icon
التغطية الحية

قراءة الأفلام وتقييمها بين الموضوعية والآراء الشخصية

2022.03.20 | 17:04 دمشق

fyln.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتميز هذا العصر بغزارة الإنتاج الأدبي والفنّي وتنوّع موضوعاته، لذلك يقع الإنسان بحيرة، أي كتاب يقرأ أو أي فيلم يشاهد. ومن هذا المنطلق تبرز أهمية قراءة ما يكتب عن مضامين الكتب والأفلام؛ بهدف تجنب مشاهدة فيلم مملّ أو قراءة كتاب لا يقدّم أي قيمة أدبية أو فكرية.

وللمشاركة في كتابة هذه المراجعات أو الاستفادة منها لا بد أن نميّز بين الأراء التحليليّة المبنيّة على معايير فنيّة وبين الانطباعات الشخصية لكتّاب تلك القراءات والمراجعات.

الفرق بين الانطباعات الشخصيّة والتقييم الفني

أغلبية مشاهدي الأفلام تكون آراؤهم انطباعية وناتجة عن تجربتهم العاطفية مع الفيلم، هذه التجربة ناتجة عن أسباب مختلفة، من الممكن أن تكون بسبب القصة المشوقة أو بسبب الأداء الاحترافي للممثلين أو بسبب الموسيقا التصويريّة المتفاعلة مع الأحداث؛ لكن هناك قسم من المشاهدين تكون آراؤهم تحليلية، أي أنّ لديهم القدرة على فهم وتحليل الأسباب الفنية التي أدّت إلى إعجابهم أو عدم إعجابهم بالفيلم.

أغلبية شركات الإنتاج تفضّل الآراء الانطباعيّة لأنها غير ملزمة فهي مجرد آراء تسهم في التّرويج للفيلم في حال كانت إيجابيّة وتزيد من نسبة التّفاعل إن كانت سلبية فهي مجرد رأي غير ملزم، بينما الآراء التحليلية غالباً ما تكون حادة ومبررة ومدعومة بأدلة وهي مضرة بشركات الإنتاج، فالآراء التحليلية الإيجابية تسهم في زيادة وعي الجمهور بجماليات الأفلام وتسهم بصناعة مُشاهد ذي حسّ نقدي سيرفض حتماً الأعمال السّيئة؛ مطالباً شركات الإنتاج برفع سوية إنتاجها.

أدوات الفيلم لإيصال المعنى

الفيلم الجيّد هو سردٌ بالصور ينتج معنى، والمعنى يتولد من طريقة الاختيار الفني للصور وتتاليها، وكل فيلم له جانبان، الجانب الموضوعي والجانب الفني. كل ما يظهر بالصورة يعبر عن الجانب الفني، وهذا الشكل الفني هو الهيكل الرئيسي للفيلم وكل ما تبقى أدوات مساعدة "(القصة والممثل والألبسة والديكور والموسيقا التصويرية...) لإيصال المعنى، قد تحضر وقد تغيب، ولحضورها قصد ولغيابها معنى. حتى المضمون يمكن اعتباره أداة من أدوات خلق المعنى، وتقييم الفيلم يجب أن لا يكون لأداة واحدة من تلك الأدوات إنما لمجمل الأدوات التي تتضافر لإيصال المعنى.

فالممثل أداة من أدوات الفيلم ولا يمكن اعتباره معياراً فنياً للحكم على الفيلم، لذلك نجد المخرج الفرنسي روبير بريسون  يعتبر الممثلين أدوات جانبية للتعبير ولا يعتد بالتمثيل ولا يعطيه أهمية كبرى في صناعة الفيلم ورغم ذلك تعتبر أفلامه ذات قيمة فنية عالية، لدرجة أن أحد الباحثين السينمائيين قال إن "بريسون لم يعارض الممثلين المحترفين فحسب، بل عارض التمثيل نفسه"، وبذلك نجد أن كثيراً من النقاد يعتبرون الحكم على العمل الفني من بوابة التمثيل هو رأي وحكم الأفراد الأقل وعيا بالسينما، وكأمثلة على مقاربة هذه الآراء للواقع نجد أن من أهم شخصيات فيلم "أوديسا الفضاء" 2001 هو "كمبيوتر مركزي"، وكمثال آخر "فيلم ريش"، حيث اعتمد المخرج على أشخاص عاديين لم يسبق لهم التمثيل ورغم ذلك حصّل الفيلم العديد من الجوائز.

أهم أدوات الفيلم هي الصورة فالصورة هي لغة السرد وهي أهم أدوات تحميل المعنى حتى الموسيقا على أهميتها فإنها لا توازي الصورة من حيث الأهمية، ومن المعلوم السينما بدأت صامتة عام 1902.

الكتابة عن الفيلم

يشير تيموثي كــوريغـــان في كتابه "دليل موجز للكتابة عن الفيلم"[i] أن هناك ثلاثة أنواع من الكتابة عن الفيلم، هناك تقرير حول الفيلم، وهناك مراجعة الفيلم التي يخصص قسم كبير منها لتلخيص الحبكة، بينما المقالة النظرية مجالاتها أوسع وتتطرق لموضوعات كثيرة منها العلاقة بين الفيلم والواقع، وهناك المقالة النّقدية التي تقع بين المقالة النظرية ومراجعة الأفلام، يمكن أن تكشف تفاصيل صغيرة من المحتمل أنّها فاتت المشاهدين. يعود الاختلاف بين الأشكال السّابقة إلى اختلاف الجمهور المستهدف، فالمقالة النّظريّة والنّقديّة موجّهة للمهتمين بالسّينما بينما المراجعة موجهة للمشاهد العادي.

