icon
التغطية الحية

كيف غيّر زلزال شباط نظرة المجتمع للمرأة السورية

2023.06.13 | 10:44 دمشق

نساء يخرجن وينتشرن بين أنقاض الزلزال لينقذن أرواح الناس في شمال غربي سوريا
صورة تعبيرية عن وضع المرأة بعد الزلزال المدمر
Metro.co.uk-ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كانت عضواً في مجتمع يناصر المحادثات السلمية حول مشاركة المرأة، وكانت تعمل على سن دستور جديد للبلد، إلا أن عملها انقطع فجأة مع الساعات الأولى من فجر 6 من شباط، عندما ضرب زلزال مدمر شدته 7.7 درجات جنوب شرقي تركيا، بالقرب من الحدود مع شمال غربي سوريا.

كانت رئيفة التي توفيت في ولاية هاتاي التركية واحدة من المئات الذين قضوا في تلك المأساة.

ولهذا خصص تقرير جديد تحت عنوان: التعرف على التأقلم: قيادة النساء في الاستجابة لزلزال شمال غربي سوريا وما بعده، للحديث عن رئيفة والعشرات غيرها ممن قضى الزلزال على حياتهم، حيث أعدت نيقولا بانكس من منظمة آكشن فور هيومانيتي ومارك غزالي هذا التقرير الذي صدر أيضاً عن منظمة ActionAid في المنطقة العربية.

 

SUNDAY 8AM: How women?s rights have shifted in Syria since February?s deadly earthquake

امرأة تقدم الإغاثة بعد الزلزال في الشمال السوري

بداية، أجرى الباحثان مقابلات مع نساء سوريات وبحثا بدورهن قبل الزلزال وأثناءه وبعده، حيث ذكرت نيكولا لموقع ميترو بأن: "رئيفة كانت امرأة رائعة وقائدة حقيقية تناصر قيادة المرأة، ولهذا لم تأت وفاتها كخسارة حقيقة فحسب، بل أيضاً كانت دافعاً فعلياً للكثير من النساء غيرها قبل الزلزال وأثناءه وبعده، إذ اكتشفت النساء اللواتي أجرينا مقابلات معهن بأنه من المهم مواصلتهن لعملهن وللإرث الذي خلفته رئيفة، ولكن هنالك سردية تحتفظ بها النساء السوريات وهي أنهن لسن فاعلات حقيقيات في حياتهن ومجتمعهن وأي عملية سياسية، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن القيادة الذي ظهرت عقب الزلزال خُلقت على يد النساء أنفسهن.

بوسع النساء فعل أي شيء

تحدثنا إلى إحداهن، واسمها دلال، فوصفت لنا كيف انتشرت النساء بين الأنقاض، وأخذن ينقذن أرواح الناس، والمجتمع بأكمله رأى كل ذلك بأم عينه، إذ لا يمكن للمرء أن يفعل شيئاً كهذا دون أن يعتبره الجميع بطلاً.

تشرح لنا نيكولا بأن النساء كن يقمن بأدوار طوال فترة النزاع السوري، إلا أن ما يقمن به لم يكن مرئياً، وتضيف: "لقد غيّرت الاستجابة للزلزال ذلك الوضع".

 

A woman reaches into the rubble to discover achildren's toy (Picture: White Helmets)

متطوعة لدى الخوذ البيضاء تخرج دمية لطفلة من بين الأنقاض التي خلفها الزلزال

فالصور التي التقطت عبر منظمات إغاثية مثل الخوذ البيضاء، تظهر ردة فعل المجتمعات على مستوى دولي، إذ أظهرت الصور والتقارير الإخبارية نساء يعملن جنباً إلى جنب مع الرجال، ويضطلعن بمسؤوليات حساسة كما يحشدن الموارد.

وعقب الزلزال مباشرة، نقلت بضع نساء أخريات إلى بر الأمان.

بدأت الهزات عند الساعة الرابعة فجراً والناس نيام، ما يعني بأن بعض الأزواج اضطروا لمناشدة نساء أخريات بشدة حتى ينقذن زوجاتهم من بين الأنقاض، بما أن أمر حشمتهن يقلقهم.

