icon
التغطية الحية

قضية الهجرة في ألمانيا.. اتفاقية جديدة باتجاهين وأزمة تجنيس وناخبون جدد

2024.01.25 | 18:11 دمشق

آخر تحديث: 25.01.2024 | 18:11 دمشق

عجوز تركي يحمل هويته الوطنية بيد وباليد الأخرى جواز سفره الألماني - المصدر: إيكونوميست
عجوز تركي يحمل هويته الوطنية بيد وباليد الأخرى جواز سفره الألماني - المصدر: إيكونوميست
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في بعض الأحيان، يبدو الجدل القائم في ألمانيا بشأن مسألة الهجرة مجافياً للواقع، وذلك لأن انخفاض نسبة المواليد في البلد، مع تقلص القوى العاملة يشيران إلى وجود حاجة ماسة لاستيراد طاقات بشرية جديدة، إلا أن ما يشغل معظم المشتغلين بالسياسة هو الطريقة التي يمكن من خلالها إبعاد المهاجرين عن البلد، فلقد تصدر اليمين المعادي للهجرة كل النسب في استطلاعات الرأي، كما زاد ميل الليبراليين نحو التفكير بأن هنالك أنواعاً معينة من المهاجرين غريبة تماماً عن ثقافة البلد، وفي ذلك إشارة ملتبسة لمفهوم النزعة العرقية الألمانية.

صراع بين اليمين واليسار بشأن الهجرة

شهد الأسبوع الماضي نقلة في هذا الاتجاه، إذ في مطلع هذا الشهر، كشف الإعلام الألماني وقائع اجتماع خاص جمع سياسيين من اليمين المتطرف أقيم في فندق فخم بالقرب من برلين في شهر تشرين الثاني الماضي، ناقش خلاله المشاركون فكرة طرد الملايين من الأجانب.

أيقظت هذه الفضيحة اليسار النائم، فنظّم سلسلة مظاهرات كبيرة معادية للفاشية في مدن مختلفة في البلد، وقد شارك أكثر من مليون شخص في الاحتجاجات التي خرجت في عطلة نهاية الأسبوع في عشرات المدن الألمانية خلال الفترة الواقعة ما بين 20-21 من الشهر الجاري.

 

 

تسهيلات في اتجاهين متعاكسين

وفي هذه الأثناء بث الائتلاف الحكومي الذي يضم يسار الوسط والمؤلف من حزب الديمقراطيين الاجتماعيين وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، مشاعر ومعان طيبة تجاه الجدل المحتدم حول الهجرة، إذ أقر في 18 و19 من الشهر الجاري مشروعين لقوانين الهجرة في البرلمان، أولهما أسعد المحافظين لكونه سيسهل عملية طرد طالبي اللجوء الذين تتسم حالاتهم بالغموض، بعدما ارتفع عددهم بشكل كبير منذ نهاية الجائحة. أما القانون الثاني والأهم فسيسهل حصول المهاجرين الشرعيين على الجنسية الألمانية.

والأسباب التي تقف خلف القانون الثاني واضحة، بالرغم من أن الإعلام الألماني لم يخصص سوى مساحة ضئيلة لمناقشة هذا القانون في لفتة غريبة تجاهه. إذ هنالك 13.4 مليون مقيم في ألمانيا، من أصل 84 مليوناً، لا يحملون الجنسية الألمانية، وأكثر من خمسة ملايين منهم أقاموا في البلد لفترة تزيد على عشر سنوات، وفي بعض المدن زادت هذه النسبة كثيراً، إذ إن 45% من سكان مدينة أوفنباخ وهي أكبر مدن مقاطعة فرانكفورت، أجانب، كما أن ثلث سكان ميونخ وربع سكان برلين أجانب. وقد زاد هذا العدد بسرعة خلال العقد الماضي، ويعود أحد أسباب ذلك إلى وصول مزيد من المهاجرين، وأيضاً بسبب عدم تجنيس ألمانيا لعدد كبير من الأجانب الموجودين أصلاً على أراضيها.

نسبة تجنيس ضئيلة

بلغت نسبة المجنسين في ألمانيا 1.2% فقط خلال عام 2021، وهذا ما يعكس تخلف ألمانيا عن ركب الاتحاد الأوروبي الذي بلغت نسبة المجنسين فيه خلال العام نفسه 2.2%. فلقد تجاوزت نسبة المجنسين في السويد 10%، بيد أن عدد المجنسين في ألمانيا ارتفع من 130 ألفاً في عام 2021 إلى 168 ألفاً في عام 2022، ليصبح الأعلى خلال عقدين. غير أن نسبة التأخر في معالجة الطلبات بقيت كبيرة، نظراً لوجود أنواع مختلفة من العقبات، أولها القيود المفروضة على من يحملون جنسيتين، وشروط الحصول على إقامة طويلة، والاختبارات القاسية التي يخضع لها الأجنبي ليثبت مدى اكتسابه لمهارات في اللغة وحصوله على وظيفة تدر عليه دخلاً جيداً، فضلاً عن البيروقراطية التي تعيق هذه العملية وتؤخرها.

