لا لانفصام الرؤية

2019.10.13 | 18:30 دمشق

تَحَكَّمَ الاستبداد بحياة السوري لعقود؛ أفقره أو قتله أو اعتقله أو شرّده؛ ثم استعان عليه بالاحتلال، عندما خرج طالباً جرعة حرية. وزاد إمعاناً في سحقه وتدمير بلده باستجلابه ميليشيات إيران واحتلال الروس لبلده. كل ذلك كان مدعاة لاستباحة بلد توعّد الاستبداد أن يدمره، إن لم يحكمه.

عرف نظام الاستبداد منذ البداية أنه يحتاج إلى ذريعة قوية كي يبطش بمن يعارضه، فوجد أن البضاعة الرائجة والحجة القاطعة هي /الاٍرهاب/؛ فالعالم يعطيك كل التبريرات بمقاومته. استخدم النظام في قمع شعبه كل صنوف القتل، بما فيه السلاح الكيماوي، تحت هذه الذريعة.

كانت استباحة نظام الاستبداد لكرامة وحياة الإنسان السوري وأرضه مدعاة ودعوة لقوى إقليمية وعالمية كي تفعل الشيء ذاته:
- قتل النظام الإنسان السوري؛ فاستهانت تلك الميليشيات وقوى الاحتلال بحياة السوري، فقتلته.
- اعتقل النظام آلاف السوريين، ففتحت الميليشيات الإرهابية وقوى الاحتلال معتقلات خاصة بها للسوريين.
- دمر بيوتهم وأسواقهم ومستشفياتهم ومدارسهم، ففعلت الميليشيات والاحتلال الشيء ذاته.
- شرّد النظام السوريين وحول الملايين منهم إلى نازحين ولاجئين، ففعلت تلك القوى الغاشمة الخارجية المتدخلة بسوريا الشيء ذاته.
 - سعى النظام إلى تغيير ديمغرافي، وتحدث عن "مجتمع متجانس" و "سوريا المفيدة"؛ فلم يجد هؤلاء المتدخلون بسوريا غضاضة بفعل ذلك.
- اعتبر نفسه محررا لبعض المناطق السورية عندما كان يقتلع السوريين منها، تجرأت قوى التدخل على الفعل ذاته مبررة أفعالها بالطريقة ذاتها.

تحويل سوريا إلى أرض مستباحة؛ شجع إسرائيل على ضم الجولان السوري رسمياً، كما جعل روسيا تضع يدها على موانئ سوريا وتحدد إيقاع النفس السوري؛ وجعل إيران تتغول بنسيج الحياة السورية وتمزقه. سوريا المستباحة

لا تفيد السوري العواطف والاندفاعات. ولا التهويش يُخرِج احتلالاً؛ ولا يجعلك وطنياً إن أدنت؛ ويجعل غيرك غير وطني إن لم يدن

أتاحت لإرهاب "داعش" و "بي كي كي" أن يستشري محولاً الشمال الشرقي السوري إلى كيان انفصالي مستغلاً الوضع المستباح وتقاسم القوى للكعكة السورية؛ ومنها انطلق إلى تهديد عدوته التاريخية تركيا.

في هذا السياق يمكن فهم معنى الدخول التركي أرض سوريا. فبإمكان تركيا أن تقول إنها تستهدف من يهدد أمنها القومي، وذاك الذي يهدد ويرحّل سكان المنطقة، ويغيّر ديموغرافيتها؛ وإنها تريد خلق منطقة آمنة تعيد إليها جزءاً من السوريين اللاجئين فيها إلى بلدهم.

لا تفيد السوري العواطف والاندفاعات. ولا التهويش يُخرِج احتلالاً؛ ولا يجعلك وطنياً إن أدنت؛ ويجعل غيرك غير وطني إن لم يدن.

هناك وجوب للنظر في المسالة بكليتها وإلى جذرها، وليس إلى تداعيات خارج سياقها الفعلي.

أصيب السوري بداء اختلاط الصورة؛ لم يعد يميز العدو من الصديق صاحب المصلحة، من المحتل. فاته أن هناك خنجراً جديداً في الشمال الشرقي السوري تدافع عنه إسرائيل لأنه سيتطوّر إلى كيان يشبهها؛ وهناك مَن يهدد هذا الخنجر الجديد أمنه القومي، فانبرى لإخراجه؛ وهذا سيكون في صالح السوريين في النهاية.

وحتى لا يكون هناك انفصام في الرؤية، لا بد من القول بأنه طالما تسببت منظومة الاستبداد بوجود كل تلك الضباع على الجسد السوري، فما معنى استنكار الانتهاك للأرض السورية؟! وهل ينطبق الأمر ذاته على أولئك الذين استنفروا تجاه فعلة تركيا؛ وهل أتى هؤلاء لنجدة السوري ودعمه الفعلي للخلاص من الوباء؟! ليت هؤلاء يستنفروا لمقاومة إسرائيل، وتخليص الجولان من أنيابها، ليتهم يتكاتفون ويأتون لنجدة السوري وتخليصه من الاحتلال الإيراني الروسي؛ والأهم لتخليصه وتخليص سوريا من منظومة الاستبداد التي تسببت بكل هذا البلاء لسوريا وأهلها.

يكفي أن نتذكر أن "بي كي كي" وتفرعاته، التي حاولت جاهدةً التنسيق مع نظام الاستبداد وإيران وإسرائيل، لم تكن إلا جسداً غريباً مؤذياً للقضية السورية، وخاصة الكرد السوريين.

أخيراً، لا يريد السوري يداً أو قدماً غريبة على أرض سوريا، تماماً كما لا يريد إرهاباً يستغله نظام الاستبداد أو غيره حجة لتحقيق مصالح او مآرب. يريد السوري إبطال السبب والخلاص من المسبب الأساس بالبلاء الذي حدث ويحدث. ولا بد من إزاحة كل ما ومن يساهم باستمرار المأساة، عبر خلق الحجج والذرائع.