قانون سيزر وتفاصيله المعقدة..

2019.12.13 | 16:02 دمشق

images_8.jpg
+A
حجم الخط
-A

بررت النائبتان المسلمتان في مجلس النواب الأميركي تصويتهما بالرفض ضد قانون سيزر الذي طرح للتصويت في مجلس النواب مؤخراً، بأنه جاء جزءاً من ميزانية الدفاع الأميركية التي تضمنت هذا العام زيادة ب 22 مليار دولار عن العام السابق، والتي تعد الأعلى في العالم بلا منازع حيث بلغت ميزانية الدفاع الأميركي التي أقرت رغم رفض المسلمتين من أصول فلسطينية وصومالية، 738 مليار دولار..

وشكل رفض النائبتين صدمة للملايين من دعاة مكافحة التعذيب وحقوق الإنسان وإيقاف الانتهاكات في السجون عبر وسائل التواصل الاجتماعية، وسبب شماتة كبيرة من اليمين الأميركي والأوروبي بشكل عام، حيث كانت إلهان عمر ورشيدة طليب على الدوام تنتقدان عجز الحكومة الأميركية عن تحقيق أي عدل بخصوص الانتهاكات في الشرق الأوسط بشكل عام، وكانتا مناصرتين بشكل لكبير لحقوق المهاجرين وتدعوان على الدوام للسماح بتحسين شروط الهجرة إلى الولايات المتحدة..

ولكن لماذا أرفق قانون سيزر بالموازنة الدفاعية الأميركية، ولم يطرح للتصويت كقانون مستقل، أسوة ببقية القضايا العالمية كالمسألة الأرمنية مثلاً أو كقانون محاسبة إيران، لعل الأمر يحتوي في طياته جزءاً من مساومة أميركية معتادة على قضايا الشعوب، فإدراج قانون محاسبة مجرمي الحرب على ما اقترفوه بحق المدنيين، لا يمكن أن يكون جزءاً من مخطط دفاعي متعلق بالولايات المتحدة، إلا إن أرادت إدارة ترمب أن تعتبر القانون أداة ضغط على خصومها في العالم، مثل روسيا أو إيران على سبيل المثال، وهو أمر اعتاد عليه السوريون منذ تحولت قضيتهم ومأساتهم إلى ورقة مساومة وصراع بين أقطاب العالم و القوى الإقليمية، وفي هذا السياق من الممكن حدوث أية تسويات سياسية تصب في مصلحة الرئيس ترمب، وتجديد ولايته الانتخابية قريباً على سبيل المثال في مقابل تخلي إدارته عن تطبيق قانون محاسبة متعلق بوثائق سيزر، ومن هنا يأتي العجز العالمي المتمثل في تصدر الولايات المتحدة للمشهد العالمي و تحول مؤسساتها السيادية إلى مؤسسات دولية لها الحق في محاسبة ومعاقبة من تشاء، في تهميش كبير ومفتعل لمؤسسات الأمم المتحدة التي أصبحت أروقتها وقراراتها بلا أي طائل وغير ذات قيمة، في ظل إخصاء الفيتو الروسي والصيني لأي إمكانية لإقرار أي مشروع قرار مناف لمصالحهما، من هنا تتبدى صورة النظام العالمي الجديد الذي

السؤال الأساسي يطفو على السطح، ما الذي جعل الولايات المتحدة تنتظر كل هذا الوقت حتى تطبق العدالة في سوريا

تديره أميركا ويلوذ به كل طلاب الحق، واهمين كانوا أم واثقين، وتخضع قضايا الأمم ومظالمها لمزاج وسياسة الإدارة الأميركية دون أي قدرة على التحكم بذلك المزاج، فالصلح مع كوريا الشمالية كان وما يزال وارداً دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الكوري، ومطالبات ترامب لإيران بالتفاوض والرضوخ متكررة حتى ولو كانت على حساب دماء المتظاهرين في شوارع طهران، لذلك لا بد من خروج ملف الضحايا من السوريين خارج التجاذبات السياسية، وتحوله إلى ملف قانوني بحت، يطالب بمحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا من كل الأطراف ودون أي استثناء، مع الابقاء على دعم قانون سيزر ومتابعته، حيث إن السؤال الأساسي يطفو على السطح، ما الذي جعل الولايات المتحدة تنتظر كل هذا الوقت حتى تطبق العدالة في سوريا، وما هو سبب مشاهدتهم للمقتلة السورية طوال تلك السنين دون أن يتخذوا أي حراك لا سياسي ولا قانوني.

وفي قراءة سريعة لتفاصيل القانون المدرج ضمن ميزانية الدفاع، نستطلع تفاصيل دقيقة حول تقصي تورط البنك المركزي السوري وتورطه في عمليات تبييض أموال تتعلق بجرائم الحرب، ومن ثم تخول وزارة الخزانة الأميركية لفرض عقوبات على البنك المركزي ومن ثم على كل من ساهم في عقد صفقات تسليحية من النظام ومن حلفائه من روسيا وإيران، وتشمل العقوبات أركان النظام وجميع المتورطين من الرتب الدنيا ومديري السجون والسجانين وكل من ساهم بأعمال تعذيب وقمع واحتجاز منافية للقانون، هي بالتأكيد أمور جيدة ولكن تاريخ تجارب العقوبات الأميركية تسرد لنا تفاصيل عن عدم تضرر أي نظام خضع لتلك العقوبات بالمرة، بل كان المتضرر من العقوبات هم أفراد الشعوب، ولا سيما أية عقوبات متعلقة بالبنك المركزي، أي بالتالي عقوبات اقتصادي ستزيد من الواقع الاقتصادي المتردي وترفع وتحصن أفراد السلطة الحاكمة دون تضررهم، حصل ذلك في عراق صدام حسين وحزب الله وليبيا القذافي ومؤخراً إيران الإسلامية ..

لا يتحدث القانون بأي بند من بنوده عن تفاصيل محاسبة قانونية، تتيح محاكمات لمجرمي الحرب وتعطي أهالي الضحايا أية فرصة لتحقيق عدالة جزئية متعلقة بأقاربهم وذويهم..

من هنا يتبدى طريق العدالة في سوريا طويلاً ومتشعباً جداً، وسيكون كذلك طالما أن الملف السوري لا يزال مرتبطاً بالتجاذبات الدولية ولا يخضع لقوانين العدالة العالمية، ربما لن يكون الملف السوري أوفر حظاً من ملف الجرائم التي حصلت في تشيلي أو في أسبانيا السبعينات.. وربما سيكون على عاتق السوريين أن ينتظروا طويلاً قبل أن تتحقق عدالة مشابهة للعدالة السودانية أو محاكمات الجزائر الأخيرة.. طالما أنهم مبعدون كسوريون، جميع السوريين عن تفاصيل قضيتهم، القضية السورية.