كيسنجر في الصين.. عود على بدء النظام العالمي

2023.08.01 | 06:19 دمشق

كيسنجر في الصين.. عود على بدء النظام العالمي
+A
حجم الخط
-A

صاحب المئة عام، في الصين، حاملاً معه تجربة أكثر من أربعين عاماً على فتح مسار العلاقات مع العملاق الشرقي. تضيء زيارة هنري كيسنجر إلى بكين جوانبَ مهمّةً وأساسية في رؤية استراتيجية أميركية حول العلاقة مع الشرق والعودة إلى تجربة السبعينيات في استقطاب الولايات المتحدة للصين بعيداً عن الاتحاد السوفييتي، وهو ما يفتح المجال أمام كثير من القراءات للعلاقة الصينية مع روسيا، إذ تتنوع القراءات بشأنها، فهناك من يصفها بالعلاقة التحالفية والتشاركية ذات الهدف الموحد، وهو مواجهة الغرب وإسقاط الأحادية الأميركية. وهناك من يرفض تصنيف علاقة روسيا والصين في خانة التحالف، خصوصاً بعد الحرب الأوكرانية. ويذهب القائلون بالرأي الثاني إلى وصف الصين بالدولة النفعية، ويلفت هؤلاء إلى أن الصين تعتبر أن حرب روسيا في أوكرانيا عرقلت خطّتها لإضعاف الغرب وتقاسم النفوذ العالمي معه. ويشيرون إلى أن الصين غير قادرة على أن تكون في مواجهة مع الغرب إلى جانب روسيا في هذه الحرب، وغير قادرة على الوقوف في مواجهة مع روسيا لأنها ستكون محسوبة على المشروع الغربي.

من أهم التوجّهات الصينية هي أن بكين لا تريد الانخراط مع تايوان في أي حرب مشابهة للحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما أن منطقة آسيا كلها ستصبح في حالة استنفار

لذلك، تقدّمت الصين قبل فترة بمبادرتها لوقف الحرب في أوكرانيا. وبمجرد التقدم بمبادرة، فهذا يعني اتخاذ موقف ضمني يبعد الصين عن خانة الحليف والشريك لروسيا. بالتالي، تقول الصين إنها على الرغم من الاختلاف الجوهري مع الغرب، هي ليست إلى جانب بوتين، ولا تريد الانجرار إلى صراعات قد تؤدي إلى تفجر حروب، خصوصاً أن دخول بوتين إلى أوكرانيا صعّب محاولات الصين للسيطرة على تايوان من خلال استراتيجية ابتلاعها بهدوء؛ لذا فإن أي حركة يمكن أن تقوم بها بكين في اتجاه تايوان، ستُشبَّه بخطوة روسيا في أوكرانيا. بينما كان المشروع الصيني في تايوان على غرار ابتلاعها هونغ كونغ.

ومن أهم التوجّهات الصينية هي أن بكين لا تريد الانخراط مع تايوان في أي حرب مشابهة للحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما أن منطقة آسيا كلها ستصبح في حالة استنفار، بدءاً من اليابان التي قد تذهب لطلب المظلة النووية الأميركية، بالإضافة إلى الفيليبين وأستراليا وكل حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في شرق آسيا، على قاعدة أن التنين الصيني سيلهب المنطقة. وصحيح أن الصين لم تذهب لتقديم أي دعم عسكري لروسيا، إلا أنها تنجح في محاولات التفاوض مع الغرب باستغلال الواقع، بحثاً عن تدعيم الشراكة الصينية مع الغرب. هنا يبرز تصريح كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في بكين، على أنّه "من المستحيل احتواء أو تطويق" الصين، مشيدا بدور كيسنجر في فتح العلاقات بين واشنطن وبكين. ولفت يي في حديثه لكيسنجر البالغ من العمر 100 عام في اجتماع في بكين، إلى أنّ "تنمية الصين تتمتع بزخم داخلي قوي ومنطق تاريخي لا مفر منه، ومن المستحيل محاولة تغيير الصين، بل إنه من المستحيل تطويق الصين واحتواؤها". وفقا لبيان وزارة الخارجية.

لا تنفصل زيارة كيسنجر عن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، وهو ما يمكن أن يكون تكملة للاتفاق بين البلدين خصوصاً حول ضبط مستوى الخلافات

وقد أعلنت وزارة الدفاع الصينية، أن كيسنجر التقى بوزير الدفاع الصيني لي شانغفو في بكين. ولفتت إلى أنّ كيسنجر ذكر أنه في بكين "كصديق للصين"، وأشار إلى أنّه "يجب على الولايات المتحدة والصين القضاء على سوء التفاهم والتعايش السلمي وتجنب المواجهة"، موضحًا أنّه "لقد أثبت التاريخ والممارسة مرارا وتكرارا أنه لا يمكن للولايات المتحدة ولا الصين التعامل مع الآخر كخصم". ووفق البيان، حث وزير الدفاع الصيني، خلال اللقاء، واشنطن على اتخاذ "القرار الاستراتيجي الصحيح"، معربا عن أمله في أن تتمكن الصين وأميركا من العمل معا "لتعزيز العلاقة بين البلدين والجيشين".

لا تنفصل زيارة كيسنجر عن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، وهو ما يمكن أن يكون تكملة للاتفاق بين البلدين خصوصاً حول ضبط مستوى الخلافات: اتفق الجانبان الأميركي والصيني خلال الزيارة على الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة من أجل حلحلة وإدارة الخلافات بالسبل السلمية والدبلوماسية. وتم الاتفاق كذلك على استمرار العمل بما تم التوافق بشأنه بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، والرئيس شي، باجتماع بالي، في نوفمبر 2023، حيث تعهدا بالالتزام بالتفاهم المشترك وعدم تأجيج حرب باردة جديدة، أو العمل على تغيير الأنظمة. ومواصلة التعاون الاقتصادي، إذ أكدّ بلينكن، على هامش الزيارة، أن واشنطن لا تسعى إلى تقويض اقتصاد الصين، بل ترغب في نموه، لأن ذلك يصب في صالح الولايات المتحدة، مؤكداً أنه ليس في نية الولايات المتحدة القطيعة الاقتصادية مع الصين، نظراً للمصالح الاقتصادية والتجارية الضخمة التي تربط بين الجانبين. إنها عودة إلى نظرية كيسنجر في الاتجاه نحو تشاركية لإدارة النظام العالمي.