إذا رجعنا إلى الكتابات المنشورة في المواقع الإلكترونية حول الأفلام لن نلاحظ تمييزاً بين الأشكال السابقة وذلك لعدم تحديد الجمهور المستهدف بدقة فغالبا ما تستهدف هذه المواقع المشاهد العادي.

علاقة السينما بالفنون السابقة لها

تتضمن المقالة النقدية للفيلم ومضات من نقد الفنون السّتة السابقة للسينما، بما يخدم استخراج المعنى من الفيلم، فقد سميت السينما بالفن السابع بسبب الفنون السّتة السابقة لها، حيث هضمت السينما تلك الفنون ودمجتها في عمل فني واحد.

كانت بداية السّينما من الرّسم والصّور المتحركة من خلال عرّابها الأول ويليام فريز، فجاءت البداية مع السّينما الصّامتة (1902-1911)، ثم ارتبطت بالموسيقا (1911-1926) إلا أنّها لم تتخلّ عنها حتى بعد ظهور الحوار كأداة من أدوات الفيلم. أما ارتباط السّينما بالعمارة فهو أزلي منذ اللّقطة السّينمائية الأولى باعتبارها فنّ هندسة المكان، فكل عمل فنيّ له عمارة خاصّة به، لذلك يرى  ألفريد هتشكوك  أن المخرج "يجبُ أن يمتلكَ معرفةً واسعة وفهماً عميقاً للعمارة".

بينما تتجلى شاعريّة الفيلم بطريقة سرد الأحداث، ويمكن أن يتمّ ذلك حتى من خلال تقطيع اللّقطات بتناغم شعريّ، فلغة السّينما تتّصف ببعض صفات الشّعر كالكثافة والاقتصاد والإيحاء، فالسّينما "محكوم عليها أن تكون شعرية" كما يقول جان كوكتو، أما علاقة السّينما بالنّحت، فتتجلّى باللقطة السّينمائية بين الصّورة والصّورة التّالية عندما تأتي الحركة والزّاوية لتتحرك المجسّمات المنحوتة وتنبض بالحياة.

يضع لورنت غويدو/ Laurent Guido ظهور السّينما في سياق الانشغال الجمالي المكّثف بالحركة الجسدية، حيث "فرض الرّقص، مثل الرّياضة والجمباز، نفسه في بداية القرن العشرين كوسيلة لتنظيم حركة الجسم بشكل إيقاعي، وكان يُعتقد أن هذا التّناغم الجسدي، سيضع جمهور الفيلم في سحر إيقاعيّ لا يقاوم، ثم استخدام الرّقص، جنبًا إلى جنب مع الألعاب البهلوانيّة وغيرها من أشكال العرض الجسدي، لإبراز الإمكانات الحركية الهائلة للأفلام.[ii]

وبذلك نجد أنّ السّينما دمجت الفنون السّتة (العمارة والموسيقا والرّسم والشّعر والنّحت والرّقص) تحت مظلّة واحدة، ففي كلّ فيلم نسب متفاوتة من تلك الفنون حسب المعنى المُراد إيصاله للمتفرج .

نقد السّينما.. نقد للفنون المكوّنة لها.

نقد الفيلم يتضمن نقداً لمكوناته من الفنون والآداب، خاصة نقد المسرح والرّواية والفن التّشكيلي، فالنّاقد يحلل تتالي اللقطات ويفسر تتابعها، إنه يترجم سرد الصور إلى سرد بالكلمات، ويربط اختيارات المخرج لموقع الكاميرا ونوعية اللقطات بكل نقد يستعيره من الفنون المختلفة. لكن البعض يظن أن الكتابة عن فيلم هو سرد حكايته! وإن كان ذلك السرد ضرورياً في بعض الأحيان لجمهور معيّن، إلا أنه غالباً ما يسرق متعة المشاهدة، لذلك من المستحسن أن تترك النهاية -على الأقل- مبهمة لتبقى دافعاً لمتابعة المشاهدة.

ماذا عن المسلسل التلفزيوني؟

لا توجد فروق كبيرة وعميقة بين الفيلم والمسلسل التلفزيوني، ففي ندوة بعنوان "تأثير اللغة السينمائية في الدراما التلفزيونية" شارك فيها أربعة مخرجين كان هناك تشكيك في وجود لغة تلفزيونية مستقلة عن السينما، وحتى الآراء المعارضة لا تنكر أن الفروقات بين اللغة السينمائية واللغة التلفزيونية هي مجرد اختلاف طريقة توظيف التقنيات بين السينما والتلفزيون أي بين الفيلم السينمائي والمسلسل التلفزيوني.

 


[i] دليل موجز للكتابة عن الفيلم / تأليف تيموثي كوريغان؛ ترجمة محمد منير الأصبحي - دمشق: المؤسسة العامة للسينما