"قراباغ" تشتعل مجدداً.. هل انتقل الصراع إلى جنوب القوقاز؟

2020.10.02 | 01:17 دمشق

20200927_2_44550346_58450818_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدأت الأزمة الحالية بين أرمينيا وأذربيجان بالتصاعد، بشكل ينذر بوقوع حرب وشيكة، في 12 يوليو/ تموز الماضي، عندما شنت يريفان هجومًا عسكريًا على منطقة "توفوز" الأذربيجانية (شمال غرب)، البعيدة عن إقليم "قراباغ" والمتاخمة لخط أنابيب نقل النفط المعروف باسم "باكو-تبليسي-جيهان".

ومنذ عام 1992، تحتل أرمينيا نحو 20 بالمئة من الأراضي الأذربيجانية، التي تضم إقليم "قراباغ" (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظات "جبرائيل" و"آغدام"، و"فضولي". 

واعتمد مجلس الأمن الدولي أربع قرارات (822 و853 و874 و884) تدين احتلال أرمينيا لأراضٍ أذربيجانية عام 1993، كما طالبت القرارات المذكورة يريفان بالانسحاب غير المشروط والفوري من الأراضي المحتلة وعودة النازحين الأذربيجانيين إلى أراضيهم، والذي يبلغ عددهم نحو مليون نازح داخل أذربيجان، كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس/ آذار 2008، القرار رقم 62/243، الذي أعاد التأكيد على موقف المجتمع الدولي من قرارات مجلس الأمن السابقة ذات الصلة، إلا أن أرمينيا رفضت الامتثال للقرارات الدولية بدعمٍ روسي فرنسي.

أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية، وقتها، صدها في الفترة ما بين 12 – 16 يوليو/ تموز الماضي، مجموعة من الهجمات العسكرية للجيش الأرميني على "توفوز" التي تشكل أهم معبر لنقل النفط الأذربيجاني والتركمانستاني إلى تركيا ثم أوروبا عبر جورجيا، وتكبيد القوات المهاجمة "خسائر فادحة".

وفي 15 أغسطس/ آب الماضي، هددت رئاسة ما تسمى بجمهورية قراباغ (أرتساخ) الانفصالية، المدعومة أرمينيًا، بقصف مدينة "كنجه"، ثاني أكبر مدن أذربيجان، في حال وقع أي اشتباك بين الطرفين في منطقة قراباغ. أعقب ذلك إعلان وزارة الدفاع الأذربيجانية (في 23 أغسطس/ آب)، القبض على مجموعة أرمينية حاولت التسلل داخل الأراضي الأذربيجانية "للقيام بأعمال تخريبية".

وفي الفترة نفسها، بعثت وزارة الخارجية الأذربيجانية، احتجاجًا للرؤساء المشاركين في مجموعة "مينسك" المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، على خلفية مساعي يريفان لتوطين مواطنين لبنانيين من أصول أرمنية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة بعد انفجار بيروت (4 أغسطس/ آب الماضي) ومواطنين سوريين من أصول أرمنية لجؤوا إلى يريفان خلال سنوات الحرب في سوريا، وهو ما أكدته أرمينيا لاحقًا، على لسان رئيس مكتب شؤون الشتات في الحكومة الأرمينية، زاري سنانيان، الذي بدوره اتهم الجانب الأذربيجاني باستقدام "مقاتلين إسلاميين" لزجهم في القتال ضد يريفان.  

إلى ذلك، اتهمت وسائل إعلام أذربيجانية، أرمينيا، مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، باستقدام مسلحين من منظمتي "حزب العمال الكردستاني" و"حماية الشعب الكردية" من سوريا والعراق، ونشرهم في إقليم قراباغ، فيما اتهمت وسائل إعلام روسية فرنسا بتنسيق تعاون بين جنود أرمن منخرطين في أعمال قتالية في سوريا ومنظمة "العمال الكردستاني". بدوره دعا النائب الكردي في الجمعية الوطنية الأرمينية (البرلمان)، كنياز حميدوفيتش حسنوف، إلى ضرورة التعاون بين الشعبين الكردي والأرمني ضد "الطموحات التركية الأذربيجانية بعيدة المدى".

وفي 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الرئيسي لبلاده في تعزيز الديمقراطية، وأن التفاعل معه آخذ في التطور، مشيرًا إلى أن بلاده تستعد في المستقبل القريب، لدخول مرحلة جديدة من المفاوضات في إطار الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. ورغم وصف باشينيان روسيا بأنها "لا تزال حليفًا لأرمينيا"، إلا أن هذا التصريح فهم في موسكو على أنه يعبر عن رغبة في تقارب أكبر ليريفان مع الغرب. وهو ما ينظر إليه البعض كسبب لتلكؤ روسيا في نجدة أرمينيا، بخلاف العادة، رغبة منها في "تأديب" الحكومة الأرمينية بقيادة باشينيان دون التخلي عنها.  

إضافة إلى ما سبق، ورغم الدعم التقليدي الذي تحظى به يريفان من قبل موسكو تاريخيًا، إلا أن البعض يرى بأن العمليات العسكرية التي شنتها أرمينيا على منطقة "توفوز" الأذربيجانية التي يمر منها خط أنابيب نقل النفط "باكو-تبليسي-جيهان"، كانت دون علم موسكو وبإيعاز من فرنسا، في مسعى من باريس للضغط على تركيا على خلفية التوترات القائمة في ليبيا وشرق المتوسط.

