قمة الناتو.. حماية الديمقراطية بالقوة العسكرية

2023.07.14 | 05:43 دمشق

قمة الناتو.. حماية الديمقراطية بالقوة العسكرية
+A
حجم الخط
-A

بالنظر إلى قمة حلف الناتو في ليتوانيا، يمكن استخلاص مسألة أساسية أن مبدأ القوة لم يعد كلمة يخجل منها حلف شمال الأطلسي، هو يمنح أعضاء الحلف بقيادة أميركا ثقة كبرى، قائمة في الأساس على رأي عام قبل سنوات قليلة كان معادياً لأي حرب ولاستخدام القوة العسكرية. بسبب الحرب الأوكرانية واقتراب النيران من قلب الدول الأوروبية جعل هذا الرأي العام يميل لمبدأ حماية الديمقراطية بالقوة العسكرية، وهو ما جعل دولاً مثل السويد وفنلندا لأول مرة في التاريخ تخرج عن مبدأ الحياد إلى التحالف العسكري أو الدخول بمعسكرات. 

ستؤسس هذه القمة إلى نوع من توازن الرعب لكل الطامحين للمنافسة على إدارة العالم أو إنتاج نظام عالمي، ومحاصرة روسيا إلى حدّ احتمال انهيار روسيا أو نظامها أو اتحادها. منذ مطلع القرن العشرين كتب القانون الدولي إن كان بالتجارة أو بشروط السلام والأمن أو بحقوق الشعوب بتقرير مصيرها، أو بإنشاء المؤسسات الأممية، وهو الذي قام عليه النظام العالمي، هذه كلها بالنظر إلى مواقف الغرب، يتم التشديد عليها وتأكيدها، في مواجهة دعوات سواء كانت صينية أو روسية لإعادة النظر فيها أو الخروج عنها.

سابقاً حاولت الصين تدمير كل القوانين التي لها علاقة بالملكية الفكرية وقوانين التجارة، ولكنها فيما بعد فشلت وأصبحت مضطرة للتكيف مع هذا الواقع

هناك جملة مبادئ أساسية تنظم علاقات الشعوب والدول، يسعى الغرب إلى إعادة التأكيد عليها، وهو ما سيوجب على الصين التكيف والتفاهم مع هذه الوجهة، في حين تحرص أميركا على تفوقها الصناعي والعسكري والتكنولوجي، في حين تحرص الصين على منافسة هذا التفوق، فسيكون الطرفان محكومين بالتوافق على كيفية إدارة هذا التنافس. فسابقاً حاولت الصين تدمير كل القوانين التي لها علاقة بالملكية الفكرية وقوانين التجارة، ولكنها فيما بعد فشلت وأصبحت مضطرة للتكيف مع هذا الواقع. وهذه كلها قوانين وضعها الغرب منذ أيام ويلسن وصولاً إلى بايدن.

الخيار التركي في إعادة الاندماج بالأطلسي، يؤكد الوجهة التركية وطموحها نحو الغرب، وهو ما يتجلى بنقطتين الموافقة التركية على دخول السويد إلى حلف الناتو، والثانية مطالبة أردوغان بإعادة المساعدة في سبيل الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. قد لا يكون تحقيق النقطة الثانية بالأمر السهل، وقد يكون شبه مستحيل من الناحية القانونية والإجرائية، ولكن الأكيد أنه مؤشر على الوجهة التركية، فيما لا بد لأنقرة من أن تكون قد وعدت بتقاضي الأثمان عن هذه الخطوات، وهو ما سيكون له انعكاسات في أكثر من منطقة، خاصة أنه ضمناً قد يقود إلى فكرة الثأر من روسيا سواء في سوريا أو غير سوريا، هناك ثأر لا بد لتركيا أن تبحث عنه من روسيا من دون مواجهة. وفي مراقبة بعض التطورات التي يشهدها الداخل السوري، يمكن التأكد من زيادة منسوب التعاون الأميركي التركي، في مقابل موقف روسي معارض في مجلس الأمن الدولي لقرار إدخال المساعدات، هذا أيضاً يؤشر على الافتراق بالوجهات. التعاون أيضاً يتجلى في ترتيبات أمنية تتعلق بإدلب وحملات توقيف الكثير من المحسوبين على جبهة النصرة بتهمة التجسس إما لصالح روسيا، وإما لصالح النظام أو إيران. مثل هذه المؤشرات لا بد أن يكون لها تداعيات أخرى على المدى الأبعد، ربطاً أيضاً بما تسعى أنقرة لتحقيقه في الملف الكردي.

برزت تعقيدات متجددة على خطّ التفاوض الإيراني الأميركي الذي كان يجري في سلطنة عمان، وسط صعوبات كبيرة تعيق إمكانية الوصول إلى اتفاق على مشارف دخول الولايات المتحدة في مرحلة الانتخابات الرئاسية والتحضير لها

في موازاة هذه التطورات، برزت تعقيدات متجددة على خطّ التفاوض الإيراني الأميركي الذي كان يجري في سلطنة عمان، وسط صعوبات كبيرة تعيق إمكانية الوصول إلى اتفاق على مشارف دخول الولايات المتحدة في مرحلة الانتخابات الرئاسية والتحضير لها. تلك التعقيدات لا تنفصل عن إزاحة المبعوث الأميركي لإيران روبرت مالي والذي كان معروفاً بمواقفه المتقاربة مع طهران، علماً أن الرجل متهم بتسريب معلومات أمنية وسياسية حساسة بعضها يتعلق بالموقف الأميركي من سعي السعودية للحصول على الطاقة النووية السلمية. لا بد لهذا التعثر في المسار الإيراني الأميركي أن يكون له انعكاساته أيضاً على المسار السوري خصوصاً في ظل استمرار التشدد الأميركي بملف التطبيع مع دمشق.