للمأساة وجه عجوز سوري

2020.02.06 | 23:02 دمشق

2018-05-21t163928z_923413743_rc1fffd7a270_rtrmadp_3_mideast-crisis-syria.jpg
+A
حجم الخط
-A

صورٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى قادمة من إدلب، كأنه يوم الحشر أو أكثر، ولا أحد يشعر بالمأساة كأهلها، لا يقاسي البرد إلّا من أصابه ولا يعتصر الجوعَ والألم إلّا من ألمّ به. لم تبدأ مأساتنا منذ دخلت روسيا على خطّ النار تقصف وتحرق الأخضر واليابس، ولا منذ أن هبّ نظام الملالي لنجدة ربيبه نظام بشاّر الأسد، ولا منذ اليوم الأوّل للثورة، بل منذ ثمانيةٍ وثلاثين عاماً عندما أحرق حافظ وأخوه رفعت في مثل هذه الأيام من شهر شباط عام 1982 حماه بنيران مدافعهم ودباباتهم وطيرانهم، بل منذ أن غدر المذكور برفاق السلاح ممن تشاركوا معه في انقلاب 8 آذار عام 1963.

تسير الأمور إلى نهاياتها في الشمال السوري، ولن يكون للمناوشات التي جرت في حلب قرب حيّ الزهراء سوى رفع السقوف التفاوضية بين اللاعبين الكبار. لقد بات واضحاً ارتباط الملفات جميعها بخيط واحد من الشمال إلى الجنوب ومن اللجنة الدستورية إلى العمليات العسكرية ومن الاغتيالات إلى التحضير للانتخابات. الجميع يلعب على عامل الزمن وتثبيت الأمر الواقع، والضحايا على الدوام من السوريين.

توافق روسيا على دفع عجلة اللجنة الدستورية فتنعقد جلستان في جنيف. تستعجل روسيا قبض الثمن فهي في مأزق وتدفع الكثير من التكاليف، لكنّ الأمريكيين غير مستعدين لتقديم شيء من ذلك، فتعود الحروب إلى إدلب والحجّة جاهزة دوماً فجبهة النصرة ما زالت الفاعل الرئيس هناك. لا أحد يفهم ما هي أسباب عدم الجدّية التركية في التخلّص من هذا التنظيم، فرغم الغليان الشعبي الرافض لوجوده ورغم وجود قوة عسكرية كبرى من فصائل الجيش الوطني وغيرها من الفصائل المدعومة تركياً والقادرة على إنجاز المهمة، فإنّنا لا نرى تحركاً جدّياً بهذا المجال.

على المستوى الشعبي يرزح جميع السوريين تحت الفقر، ومن يبيتون في منازلهم ليسوا أفضل حالاً ممن يقبعون تحت الخيام. الجميع لا يجد قوت يومه، وصاحب الحظ العظيم من له أحدٌ خارج سوريا يرسل له بعض الدولارات علّها تبقيه على قيد الحياة. لا أحد يكترث لمعاناة السوريين، ولا يريد أحد أن يفهم أنّ صلاح الحال لا يكون بوجود هذا النظام، وأي حديث عن تغيير في الأوضاع يجب أن يسبقه أولاً وقبل كل شيء خلق البيئة الآمنة للإصلاح، وأوّل شروطها تغيير هذه  الزمرة الحاكمة التي لا يمكن أن تفهم إلا لغة القمع والقتل والإرهاب والسرقة والنهب.

يجب أن يفهم الروس قبل غيرهم أنّ ما بنوه من مجد على حساب المدن والقرى السورية المدمرة وعلى حساب الدماء والأشلاء، لا يمكن أن يصل إلى نهاياته ما لم يتمّ القطع مع الماضي بكل سوداويّته. هذا الماضي المتمثّل بالحقبة الأسدية، هو العقبة الكبرى أمام التغيير ليس في سوريا وحسب بل في المنطقة بأسرها. يجب أن يستوعب الروس أنّ رهانهم على الأسد خاسر لا محالة، لأنّه لا يمكن تنظيفه من هذه المجازر التي يندى لها الجبين، وسيكون صعباً على النظام الدولي إعادة تأهيله.

من ناحية عملية وبعيداً عن الديماغوجيا والبروبوغاندا والمصالح السياسية، لا يمكن لرأس المال أن يغامر ويدخل حقلاً من الألغام. بدون وجود نظام مصرفي حديث متطور ومستقل، وبدون وجود قضاء حيادي نزيه ومحايد، وبدون وجود جهاز أمني واحد مُنصاع لسيادة القانون وقادر على ضبط التجاوزات، لا يمكن أن تُقدم أية شركة محترمة على العمل في سوريا. هذا كلّه إن نسينا أو تناسينا مفاعيل قانون سيزر. يجب أن يستوعب الروس أنّ الحل سيكون في النهاية بيد من يملك المال، وهم لا يملكونه بكل تأكيد.

يجب أن يحوّل الروس تضارب المصالح بينهم وبين الإيرانيين إلى قوّة دافعة للتغيير، يجب أن يتماشوا مع الرغبة الشعبية والمصالح الدولية بإيقاف المد الإيراني وبإقصائه عن الساحة السورية. إنّ الكعكة أصغر من أن يتمّ تقاسمها بين الروس والإيرانيين وغيرهم من الطامعين بعائدات إعادة الإعمار، فيجب أن يعمل الروس على ذلك لضمان مصالحهم لا لسواد عيوننا. ثمّ إن المشروع الإيراني في سوريا ليس مشروعاً اقتصادياً بل هو مشروع أيديولوجي للسيطرة المستدامة، ولو كان الإيرانيون يريدون الاستثمار لفعلوا ذلك في بلادهم التي ترزح أيضاً تحت نير الاستبداد والفساد. هم ليسوا قادرين على ذلك حتى لو أرادوا.

سيكون علينا أن ندفع الثمن يوماً بعد يوم، من دماء شبابنا ومستقبل أطفالنا، من آلام النساء والرجال على السواء. وإلى أن تستوي طبخة البحص هذه في أواني المصالح الدولية المتضاربة، ستبقى صورة ذلك الرجل الهرم يبكي وامرأته العجوز آلام التهجير والرحيل المرّ، رافعاً يديه إلى الله راجياً متضرّعاً: اللهّم تقبّل هجرتنا.