icon
التغطية الحية

"لست خائفا من شيء".. أغنية بوتين التي قطعها هجوم موسكو

2024.03.26 | 06:18 دمشق

آخر تحديث: 26.03.2024 | 17:33 دمشق

Russian President Putin
فلاديمير بوتين يشعل شموعا لضحايا الهجوم على صالة كروكوس ـ رويترز
تلفزيون سوريا ـ سامر القطريب
+A
حجم الخط
-A

في ساعة مبكرة من 13 من أيلول / سبتمبر 1999، أدى هجوم بمتفجرات على مبنى سكني من ثمانية طوابق في جنوب شرقي موسكو إلى مقتل 118 شخصا.

كان ذلك أحد خمسة هجمات على مبان سكنية أودت بـ293 شخصا في المجموع خلال فترة أسبوعين في موسكو وجنوبي روسيا.

واتهمت موسكو حينها انفصاليين "إرهابيين" من جمهورية الشيشان ذات الغالبية المسلمة في شمال القوقاز، بالوقوف وراء الهجمات. واليوم يتكرر المشهد في موسكو ولكن المتهم هو تنظيم الدولة ولاية خراسان "عدو بوتين" الجديد.

وفي آخر حصيلة، قُتل 133 شخصا على الأقل بهجوم مسلّح على قاعة كروكوس سيتي هول في الضواحي الشمالية لموسكو الجمعة، وقد تبنّى تنظيم الدولة العملية.

واللافت للانتباه أن الكرملين مازال مصرا على "توظيف داعش"، حيث قالت ماريا زاخاروفا إن الولايات المتحدة تستخدم "فزاعة" تنظيم الدولة لتغطي على أفعالها في كييف، وذكّرت القراء في مقال لها بأن واشنطن دعمت "المجاهدين" الذين خاضوا قتالا ضد القوات السوفيتية في الثمانينيات.

روسيا نفسها استخدمت "فزاعة داعش" في سوريا لضرب فصائل المعارضة في تشرين الثاني عام 2015 وقالت إنها استهدفت تنظم الدولة، ليرد عليها التحالف طالبا منها وقف الهجمات على الأهداف غير التابعة "لداعش" في حماة وحمص وإدلب.

بوتين الذي يواصل حربه الماراتونية في أوكرانيا و"الناجح" في الانتخابات الرئاسية الأخيرة من دون منافسة، تفاجأ بالرصاص ينهمر على الجمهور في صالة كروكوس قبل أن تؤدي فرقة الروك (بيكنيك) التي تشكلت خلال الحقبة السوفيتية، أغنيتها الناجحة (أفريد أوف ناثينغ) أو "لا أخشى شيئا".

روسيا في حالة حرب مع الغرب

بعد عامين من استخدم مصطلح "عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا"، أقر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن روسيا هي "في حالة حرب" في أوكرانيا، بعدما واظبت السلطات على استخدام عبارة "عملية عسكرية خاصة" للإشارة الى الهجوم الذي أطلقته على جارتها قبل أكثر من عامين. وسبق هذا الإعلان هجوم "داعش" بعدة أيام.

وقال بيسكوف في حديث إلى صحيفة روسية مقرّبة من الكرملين "نحن في حالة حرب. نعم لقد بدأ الأمر كعملية عسكرية خاصة، لكن مذ تشكّلت هذه المجموعة، مذ شارك الغرب مجتمعاً في كل هذا إلى جانب أوكرانيا، بالنسبة إلينا، أصبحت حرباً".

ولكن يبدو أن الكرملين لم يتوقع مواجهة حرب "جديدة" يشنها عدو استطاع الوصول إلى قلب العاصمة وموسكو وشن هجومه من دون طائرات مسيرّة وصواريخ عابرة للحدود، هذه الحرب تهدد بالوصول إلى الشوارع الروسية بعد فشل استخباري روسي في اكتشاف هجوم "داعش خراسان" على صالة "كروكوس سيتي هول".

عدو مشترك للجميع لكنه يستهدف بوتين

السفيرة الأميركية لدى بغداد ألينا رومانوفسكي قالت إن تنظيم الدولة لا يزال يشكل تهديدا في العراق، عقب هجوم موسكو الدامي. 

وأضافت في مقابلة مع رويترز أن عمل التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة مع العراق لهزيمة التنظيم بشكل كامل لم ينته بعد.

لكن مسؤولين عراقيين كبار، ومنهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قالوا مرارا إن التنظيم لم يعد يشكل تهديدا في العراق ولم تعد هناك حاجة للتحالف، حتى مع استمرار أعضاء التنظيم في تنفيذ هجمات في أماكن أخرى.

وقالت السفيرة في تعليق إضافي بعد المقابلة "كما يذكرنا هذا الحادث، فإن داعش عدو إرهابي مشترك يجب هزيمته في كل مكان".

أما في سوريا فقد دعت "قسد" التحالف الدولي إلى زيادة دعمها لمواجهة بقايا "داعش" شمال شرقي سوريا، مشيرة إلى أنه يهدد أمن المنطقة والعالم.