حالة فريدة: المهاجرون الأتراك في ألمانيا

وسطياً، أقام المهاجرون الأتراك الذين حصلوا على الجنسية الألمانية في البلد لمدة 24 عاماً، ولهذا يستغرب بعض الناس بأن نصف المهاجرين في ألمانيا والذين وصل عددهم إلى ثلاثة ملايين تعود أصولهم إلى تركيا، أي أن الأتراك يمثلون أكبر جالية بين المهاجرين، ومع ذلك بقي معظم هؤلاء بلا جنسية، إلا أن وضعهم فريد، إذ من بين الآلاف من العمال الأتراك الضيوف الذين وصلوا إلى ألمانيا خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ثمة فئة كبيرة تعتقد بأن عليها أن تعود إلى تركيا، ولهذا لم يتقدم هؤلاء بطلب للحصول على الجنسية الألمانية. ولكن في الوقت الذي يلوح فيه المعارضون الألمان من اليمين المتطرف بفشل المهاجرين الأتراك بالاندماج في البلد، لابد أن يخضع فشل ألمانيا في استقبالهم ودمجهم للبحث والتمحيص أيضاً.

شروط أسهل يفرضها القانون الجديد

يجب على القانون الجديد أن يعالج حالات التأخير في التجنيس، لكونه يخفض شرط الإقامة من ثماني سنوات إلى خمس أمام معظم المتقدمين، وفي ذلك ما ينسجم مع شروط بقية الدول التي تتنافس مع ألمانيا على استقطاب الموهوبين مثل فرنسا وأميركا. وفي بعض الحالات الخاصة، تصبح فترة الانتظار لا تتعدى ثلاث سنوات. أما من ولد في ألمانيا لأب أو أم عاش في ألمانيا لمدة خمس سنوات فسيحصل على الجنسية الألمانية بصورة تلقائية. كما أصبح الجمع بين جنسيتين مسموحاً الآن، ويتعين على المجنسين اليوم أن يتعهدوا بالالتزام بالحريات الديمقراطية وأن يتقبلوا المسؤولية التاريخية الخاصة التي اضطلعت بها ألمانيا تجاه النازية، وضرورة حماية حياة اليهود.

ثمة نحو خمسة ملايين مقيم في ألمانيا من غير المجنسين يحملون جنسيات أوروبية أخرى ويتمتعون بكامل حقوق المواطنين الألمان، ولهذا لا يحتاجون إلى جنسية أخرى، أما بقية الأجانب البالغ عددهم ثمانية ملايين، وبينهم مليون لاجئ أوكراني، فلم يتبين حتى الآن عدد من سيهرعون للحصول على جواز سفر ألماني، كما لم يتضح كيف ستقوم البيروقراطية التي تعاني من نقص في العاملين وفي التمويل بمعالجة طلبات التجنيس بعد أن تعدل وضعها وفقاً للقوانين الجديدة، بما أن معظم أجزاء العملية تخضع لإدارة الحكومات المحلية في ألمانيا.

انقلاب لتغيير نتائج الانتخاب!

ترى بعض التقديرات بأن نحو مليوني ألماني أو يزيدون سيضافون إلى القوائم الانتخابية خلال السنوات القليلة المقبلة، بيد أن هذا العدد لا يكفي ليؤثر بشكل كبير على نتيجة الانتخابات الوطنية المقبلة والتي ستجري في خريف عام 2025. ومع ذلك، هاجم حزب البديل من أجل ألمانيا من اليمين المتطرف القانون الجديد الذي وصفه بأنه انقلاب يتجسد بإعادة هيكلة قسرية للتركيبة السكانية للناخبين، ولكن بصرف النظر عمن سيصوت له المجنسون الجدد، من الصعب الحديث عن هذا الأمر لسببين، إذ بلا هجرة ومهاجرين، سيعاني الشعب الألماني من انخفاض حاد في تعداده، كما سيصبح اقتصاده في خطر، وفي حال فشل ألمانيا في الترحيب بالمهاجرين واستقبالهم ودمجهم، فإنها ستخاطر بظهور ما يخشاه اليمين المتطرف ألا وهو حشد ضخم من الأجانب الساخطين المحرومين وسط أبناء وبنات الشعب الألماني.

 

المصدر: The Economist