icon
التغطية الحية

لا ينبغي لمنتصف العمر أن يكون عائقاً.. والحل بتبني عقلية "الشرنقة"

2024.06.04 | 10:50 دمشق

أزمة منتصف العمر - صورة تعبيرية
أزمة منتصف العمر - صورة تعبيرية
The Washington Post- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إن مرحلة منتصف العمر هي المرحلة التي تشهد تغييرات جذرية، وقلة قليلة من بيننا من يحلمون بتحقيق المجد والشهرة خلال النصف الثاني من أعمارهم، إلا أن الكاتب تشيب كونلي الذي حققت مبيعات كتبه أرباحاً طائلة، لديه طريقة مختلفة في التفكير تجاه هذا الموضوع، خاصة بعدما أصبح رائداً في مجال الأعمال المتخصصة بالسياحة والفنادق، ثم أسهم في تأسيس أكاديمية المسنين الحديثة.

في كتابه: "تعلم كيف تحب منتصف العمر"، أورد 12 سبباً لتحسن الحياة بتقدم العمر، وهذا ما دفع كونلي، 63 عاماً، للتساؤل: "ماذا لو استطعنا إعادة تأطير تفكيرنا حول التحول الطبيعي الذي يطرأ في منتصف العمر والنظر إليه على أنه ليس بأزمة، بل إنه أشبه بشرنقة، أي ذلك الوقت الذي يضعف فيه شيء داخلنا إلى أبعد مدى، فنتخلى عن جلدنا، ثم ننشر أجنحتنا، وننثر بذور معرفتنا وحكمتنا في العالم بأسره؟"

البداية في الخمسين

مع الشيخوخة المتسارعة التي أصبحت تطرأ على الشعب الأميركي، ثمة حاجة ملحة جديدة لإعادة تأطير منتصف العمر وجعله فترة واعدة للتحول الإيجابي، وحول هذا الموضوع يشاركنا كونلي بأفكاره المتعلقة بتحقيق هذا التحول، إذ كان والده مثله الأعلى في هذا المجال، بما أنه كان يتمتع بشخصية ثائرة، لكنه اختار الطريق الأسلم في الحياة، إذ بقي يزاول عمله في الشركة نفسها حتى صار في الأربعينيات من عمره، ثم قرر في أواخر تلك الأربعينيات أن يطلق مشروعه الخاص، وفي تلك الفترة بدأت مواقفه تجاه المجتمع والسياسة تصبح ألطف، واكتشف بداخله شغفاً جديداً بالهدف من هذه الحياة ومعناها، أي أنه كان خير مثال لشخص بدأت حياته في الخمسين من عمره.

تشيب كونلي

يخبرنا كونلي أن هنالك ثلاث مراحل للتحول خلال منتصف العمر، وتضم: الختام، الفترة الفوضوية الوسطى، والبداية، والأشخاص الذين يتمتعون بذكاء تحولي عال يحولون الختام إلى طقس، وذلك عندما يطلبون التأييد والمناصرة الاجتماعية، ويبحثون عن الخيط الفاصل عندما يمرون بالمرحلة الفوضوية الوسطى، ويتبنون عقلية النمو والتطور عندما يصلون إلى مرحلة البداية مهما بدوا سخفاء في تلك المرحلة.

الاستثمار في الصحة والعلاقات الاجتماعية

ويتابع بالقول: "علينا أن نتقاعد لنفعل شيئاً لا أن نتقاعد من فعل شيء معين، إذ إننا نستعد تماماً للتخطيط للمهنة التي سنزاولها وتنظيمها في بداية مرحلة البلوغ، لكن الغريب هو أن أغلب المتقاعدين لا يضعون خطة للمشاركة تلهيهم عن الـ 74 ساعة التي يقضيها أي متقاعد أسبوعياً في مشاهدة البرامج التلفزيونية". ويخبرنا بأن الدكتور فيل ريزو مدير كلية الطب بجامعة ستافورد يرى بأن أهم ثلاثة أقسام للتقاعد الصحي تتمثل في العثور على مجتمع مناسب، وتحديد هدف معين، والاستثمار في الصحة.