بدوره قال وزير المالية البريطاني جيريمي هانت الأحد إن المملكة المتحدة "ثقتها ضئيلة جدا" بالتصريحات الروسية المتعلقة بالهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو، متّهما روسيا بأنها تحاول "الدفاع" عن هجومها على أوكرانيا.

وحذّر الوزير من أن المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية يجب "بكل تأكيد" أن تكون قلقة بشأن عودة تنظيم الدولة إلى الساحة الدولية.

وأضاف الوزير للشبكة البريطانية "نحن محظوظون للغاية في هذا البلد لأن لدينا وكالات استخبارية تثير الإعجاب على نحو يفوق التصديق ونجحت.. في إحباط كثير من التهديدات الإرهابية في السنوات الأخيرة، لكن علينا أن نبقى يقظين".

في حين أعلنت فرنسا تأهبها، وقال رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال، إن الحكومة الفرنسية رفعت تحذيرها من "الإرهاب" إلى أعلى مستوياته بعد هجوم موسكو.

وأضاف في منشور على موقع (إكس) عقب اجتماع للرئيس إيمانويل ماكرون مع كبار مسؤولي الأمن والدفاع إن القرار، الذي يأتي قبل أشهر من استضافة باريس لدورة الألعاب الأولمبية، اتُخذ "في ضوء إعلان تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم (موسكو) والتهديدات التي تلقي بظلالها على بلادنا".

يذكر أنه تم تفكيك العديد من الشبكات التابعة "لداعش خراسان" في أوروبا، ولا سيما أول شبكة روسية طاجيكية في ألمانيا في عام 2020، وتلاها شبكات أخرى في عامي 2022 و2023.

هجمات "داعش" الإفريقية.. روسيا في المشهد

أعلن تنظيم الدولة، السبت الماضي، مسؤوليته عن هجوم على جيش النيجر، وقال إنه أدى إلى مقتل 30 جنديا يوم الأربعاء الفائت.

وقالت وزارة الدفاع في النيجر إن 23 جنديا قُتلوا من جراء الهجوم وأصيب 17، وأضافت أن 30 مهاجما قُتلوا أيضا.

والنيجر واحدة من عدة دول في غربي إفريقيا تخوض معركة في مواجهة تمرد للإسلاميين اتسع نطاقه من مالي إلى المنطقة على مدى 12 عاما، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين.

وقطعت المجالس العسكرية التي سيطرت على السلطة أخيرا، العلاقات مع حلفاء غربيين، وطردت القوات الفرنسية وغيرها من القوات الأوروبية ولجأت إلى روسيا. وبدلا من نشر جنود نظاميين، اكتسبت موسكو نفوذا عبر إرسال مرتزقة من مجموعة فاغنر التي تخدم أهداف الكرملين في إفريقيا منذ العقد الأول من الألفية.

ويقول تنظيم الدولة في بيانه، إن هجوم موسكو يأتي في سياق "الحرب المستعرة بين التنظيم والدول التي تحارب الإسلام"، وبحسب التنظيم فإن روسيا هي جزء من هذه الدول.

واعتبر هانز جيكوب شندلر، مدير مركز أبحاث مشروع مكافحة التطرف (CEP) وخبير الأمم المتحدة السابق في مجال الإرهاب، أن الفرع المحلي للتنظيم في أفغانستان تأسس على يد عناصر من تنظيم الدولة جاؤوا من سوريا والعراق.

وأكد لوكالة فرانس برس أن "روابط وثيقة للغاية تربطهم مع المركز، أكثر من أي فرع آخر"، ويحصلون على الأموال التي يحتاجونها.

وأشار المحلّل لوكاس ويبر، أحد مؤسسي شبكة الأبحاث "ميليتانت واير"، إلى أن "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان فرض نفسه كأكثر فرع لتنظيم الدولة توجهاً دولياً. ونشر دعايات بلغات عدة أكثر من أي فرع آخر منذ أوج الخلافة (المعلنة) في العراق وسوريا".

وأضاف أن "هذه الرؤية الدولية تتضمن حملة طموحة وعدوانية لتعزيز قدراتها العملياتية الخارجية ومهاجمة مختلف أعدائها في الخارج".

أعداء بوتين الكثر

يرى د.خالد العزي (أستاذ العلاقات الدولية، والمختص بدول آسيا الوسطى والبلقان والاتحاد السوفييتي السابق) في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن "بوتين تلقى صفعة بعد الانتخابات عقب الهجوم، إذ كان يريد توجيه ضربة لأوكرانيا لإبلاغ الغرب بأنه مستعد للمواجهة وأطلق 150 صاروخا.. لكن المشهد الذي لم يكن يتوقعه كان داميا وأبكى الناس وأعادهم إلى التسعينيات عندما كان الروس يتخوفون من الأعمال التي ينفذها المقاتلون الشيشان".