بدورها تركيا، التي تربطها تاريخيًا بعلاقات وثيقة مع أذربيجان التي ينتمي أكثر من 91 بالمئة من مواطنيها للإثنية التركية، أعلنت ومنذ اللحظات الأولى للهجوم الأرميني على توفوز (12 يوليو/ تموز) وما أعقب ذلك من اشتباكات واسعة النطاق على امتداد خط وقف إطلاق النار في 27 سبتمبر/ أيلول، إدانتها للاعتداءات الأرمينية وتضامنها مع أذربيجان، واستعدادها الكامل لوضع إمكاناتها في خدمة باكو.

تستحوذ أذربيجان على مكانة خاصة في السياسة الخارجية التركية، تقوم على مبدأ "شعب واحد في بلدين"، وكانت تركيا أول بلد يعترف باستقلال أذربيجان عام 1991. كما اعترفت أنقرة في العام نفسه باستقلال أرمينيا، وأقامت معها علاقات دبلوماسية قبل أن يتم تعليق تلك العلاقات عام 1993، عقب احتلال يريفان إقليم قراباغ.

كما تعتبر تركيا، "الضامن الوحيد" لأمن جمهورية نخجوان ذاتية الحكم (جيب أذربيجاني بين أرمينيا وإيران وتركيا)، بموجب "اتفاقية قارص" عام 1921، التي جرى التوقيع عليها بين تركيا العثمانية وأرمينيا السوفيتية وأذربيجان السوفيتية وجورجيا السوفيتية وروسيا البلشفية، وأسست الحدود المعاصرة بين تركيا ودول جنوب القوقاز.

ومنذ بدء الصراع الأذربيجاني الأرميني حول قراباغ، أعلنت أنقرة وقوفها إلى جانب باكو، في موقف يتوافق مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن

ومنذ الأيام الأولى لاستقلال أذربيجان، لعبت تركيا دورًا خاصًا في عملية تحديث وتطوير الجيش الأذربيجاني وتزويد باكو بالمعدات العسكرية اللازمة، كما ساهم ضباط أتراك في تدريب نظرائهم في أذربيجان، وما زالت أنقرة تحتفظ بمستشارين عسكريين في باكو، فضلًا عن استقبال الكليات الحربية التركية طلابًا ضباطًا من أذربيجان، ضمن سياسة تتبعها باكو لتقليل الاعتماد على موسكو في جميع المجالات. إلى ذلك، منحت باكو امتيازات خاصة لرجال الأعمال الأتراك، ووقع البلدان عام 1991 على أكثر من 200 اتفاقية وبروتوكول تشمل مجالات مختلفة أبرزها الاقتصاد والتجارة الثنائية، بما في ذلك شراء أنقرة النفط والغاز من باكو بـ "أسعار خاصة".

تُعتَبرُ أذربيجان، العضو المؤسس لمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية (المجلس التركي)، بوابة لتركيا إلى دول آسيا الوسطى (الجمهوريات التركية)، وممرًا استراتيجيًا مهمًا لنقل النفط والغاز من تلك البلدان، وعلى رأسها تركمانستان وكازاخستان إلى أوروبا عبر تركيا، ومصدرًا مهمًا يُعتَمَدُ عليه في توفير أمن الطاقة وتقليل اعتماد أنقرة على موسكو وطهران في هذا المجال. ورغم التباين في وجهات النظر بين الأحزاب التركية حيال العديد من الملفات والقضايا، إلا أن تلك الأحزاب لا تفوت مناسبة لتأكيد دعمها لكل ما يتعلق بتوطيد العلاقات مع أذربيجان في جميع المجالات، في حالة إجماع تعكس النظرة الشعبية تجاه أذربيجان.    

وفي السنوات الأخيرة، أضاف تزايد الاستثمارات الأذربيجانية في تركيا، إلى جانب مشروعي خط السكك الحديدية وخط نقل الطاقة"باكو-تبليسي-جيهان"، بُعدًا مختلفًا للعلاقات بين البلدين إلى جانب العلاقات التاريخية والثقافية واللغوية والبعد القومي والإثني والديني، لا سيما أن الاستثمارات الأذربيجانية في تركيا تناولت قطاعات تتطلب رأس مال كبير، ما عزز الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات الثنائية.

ومنذ بدء الصراع الأذربيجاني الأرميني حول قراباغ، أعلنت أنقرة وقوفها إلى جانب باكو، في موقف يتوافق مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، وطالبت تركيا بانسحاب أرمينيا من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، مقابل تطبيع كامل للعلاقات، يخفف عن يريفان مشاكل الاقتصاد وعزلة الجغرافيا.

إضافة إلى ما سبق، تمتلك أذربيجان علاقات وثيقة مع إسرائيل، التي تبيع باكو طائرات استطلاع وطائرات مسيرة، وتجهيزات سيطرة وتحكم. بدورها إيران، التي تيسر وصول شحنات الأسلحة إلى أرمينيا عبر أراضيها، تعتبر أن هذا التعاون يشكل مدخلاً لـ "تل أبيب" لممارسة أنشطة ضد مصالح طهران في المنطقة.

في الوقت نفسه، تسعى روسيا إلى الاحتفاظ بأزمة قراباغ، أزمة تحت السيطرة، للتمكن من لعب دور "الأخ الكبير" في جنوب القوقاز وتقليل مخاطر تمدد النفوذ الغربي والتركي في المنطقة، واستغلال الأزمات الحدودية بين أذربيجان وأرمينيا وجورجيا للضغط على تركيا في ملفات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بدورها فرنسا، تسعى وراء الهدف نفسه، من بوابة تعزيز علاقاتها الوثيقة مع اللوبيات الأرمنية في أوروبا والولايات المتحدة.