هذا ولقد تعاونت نساء كثيرات خلال الاستجابة للزلزال، وبقين على تواصل بعده، بحسب ما اكتشفه الباحثان، فكونّ بعد ذلك صداقات دائمة بوسعها أن تتطور لتتحول إلى شيء أكبر وأهم، ولقد اطلعت بعض تلك السوريات الباحثين على بعض من قصصهن وأخبارهن، إذ تقول ديانا: "تعرضت لضغط من الرجال أثناء تقديم الاستجابة في المخيمات، إذ صرخ أحدهم في وجهي وقال: ما الذي تفعلينه هنا؟!، وكاد أن يهجم علي، ولكن في نهاية الأمر شكرني، وصار رجال المخيمات يدعونني اليوم لمجالستهم وشرب القهوة معهم".

تحدثنا دلال عن التحول الكبير الذي خلقته ردة فعل النساء في سوريا، فتقول: "لم تكن مشاركة النساء في عمليات الإنقاذ شيئاً مألوفاً بالنسبة للمجتمعات المحلية، بيد أن المتطوعات لدينا قمن بهذا العمل في السابق عند قصف المباني، ولكن قبل الزلزال لم نكن نرى سوى بضع نساء، ولم يكن هنالك أشخاص على الأرض حتى يشاهدوا ذلك، ولكن بعد الزلزال، رأى الجميع كيف كبر عدد النساء المشاركات، وهكذا أثبتت النساء لأنفسهن بأنهن قويات وقادرات على القيام بالمسؤوليات نفسها التي يقوم بها الرجال، وإذا كان بوسعهن إنقاذ الناس من بين الأنقاض، فهذا يعني بأنهن قادرات على القيام بأي شيء، ولهذا تحولن إلى بطلات اليوم بنظر الجميع".

عوائق عديدة تقف أمام تمكين المرأة السورية

أتت تلك الكارثة قبل بضعة أسابيع على الذكرى الثانية عشرة لانطلاق الثورة السورية ضد بشار الأسد، ضمن موجة الربيع العربي التي أطاحت بعدد من الحكام المستبدين.

وفي بداية النزاع السوري، كان الرجال يهيمنون على محادثات السلام.

SUNDAY 8AM: How women?s rights have shifted in Syria since February?s deadly earthquake

امرأتان تعملان لخدمة المجتمع في شمال غربي سوريا

إلا أن قادة الحملات ناضلن لسنين طويلة حتى يغيروا ذلك الواقع، وتحولت ردة فعل النساء تجاه زلزال شباط من الأدلة المهمة على الدفع نحو ذلك التغيير.

بناء على مسح شمل 76 امرأة في شمال غربي سوريا، تبين بأن 89.5% من المشاركات قد تحدثن بأن النساء صرن ينخرطن بشكل أكبر كما زاد تمكينهن وقوتهن في دعم المجتمع عقب الزلزال، ومن بين المشاركات، تحدثت 86.8% منهن بأنهن شعرن على المستوى الشخصي بأن مشاركتهن وتمكينهن صار أكبر في دعم المجتمع خلال فترة الاستجابة للزلزال.

SUNDAY 8AM: How women?s rights have shifted in Syria since February?s deadly earthquake

امرأة ملهمة في الشمال السوري

 

ولكن، كما تبين في تقرير التعرف على التأقلم، بقيت أمامهن عدة عوائق، إذ ما يزال العنف القائم على النوع الاجتماعي منتشراً في سوريا، وكذلك الظلم على المستوى الاقتصادي، مع خسارة القائدات الملهمات، وكل تلك العوامل تمنع حدوث التغيير المنشود.

إذ ذكرت إحدى السوريات للباحثين: "العنف القائم على النوع الاجتماعي زاد عقب الزلزال، فبعدما دمرت بيوتهن، أصبحت النساء اليوم يعشن في ظروف غير ملائمة لهن دون ترك مسافة فاصلة ضمن المخيمات المخصصة للنازحين"، كما زادت الشدة على الناس وكثرت الضغوط، فصرنا نشهد اليوم آليات تأقلم سلبية، ومن خلال خبرتي تبين لي بأن العنف العاطفي هو الأكثر شيوعاً بين أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلاً عن الاستغلال والعنف الجنسي الذي لم يستثن القاصرات، والمشكلة هنا هي أن الضحية لا تحكي ما جرى لها، بسبب وجود الكثير من المحرمات التي تحيط بها".