وحول تجاهل بوتين لتبني "داعش" العملية يوضح العزي: "بوتين لم يلمح إلى داعش لأنه لا يعتبره الخطر الكبير الذي يتربص بروسيا ومناطق آسيا الوسطى وحتى الصين، لأن داعش له عداوة مع الغرب، وروسيا وهي واحدة من دول الغرب التي تتعرض للمسلمين بالتآمر وفق رؤية التنظيم.. وإذا أقر بوتين بأن داعش دخلت إلى العاصمة سينظر له الروس على أنه ضعيف ولا يمكنه إعلان الحرب، وبالتالي سيكون بحاجة للمساعدة من الغرب معلوماتيا ولوجستيا وهو ما رفضه بوتين سابقا، حيث قالت واشنطن إنها حذرت الكرملين قبل ثلاثة أيام من الهجوم.. بوتين ركز على نقطة مهمة وهي توجه منفذي الهجوم إلى  إلى برينسك لتحميل أوكرانيا المسؤولية".

ويشير العزي إلى أن بوتين غير مستعد للنقاش والإجابة عن الأسئلة التالية: "كيف دخل داعش إلى عقر داره ومن جندهم ومن دفع لهم الأموال؟ ربما لأن المشكلة متعلقة بالشرطة والاستخبارات الروسية واختراقها".

ويضيف "النقطة الثانية التي يعمل عليها بوتين هي القول إن أوكرانيا مسؤولية عن الهجوم ولكن في الحالتين هناك مشكلة كبيرة، فإذا كان الأوكرانيون قد استطاعوا تجنيد هذه القدرات والبقاء 25 دقيقة في موسكو دون تحرك الشرطة والاستخبارات والأمن فهذا يعني أن النظام الروسي بيت من زجاج وسيتم اختراقه وأن الأيادي الأوكرانية جادة وموسكو تتهرب من تحمل المسؤولية، والتنظيم سيكون عقبة جديدة أمام بوتين لأن روسيا والقوقاز باتت ساحة مواجهة". 

هل يعيد "داعش خراسان" تجميع قواه في سوريا؟

تلقى تنظيم "داعش خراسان" عدة ضربات من روسيا في سوريا، ويبدو أنه استطاع تجميع قواه خارج سوريا والعراق، حيث شكل ولايات جديد في أفغانستان، وأخبر انتخب التنظيم ولاية جديدة تشمل روسيا والقوقاز، ما يعني أن الحركة تعيد تجميع قواها وباتت أقوى، خاصة أن عناصرها الذين قاتلوا الروس والأميركان في سوريا باتوا أصحاب خبرات عالية، وهناك العديد منهم ينتمي للاتحاد الروسي والقوقاز وآسيا الوسطى، وبعد توجيه ضربات دولية قويه للتنظيم من عام 2018 وحتى 2021، بات التنظيم ينتهج استراتيجية جديدة.

بشار الأسد رئيس النظام السوري عزى بوتين بالقول: "إن هذا الهجوم (..) يدل على العجز التام في جعل الشعب الروسي يحيد عن مبادئه (..) ويرتبط مباشرة بالهزائم القاسية والمُوجعة التي تتكبدها النازية الجديدة وداعموها جراء العملية العسكرية الخاصة في دونباس. ونحن (..) نؤكد عزمنا على المضي معكم في حربنا المشتركة ضد الإرهاب والتطرف العابر للحدود".

ويرى العزي أن " تعزية رئيس النظام السوري بشار الأسد كانت روتينية لأن الهجوم تسبب بمقتل مدنيين.. بالرغم من أن بشار يقتل المدنيين ورماهم بالبراميل المتفجرة، ولكن التنظيم لن يعود إلى سوريا للعديد من الأسباب.. أولا تركيا اليوم غير تركيا عام 2011 هي متيقظة للتنظيم ولن يكون له ممر عبرها، وأمس تم اعتقال أكثر من خليه مرتبطة بداعش في إسطنبول وولايات تركية".

وبحسب العزي فإن تفعيل "داعش خراسان" في سوريا يحتاج إلى إيعاز من طهران "فعودته إلى سوريا والعراق سيكون بإيعاز من الملالي ليخلط الأوراق ويعطي الأولوية لتقوية نظام الأسد، لكن على ما يبدو أن روسيا أصبحت ضعيفة في سوريا ولن تستطيع المواجهة وخوض معارك جديدة لحماية هذا النظام هي ستكتفي بالحفاظ عليه هذا ما رأيناه منذ اندلاع طوفان الأقصى، كما أن الروس لن يستطيعوا كذلك تفعيل دور داعش خراسان كما حدث عام 2014، تجديد الجيل السادس لن يكون في سوريا أو العراق بل سيكون في القفقاس وآسيا الوسطى ومن الممكن أيضا في الإيغور الروسية وشمال إفريقيا وسيكون دور التنظيم دمويا وبشعا وهنا نسأل عن الراعي الرسمي لهذا التنظيم؟".