لبنان لإيران.. تعويضاً عن سوريا؟

2019.02.20 | 17:38 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يعدّ هدوء حزب الله في الداخل اللبناني، وحرصه على العلاقات مع كل الأطراف، مقابل التصعيد الإيراني في المواقف تجاه الدول الغربية، مؤشراً لافتاً. حزب الله يبدي اهتماماً وعناية بالاستقرار في البلد، وبعدم حصول أي توتر سياسي، مقابل تصعيد إيراني على خلفية العقوبات وعلى خلفية هجوم زاهدان. هذا التعاكس في المواقف، يقود إلى خيار من اثنين. أن حزب الله يترقّب المرحلة الحالية واحتمال تدهور الأمور وتطورها إلى معركة عسكرية، وبالتالي لابد من أن يكون الوضع في لبنان هادئا وهناك حدّ أدنى من التوافق الوطني. إذ إن هناك ما يستدعي هذا الهدوء، تحسّباً لحصول تطور عسكري أو غير عسكري على الجبهات بين إيران والغرب. أو أن تلجأ إيران إلى التصعيد، رداً على مصاعب العقوبات، وعلى ما تعرّضت له في هجوم زاهدان. 

يعتبر الإيرانيون أن الحرب الاقتصادية أشد من الحرب العسكرية. من الآن حتى أيار المقبل، هناك بعض الدول ستوقف تعاملاتها التجارية النفطية مع طهران. الجولة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى باكستان، الهند، والصين، قد تندرج في سياق الضغط الخليجي الغربي، على طهران، خاصة أن هذه الدول تتمتع بعلاقات ممتازة مع إيران على الصعيد النفطي.

رسائل ترسلها طهران للجم إسلام آباد عن الذهاب بعيداً مع السعوديين

وهنا لا يمكن فصل جولة بن سلمان في باكستان، عن التصعيد الإيراني تجاهها على خلفية هجوم زاهدان، وصولاً إلى حدّ التهديد بالردّ داخل الأراضي الباكستانية، وهذه ليست إلا رسائل ترسلها طهران للجم إسلام آباد عن الذهاب بعيداً مع السعوديين. وقد يؤشر ذلك، إلى انتقال الأمور نحو مرحلة جديدة، لابد عندها من ترقّب كيفية الردّ أو التصرّف الإيراني. وبالتالي فإن المنطقة تقف أمام أشهر فاصلة، ما بين التسوية الكبرى أو معركة كبيرة.

تترافق هذه المساعي، مع مساع أخرى تظهر شيئاً فشيئاً في سوريا، من خلال محاولة تطويق إيران هناك، وهذا يظهر من خلال التعاطي الدولي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، بمعنى أنه تم إرسال رسائل للأسد، من خلال التمهيد للانفتاح على النظام، والتي تلاها تجميد هذه العمليات ووقف عملية فتح السفارات، مقابل أن تكون مرهونة في اتخاذ موقف من إيران، وطالما أنه لم يقدّم أي مبادرة أو خطوة على هذا الصعيد، فكان لا بد من تهميشه دولياً. ما سينعكس محاولة تهميش للدور الإيراني، حتى من قبل الروس. وهذا يترافق مع تحذير أميركي للأكراد من مغبة التنسيق مع الأسد.

الظروف المحيطة بإيران، من قبل الروس والأميركيين والعرب، تشير إلى تراجع إيراني في سوريا. لقاء سوتشي كان مؤشراً على ذلك، ولكن بحال المضي قدماً في تحقيق التطويق لإيران في سوريا، بلا شك أنه سيكون هناك بديل عن ذلك، وهنا لابد من طرح السؤال إذا ما كان لبنان هو الورقة التعويضية لطهران عن محاصرتها في سوريا. طبعاً تسليم لبنان لإيران بموازين القوى الإقليمية والدولية، سيبقى محفوظاً تحت سقف وإطار دولي.

وهذا بلا شك، سيكون مرتبطاً بآلية تعاطي حزب الله في لبنان، أولاً من خلال تثبيت أرجحيته بالمعادلة السياسية اللبنانية، وثانياً من خلال اهتمامه المتركز على التفاصيل اليومية اللبنانية، بعد تثبيت معادلة ثابتة لن يكون أحد قادراً على خرقها، أو تخطّي السقف الذي يرسمه حزب الله، ما يعني منح الحزب شرعية إقليمية ودولية سياسية في لبنان، بمعزل عن مسألة السلاح أو في الناحية العسكرية التي ستتم مجانبتها أو تحييدها في هذه المرحلة.

يعتبر لبنان نموذجاً إيجابياً قادرة طهران على تقديمه على طاولة المفاوضات

قابلية وقوع لبنان تحت الجناح الإيراني، أصبح ممكنا، خاصة أن إيران وحزب الله قد قدموا العديد من الشروط المفروضة، غياب أي مواجهة مع إسرائيل منذ العام 2006، التزام بالاستقرار الأمني، وعدم تحول لبنان لمنطلق لعمليات أمنية ضد الإسرائيليين أو الأميركيين، بالإضافة إلى شعار محاربة الإرهاب. وبالتالي هذه النقاط، تعزز وضعية إيران دولياً في لبنان. وبالتالي يعتبر لبنان نموذجاً إيجابياً قادرة طهران على تقديمه على طاولة المفاوضات، لأجل إثبات نجاحها في جملة ملفات أساسية بالنسبة إلى القوى الغربية.

هذا لا يمكن فصله، عن هدوء حزب الله في الداخل، وحرصه على الاستقرار والهدوء، بما يعنيه من إظهار لبنان وحزب الله القوة المسيطرة عليه، بأنه بلد هادئ ولطيف، ولا يتسبب بأي إشكالات إقليمية، ولا حتى بإشكالات محلية، ما يعني أن الحزب قادر على إدارة هذا النموذج، وتسييره، مع ضمان عدم الخروج عن بعض الثوابت الإقليمية والدولية.

في مكان ما، يبقى لدى إيران خيارات للمناورة، خاصة أن طهران ليست في وارد التورط بأي مواجهة، لا بل اللحظة هي للتصعيد غير القابل للتفجير، بل التي تذهب نحو نوع معين من التسويات التي لا بد لها أن تترجم على الأرض. وليس تفصيلاً التحرك الذي يقوم به وزير خارجية عمان يوسف بن علوي. في هذا المجال، يمسك الإيراني بالعديد من أوراق القوة التي يستعد لتقديمها وتنازلها، لإبقاء موقعه قوياً، فهو قادر على تقديم تنازل في فلسطين، وآخر في سوريا، أو في العراق. الأكيد أن الإيراني لن يذهب نحو الانبطاح، بل سيتعاطى بصبر وذكاء مع أي خطوة تنازلية سيقدم عليها. بلا شك أن أي خطوة تنازلية، سيكون لها تداعيات ودونها مخاطر. فلا يمكن لطهران تقديم تنازل في الملف الفلسطيني، يمثّل تنازلاً فاضحاً أو واضحاً، وبالتالي أي تنازل سيكون ضمنياً وليس شكلياً. والوصول إلى اتفاق سيحصل بالشكل العملي، وإن لم يتخذ الطابع العلني.