 

A Syrian girl stands amidst debris from a collapsed building on February 7, 2023, in the town of Jandairis, as search and rescue operations continue following a deadly earthquake. - The death toll from the massive earthquake that struck Turkey and Syria rose above 8,300, official data showed, with rescue workers still searching for trapped survivors. (Photo by Bakr ALKASEM / AFP) (Photo by BAKR ALKASEM/AFP via Getty Images)

طفلة سورية تقف بين الأنقاض التي خلفها الزلزال

 

قبل وقوع الزلزال، قدر عدد اليافعات اللواتي يقمن في المخيمات داخل سوريا بنحو 75% وهذا ما حرمهن من الذهاب إلى المدرسة بسبب خوفهن من التعرض لعنف جنسي.

TOPSHOT - A Syrian woman, displaced as a result of the deadly earthquake that hit Turkey and Syria two days ago, rests under a tree in a field on the outskirts of the the rebel-held town of Jindayris on February 8, 2023. - A leading United Nations official called for the facilitation of aid access to rebel-held areas in Syria's northwest, warning that relief stocks will soon be depleted. Rebel-held areas near Turkey's border -- hard hit by the 7.8 magnitude earthquake that struck on Monday -- cannot receive aid from government-held parts of Syria without Damascus's authorisation. (Photo by Bakr ALKASEM / AFP) (Photo by BAKR ALKASEM/AFP via Getty Images)

امرأة شردها الزلزال في الشمال السوري

تضامن نسائي

في الوقت الذي تواصل فيها تركيا وسوريا عملية إعادة البناء بعد الزلزال الذي دمر مساحة تعادل مساحة ألمانيا تقريباً، عادت بعض النسوة اليوم لحياتهن الطبيعية، إلا أن ذلك خلق بينهن إحساساً بالتضامن، بعدما شعرن بالقوة خلال الفترة التي أمضينها على جبهة الاستجابة من أجل الزلزال، إذ تقول فاطمة للباحثين: "قبل الزلزال، لم يكن أحد يعرف بأن هنالك قائدات، لأنهن لم تكن معروفات إلا على المستوى المحلي، ولكن الآن أصبح الجميع يعرف بأن للنساء دوراً فاعلاً وبأن لديهن مهارات، فقد اكتشفنا النساء الفاعلات اللواتي لم نكن نعرف بوجودهن، إذ مثلاً كنا نسمع دوماً عن وجود مركز للدفاع المدني دون أن ندري بأن فيه نساء يعملن إلى أن رآيناهن عند تقديم الاستجابة، إذ في العادة كان دورهن يقتصر على تقديم الإسعافات الأولية في المركز، أو يقمن في مكان بعيد، ولهذا لم نكن نسمع عنهن، أما اليوم فقد تعرفت النساء الناشطات على بعضهن بشكل أكبر بعد وقوع الكارثة".

تسخير التقدم الحاصل لمصلحة المرأة السورية

ورد في ذلك التقرير بضعة مقترحات رئيسية حول أفضل السبل لتسخير التقدم الحاصل لصالح المرأة السورية ولتأمين الحماية لها مستقبلاً، ويشمل ذلك ضمان مشاركة المرأة بعملية صنع القرار في مختلف أجزاء المجتمع ومستوياته، ودعم المنظمات النسائية السورية، والاستثمار في البرامج التي تعزز وجود منهجية شاملية تتصل بالمساواة بين الجنسين.

وأضافت الباحثة نيكولا بأن المجتمع الدولي بوسعه أن يعمل على إنعاش سوريا على المدى البعيد.

وقد خلص ذلك القرير إلى أنه: "عندما تتم مشاركة النساء في عملية صنع القرار، فإنهن يلعبن دوراً تحولياً في بناء حالة سلام دائمة، كما تعزز مشاركتهن فهماً أشمل للنزاعات وعواقبها، ما يؤدي إلى الخروج بسياسات ومبادرات تشاركية تتطرق لاحتياجات جميع أفراد المجتمع، وعبر الاعتراف بالدور المهم لقيادة المرأة وتسخيره في هذا الاتجاه يمكن تمهيد الطريق أمام مستقبل تزداد فيه المشاركة ويسوده العدل والتأقلم بنسبة أكبر في شمال غربي سوريا".

يذكر أن هذا التقرير صدر قبل مؤتمر بروكسل السابع المعني بسوريا، والذي يعقد لضمان استمرار دعم الشعب السوري، حيث يتم ذلك عبر حشد المجتمع الدولي لدعم التوصل إلى حل سياسي شامل ومنطقي للنزاع في سوريا بما يتماشى مع القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.

كما سيعقد اجتماع طاولة مستديرة يوم الثلاثاء المقبل لمناقشة نتائج تقرير التعرف على حالة التأقلم.

المصدر: Metro.co.uk