قراءة في تقرير البنك الدولي بخصوص سوريا

2024.05.29 | 06:20 دمشق

آخر تحديث: 29.05.2024 | 06:20 دمشق

6522222222222222222+6
+A
حجم الخط
-A

في تقريرين صادمين، يكشف البنك الدولي حقائق صادمة حول الواقع الاقتصادي في سوريا استعرض فيهما العناصر الأساسية للسياسة الاقتصادية في سوريا في إطار الصراع المفتوح منذ عام 2011، حيث ربط التقريران المرتبطان ببعضهما بين الأزمة السياسية الحادة، وواقع اللجوء وانهيار الصناعات الكبرى والمتوسطة، والخلل الهائل في موازين التجارة والاستيراد والتصدير الناتج عن العقوبات الاقتصادية المرتبطة بنتائج الحرب والتصعيد العسكري.

يتحدث التقرير عن تراجع الوضع الاقتصادي في عام 2023 بشكل ملحوظ، بملاحظة الأقمار الصناعية ومتابعة الانبعاثات الليلية الناتجة عن الأضواء الليلية بنسبة 1.2 على أساس سنوي، وخاصة في المناطق المُحاذية للحدود اللبنانية والمنطقة الساحلية، ويعود ذلك بحسب التقرير إلى ضعف النشاط التجاري والبشري بسبب انعدام البنية التحتية تقريباً، بينما تظهر نتائج متابعة انبعاث الغاز الليلي انخفاضاً بنسبة 5.5%سنوياً نسبةً لإنتاج النفط.

ويُعزى ذلك للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وشبكة الأنابيب ومحطات التحويل بسبب الزلازل والصراع العسكري، والتضخم الاقتصادي الناجم عن انهيار العملة التي فقدت 141% من قيمتها في مواجهة الدولار الأميركي، بينما تضخمت أسعار المستهلكين صعوداً بنسبة 93%.

ومما زاد من خطورة التضخم خفض الحكومة سياسات الدعم الذي كانت تقدمه وانفلات سعر الخامات عموماً ونشوء الأسواق السوداء. مترافقاً مع تباطؤ الاقتصاد الوطني. بينما لا تزال إيرادات الدولة المالية في تراجع ثابت بسبب حركة الهجرة والنزوح الكثيفة من البلاد الذي أدى إلى خفض الإنفاق العام وضعف العمالة الإدارية العامة.

على مستوى آخر شهدت سنة 2022 أدنى مستوى تاريخي في الإنتاج الزراعي بسبب نزوح أعداد كبيرة من المزارعين والفلاحين ومربي الدواجن، مترافقاً مع خراب واسع النطاق لحق بالبنية التحتية وشبكات الري والطرق العامة والدعم الزراعي، مما أدى إلى انخفاض في مستوى المحاصيل الزراعية، بينما وعلى غير المتوقع شهدت سنة 2023 تحسناً كبيراً في الإنتاج الزراعي بسبب تحسن الأحوال الجوية والهطولات المطرية.

يستعرض القسم الخاص من التقرير والمعنون بـ "رفاه الأسر السورية"، نسباً قاسية متعلقة بالأسر السورية، فقد شملت عتبة الفقر 69% من الأسر السورية، أي نحو 14.5% مليون نسمة.

في حين أدت الصراعات في الدول المجاورة إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في سوريا بسبب خفض الإنفاق الدولي وتوقف المعونات الإغاثية المتدفقة للاجئين في دول الجوار والداخل السوري، مما أدى إلى خفض تدفق التحويلات التي كانت تشكل رافداً أساسياً للاقتصاد المنهار.

ومن المتوقع أن يستمر الانكماش الاقتصادي في عام 2024 بنسبة 1.5%، إضافة إلى التراجع الذي بلغ 1.2% في 2023 مع انهيار كامل في القوة الشرائية لدى المستهلك المحلي بسبب ارتفاع الأسعار.

يستعرض القسم الخاص من التقرير والمعنون بـ "رفاه الأسر السورية"، نسباً قاسية متعلقة بالأسر السورية، فقد شملت عتبة الفقر 69% من الأسر السورية، أي نحو 14.5% مليون نسمة، وقد زادت أزمة لبنان المالية عام 2019 من شدة الأزمة المالية السورية، وكذلك فعلت أزمة وباء كورونا والحرب في أوكرانيا، والصراع في غزة والأراضي المحتلة من وطأة الأزمة المعيشية في سوريا.

بينما شكلت نسب الهدر العام بسبب الفساد ما يقدر بـ 40% من الناتج المتوقع، بسبب سيطرة الميليشيات على الثروات الباطنية، توقف عدد كبير منها بسبب الفوضى والصراع المستمر.

ووفقاً للتقرير، فإن للفقر في سوريا دلالة مكانية قوية. فأكثر من 50% من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط هي حلب وحماة ودير الزور، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر. أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.

إن الوضع الاقتصادي السوري قد يكون حاسماً في حياة السوريين في العام الحالي، و قد يكون باطشاً بشكل أشد من الصراع العسكري والأمني، أما ما تفاداه التقرير الاقتصادي الدولي فيعكس انهياراً تاماً في مؤشرات النمو الثقافي والإنساني والإعلامي.

ويشدد التقرير أيضاً على أن التحويلات المالية تمثل شريان حياة بالغ الأهمية للأسُر السورية. ويرتبط إرسال التحويلات من الخارج بانخفاض معدلات الفقر المدقع على نحو يقدر بـ 12 نقطة مئوية وانخفاض في معدلات الفقر يقدر بـ 8 نقاط مئوية.

كل تلك المؤشرات تدل على واقع مأساوي لا يمكن أن يستمر في البلاد السورية، يدفع بحسب التقرير الدولي على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية التي أكدت السنوات الطويلة للصراع العسكري والإقليمي استحالة وجود حل عسكري أو أمني لها، ويحذر التقرير بلهجة حاسمة من أن تفاقماً جديداً للواقع الاقتصادي سيؤدي إلى موجات هجرة جديدة إلى دول الجوار قوامها الهجرة للبقاء، مما سيفاقم الوضع الإقليمي والمحلي في سوريا على حد سواء، وسيؤدي إلى تهديد استقرار المنطقة ككل، حينذاك لن تكون المساعدات الدولية أو الإقليمية قادرة على إيجاد حلول لمجاعات محتملة أو موجات عجز غذائي.

لذلك فإن الوضع الاقتصادي السوري قد يكون حاسماً في حياة السوريين في العام الحالي، وقد يكون باطشاً بشكل أشد من الصراع العسكري والأمني، أما ما تفاداه التقرير الاقتصادي الدولي فيعكس انهياراً تاماً في مؤشرات النمو الثقافي والإنساني والإعلامي وعجزاً كبيراً لدور جميعات المجتمع المدني وبالتالي لنمو مؤشرات الديمقراطية وحرية التعبير والصحافة وحقوق الإنسان.