بيد أن الصحة لا يقصد بها الصحة الشخصية فحسب، بل الصحة الاجتماعية أيضاً إن جاز التعبير، إذ يرى الدكتور روبرت والدينجر من جامعة هارفارد وهو متخصص في الطب العقلي ومدير مركز هارفارد لدراسات التنمية لدى البالغين، بأن العنصر المشترك للصحة بين السعداء من المسنين الذين وصلوا إلى الثمانين والتسعين من العمر هو استثمارهم في علاقاتهم الاجتماعية عندما كانوا في الخمسينيات من أعمارهم.

تجربة قاسية

أصيب كونلي بسرطان البروستات وبقي يعاني منه طوال ست سنوات، وعاود المرض الظهور من جديد لديه عدة مرات، إلا أن قوة إرادة كونلي جعلته يتعلم من هذا المرض أربعة دروس على حد تعبيره، أولها كان درساً عاطفياً، إذ أدرك بأن قوة الإرادة وحدها لا يمكنها أن تهزم المرض، وعن ذلك الدرس يقول: "صرت أقرأ قصيدة "بيت الضيف" لجلال الدين الرومي مرة كل أسبوع طوال السنة الماضية لأذكر نفسي بأن كل المشاعر التي مررت بها كانت مجرد ضيوف وزوار سيظلون يأتون ليطمأنوا على أحوالي طالما أنهم لم يسكنوا عندي".

أما الدرس الثاني فقد كان جسدياً، وتجلى لديه بسلس البول، وبالتعب، وبآلام جسدية، وبزيادة في الوزن وبضبابية في الدماغ، مع اختفاء الرغبة الجنسية، وعن هذا الدرس يحدثنا فيقول: "كانت تلك التجربة مخجلة أكثر من كونها صعبة، ولهذا أدركت بأن جسدي هو عبارة عن سيارة مستأجرة حصلت عليها عندما ولدت، فقدتها قاطعاً بها كيلوميترات وراء كيلومترات، لذا فإنني بحاجة لأن تظل هذه السيارة بحوزتي، لا من أجل أن أرضي غروري على المدى القصير، بل من أجل صحتي على المدى البعيد".

نأتي للدرس الثالث، وهو درس يتصل بالعلاقات، إذ يا لها من نعمة أن نمضي أفضل الأوقات بصحبة الأهل في أواخر عمرهم، ويضيف المؤلف على ذلك بقوله: "صرت أطلب مزيداً من الحب من حبيبتي أورين التي أدركت بأني لم أعد أحتاج لها بل لحبها".

الدرس الرابع والأخير كان درساً روحانياً، وهو درس وجودي بالنسبة لكونلي، إذ بدلاً من الخوف من المجهول، صار يحاول أن يقهره بالإيمان بأنه سيخرج شخصاً أفضل بعد تلك التجربة.

بعد منتصف العمر تنضج تجربة المرء، فتسيل منه الحكمة، لكن كونلي يخبرنا بأننا قبل أن نُظهر مدى ذكائنا وتعاطفنا من خلال النصيحة، علينا أن نتفهم الوضع العقلي والروحي للمرء الذي يطلب المساعدة، أي إن السياق والتوقيت يختصران كل شيء هنا.

عند سؤال كونلي عن الحاجة للحب في منتصف العمر، وهل يحرمنا منها الكد في العمل والمقاصد التي نسعى لتحقيقها أجاب: "هذا يعتمد على الشخص، إذ عندما يبدأ النصف الثاني من حياتنا، نكون قد تعلمنا ألا نشخصن كل شيء وألا نهتم كثيراً بآراء الناس بنا لأنهم لن يفكروا بنا كما نفكر بأنفسنا".

في كتابه "تعلم كيف تحب منتصف العمر"، يحدثنا كونلي عما كتبه المؤلف والفيلسوف الألماني آلبرت شفايتزر حينما قال: "في حياة كل منا تنطفئ النار داخلنا في مرحلة من المراحل، ثم تتفجر متحولة إلى لهيب عندما يلتقي المرء بإنسان آخر، ولهذا علينا أن نكون ممتنين للأشخاص الذين يجددون إذكاء تلك الروح بداخلنا"، أي أنك عندما تصبح بأمس الحاجة للاختفاء وراء حجب كثيرة، عندئذ عليك أن تبحث عن أشخاص يمكنهم أن يتحولوا إلى "ضمان عاطفي" بالنسبة لك.

المصدر: The Washington Post