قراءة في خطاب ترمب حول إنهاء البغدادي

2019.11.01 | 20:29 دمشق

5ixqd1x2aplzhdopnflyah3b1vtuvl9fwaggrbwb.jpg
+A
حجم الخط
-A

من اللافت للنظر جداً الطريقة واللهجة واللغة التي استخدمها الرئيس الأميركي في إعلان نبأ مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي إبراهيم عواد السامرائي الملقب بـ أبو بكر البغدادي، من حيث الشكل والمظهر فقد كان ترمب فخوراً بما أنجزه بشكل مبالغ به، بشكل يشبه فعلة شاب مراهق  يريد أن يتباهى أمام أصدقائه بمنجزه بعد إحباط طويل، فمنذ أن اندلعت أزمة سحب الثقة من الرئيس الأميركي عقب فضيحة أوكرانيا، وقبلها أزمة التخابر مع روسيا و تدخلها في الانتخابات الأميركية، وأزمات تبديل الكادر الرئاسي في البيت الأبيض من كبار موظفي الرئاسة وحتى وزير الخارجية والدفاع ورئيس مجلس الأمن القومي، بات ترمب يبحث عن أية رافعة شعبية تدعمه في الانتخابات القادمة في العام المقبل، وكان له ما يريد وعلى طبق من فضة حينما بات قطاف رأس البغدادي حاسماً لتعزيز انتصارات ترمب، التي كان رهانه يعتمد على عدة انتصارات كان أبرزها المصالحة مع كوريا أو تمرير صفقة القرن على سبيل المثال .

كانت لغة ترمب مشحونة بالفخر والتعالي وربما بالتباهي، فالرجل تحدث عن إنهاء البغدادي وفي كلماته لغة تنتمي إلى عصور الكولونيالية

لذلك كانت لغة ترمب مشحونة بالفخر والتعالي وربما بالتباهي، فالرجل تحدث عن إنهاء البغدادي وفي كلماته لغة تنتمي إلى عصور الكولونيالية التي تشبه لغة الجنرال غورو في دمشق، أو لغة نابليون في القاهرة، مع احترام الفارق بين كل ما ذكرنا وبين الإرهابي البغدادي، ذلك الخطاب اللغوي المشحون بتعالي يشمل تشبيه الخصم بالكلب والجبان، وهي شتائم لا تصدر عن رئيس أمة تتغنى بحفاظها على قيم الخصومة قبل قيم الصداقة والحلفاء، ولكن ترمب المنفعل كان يتحدث بغضب وشدة للتشديد على قيمة انتصاره وللتعبير عن تأثره البالغ بما أنجزه جيشه، بينما لم يفعل الرئيس أوباما هذا بل استخدم لغة تحتوي من الحياد الكثير في توصيف العملية التي أنهت أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، وقبله جورج بوش الذي تحدث عن عملية إنهاء الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق سابقاً.

لأن مقام الرئاسة الأميركية يعتمد في شكل من أشكاله النفسية على دراسة الحالة النفسية للخصم وعدم تعزيز فكرة أن ما تم هو لللانتقام من الخصم، بل إن ما تفعله أميركا هو تطبيق للعدالة، وهناك فارق كبير جداً بين العدالة والانتقام، فالانتقام يفتح باب الصد والرد، ويعطي للقضية بعداً عشائرياً وشعبوياً، بينما تطبيق العدالة التي لا تحتاج لتبرير هو تنفيذ لرغبات المواطنين في العالم، وهو أمر يماثل تنفيذ حكم الإعدام في قاتل، بطريقة محترمة لأنه يخضع للقانون، ولا يتم إعدام القاتل بطريقة وحشية حتى لو كان مجرماً بشعاً، فالقانون يكفل حتى للقتلة والإرهابيين موتاً عادلاً، لأن العالم دون قانون أو عدالة يصبح غابة يتمناها الدكتاتوريون والإرهابيون.

فيما بعد تحدث ترمب عن عقابيل العملية، وعن ضرورة حماية آبار النفط ولم يكتف بالتلميح بل ذهب أبعد من ذلك حينما تحدث عن ضرورة أخذ أميركا حصتها من النفط، وبأنه في صدد إجراء صفقة مع شركة إكسون النفطية من أجل التعاقد على استخراج النفط من الآبار التي تخضع لسلطة داعش سابقاً وهي ملكية للشعب السوري حصراً، تحدث كمن يكافىء نفسه على جهد افترض أنه هو من قام به، شكر بعدها روسيا وشكر قوات قسد وشكر النظام والعراق وتركيا، وتحدث فيما يشبه التعويم عن علاقات سرية تتم بين أطراف متحاربة على الأرض السورية، وكأن "البغدادي الجبان" على حد تعبيره هو من كان يفرق الأطراف جميعها، رغم أن تنظيمه الإرهابي البشع ارتكب من الجرائم ما يندى له الجبين ولكن مستوى وحجم الجريمة المرتكبة بحق الشعب السوري طوال السنوات الثمانية تحتاج لمحاسبة حقيقية وعدالة صحيحة لا يشوبها أي تزوير سياسي، فالمسألة السورية هي مسألة عدالة وحق وشعب يطالب بمستقبله، دون أية مساومات أو تدخلات سياسية.

هنالك من تنفس الصعداء بعد خطاب ترمب، ربما في طهران وربما في بغداد وربما في دمشق، حيث تكمن حقيقة داعش ودورها الوظيفي في القضاء على طموحات الشعب السوري

ترمب خلط الصفقات السياسية بدماء الإرهابي البغدادي، وتحدث بلغة أقرب إلى السوقية عن قضية قاتل إرهابي. هنالك عشرات الآلاف من السوريين في دير الزور والرقة والجزيرة والعراق والفرات بشكل عام، ينتظرون العدالة منه ومن فعاله، ولم يكن من المناسب أن يتم قتله بل كان من الأفضل اقتياده ومحاكمته لمعرفة الحقيقة وراء تنظيمه ومن كان وراء نموه السريع والمفتعل.

هنالك من تنفس الصعداء بعد خطاب ترمب، ربما في طهران وربما في بغداد وربما في دمشق، حيث تكمن حقيقة داعش ودورها الوظيفي في القضاء على طموحات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، ولكن ترمب الذي استخدم لغة ومظهراً ومعنى، لا يمت للعدالة ولو بقليل في إعلان انتهاء تلك المرحلة السوداء والمظلمة من تاريخ سوريا والعراق، قد استخف بقضية ودماء آلاف الشهداء من البشر والمدن من ضحايا داعش، ولكن عزاء طلاب العدالة يبقى في الاقتصاص من بقية قتلة الشعب السوري ممن يتلحفون بغطاء الدين أو بغطاء العلمانية.