icon
التغطية الحية

قناديل سوريا.. محمد محسن

2022.06.25 | 13:52 دمشق

ybybyb.jpg
+A
حجم الخط
-A

(الليلة الليلة، سهرتنا حلوة الليلة)، أغنية مرحة، تنضح بالحب والسعادة، يغنيها الناس في جلسات الطرب، والأعراس، وضمن وصلات القدود، ويقوم بعضُ المطربين بتسجيلها في حفلاتهم الخاصة، ليس بوصفها جزءاً من تراث مدينة دمشق وحسب، بل ومن تراث بلاد الشام.. وعلى اليوتيوب تسجيل بصوت العندليب عبد الحليم حافظ، عندما كان على سرير المرض في أحد مشافي لندن، ويبدو أنهم منحوه، في ذلك الوقت، جرعةَ أمل بالشفاء، أو أن امرأة يحبها ستأتي لزيارته، فراح يغني: الليلة الليلة، سهرتنا حلوة الليلة.

أول من غنى هذه الأغنية بصوته، ومن ألحانه، كان الموسيقار السوري الكبير محمد محسن، المولود في دمشق 1922، واسمه الأصلي محمد أحمد الناشف. وهذه مناسبة لأقول إن وجود اسمين، أحدهما حقيقي وثانيهما فني، لهذا الرجل، قد أحدث التباساً.. فعندما مشت جنازته في حي "قصر حجاج" بدمشق، يوم الـ13 من شباط 2007، كان فيها عدد قليل من المشيعين، وكان المقرئ المرافق للجنازة يقول عبر مكبر الصوت: ترحموا على أخيكم محمد أحمد الناشف.. فلو أنه أعلن أن المتوفى هو الموسيقار الكبير محمد محسن، لكان، على ما أرجح، لقي حفاوة تليق بقامته.

تجربته الفيروزية

الذين لحنوا لفيروز، طوال مسيرتها الفنية، من خارج المؤسسة الرحبانية، ثلاثة: أولهم فيلمون وهبي من لبنان، وثانيهم محمد عبد الوهاب من مصر، وثالثهم محمد محسن من سوريا.. وقد لحن لها: سيدُ الهوى قمري. لو تعلمين. ولي فؤادٌ. جاءت معذبتي. أحب من الأسماء ما شابه اسمها.. ومع ذلك؛ فإن شهرة محمد محسن لم تأت من خلال هاتيك الأغنيات التي انتشرت انتشاراً واسعاً بسبب عذوبة ألحانه بالإضافة إلى شعبية فيروز والرحابنة.. فمحمد محسن كان موجوداً على الساحة الغنائية السورية (والعربية) قبل هذا بزمن طويل، وتحديداً منذ الأربعينات، وللتذكير؛ هو كان من الأركان الأساسية لإذاعة دمشق التي افتتحت يوم 3 شباط 1947.

مع سعاد محمد

تحتار، وأنت تستعد للحديث عن محمد محسن، ذلك الموسيقار الكبير الذي لم ينل حقه من الشهرة، صاحب الألف لحن، من أية زاوية تدخل إليه. هل تتحدث عن بداياته، فتقول إنه تعلم الموسيقا والغناء والعزف على العود من الموسيقي الشهير صبحي سعيد الذي لحن له، بعدما أكمل تدريبه، أولى أغنياته "أحلى يوم عندي قربك"؟ أم تنظر إليه من خلال المطربة الكبيرة سعاد محمد التي لحن لها أغنية "مظلومة يا ناس مظلومة" فكانت مفتاح انطلاقها وشهرتها؟ (بالمناسبة: هذه الأغنية ما تزال تحظى باهتمام الناس في كل مكان. وفيما بعد لحن محمد محسن لسعاد محمد اثنتين وعشرين أغنية).

مع وردة الجزائرية

يقول معظم دارسي الفن إن شهرة وردة الجزائرية بدأت عندما ذهبت إلى السينما لتشاهد فيلم "الوسادة الخالية" 1957، فأدهشها لحنُ أغنية يغنيها عبد الحليم حافظ في بداية الفيلم، اسمها "تخونوه"، ومن فرط حبها الأغنية حضرت الفيلم 12 مرة، وفي كل مرة كانت تستمتع بلحن تلك الأغنية، وتستزيد، وهذا ما جعلها تبحث عن ملحنها، وعندما عرفت أنه بليغ حمدي بدأت تفكر بضرورة أن تتعرف به، وتغني من ألحانه، وبعدها التقت معه بالفعل، ولحن لها بعض الأغنيات في فيلم "ألمظ وعبده الحامولي" 1962، ومنها (يا نخلتين في العلالي).. وبعد ذلك تحابا، وتزوجا... إلى آخر الحكاية.

ولكن سبب شهرة وردة، في الحقيقة، يبدأ من أغنية كتب كلماتها محمد علي فتوح، ولحنها محمد محسن، يقول مطلعها:

دق الحبيب دقة في منتهى الرقة

فتحت له قلبي، وما قولتلوش لأَّ

ثم أتبعها باثنتي عشرة أغنية أخرى، منها:

على باب حارتنا يما

أسمر يا روحي عليه

وأنا رايحة وجاية يما

ينده لي والشوق في عينيه يما

مع نازك

في الخمسينيات، سافرت المطربة اللبنانية نازك (هبة الحسيني 1928- 1999) إلى مصر، وتعرفت على كبار الملحنين، ومثلت فيلما مع محمد فوزي، ولحن لها كل من فريد الأطرش ورياض السنباطي ومحمد الموجي وعلي إسماعيل.. ومن أشهر أغانيها وأعذبها، بالطبع (يا حلوة تحت التوتة)، من ألحان محمد محسن.

جانب من السيرة

كتب زياد عساف، في صحيفة الرأي، أن محمد محسن كان متأثراً بألحان زكريا أحمد ورياض السنباطي، وأحمد صدقي، وبقي محافظاً على الطبيعة الشرقية لألحانه، وبعدما سافر إلى القاهرة، في مطلع الخمسينيات، كلفه رئيس قسم الموسيقا في الإذاعة المصرية، محمد حسن الشجاعي، بالتلحين لمطربي الإذاعة المصرية، فلحن لكل من محمد رشدي ونجاة الصغيرة وشريفة فاضل وعادل مأمون، وللشحرورة صباح، ولمحرم فؤاد (أبحث عن سمراء)..

وهناك أغنية بعنوان "نسيت كيف نسيت"، يذكر زياد عساف أن محمد محسن لحنها لنجاة الصغيرة، ولكن الغريب في الأمر أن الأغنية ليست موجودة على يوتيوب بصوت نجاة، بل بصوت مطربة مغمورة اسمها "مواهب"، وحتى غوغل لا يرشدنا إليها، مع أنني أسمعها منذ صغري، وأحفظ بعض كلمات مقدمتها:

نسيت، كيف نسيت

ما بتذكر شو حكيت

نحنا أحبابك كنا

ما بيسوى تطلع منا

ياما لعنا جيت.