التسعينيات ربّت على كتفه، واحضنه، دون أن تسأله شيئاً" هذا المنشور كان دافعي الأساسي لأكتب "عنّا" نحن جيل الفجوة، والوقت الضائع، ووقود ممرّ لعالم مضى وعالم قادم غير واضح المعالم.

كلمات مفتاحية