icon
التغطية الحية

في يومهن العالمي.. معاناة من شكل خاص لنحو 50 ألف أرملة شمال غربي سوريا

2021.06.23 | 15:08 دمشق

idlib.jpg
إدلب - يوسف غريبي
+A
حجم الخط
-A

خصصت الأمم المتحدة يوم الـ 23 من حزيران من كل عام ليكون اليوم الدولي للأرامل اللواتي يزيد عددهن في العالم على 258 مليون أرملة، بينهن نحو 47 ألف أرملة في شمال غربي سوريا بلا معيل يصارعن قساوة العيش وأهوال النزوح والتهجير وهموم الأيتام ونظرات المجتمع وتعقيداته في منطقة ينخفض فيها الدعم الإنساني كل عام ولا يجد فيها حتى الرجال فرص عمل مناسبة.

أحصى فريق استجابة سوريا نهاية العام الفائت 46 ألفاً و892 أرملة في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، بينهن 10 آلاف و809 أرامل يعشن في مخيمات التهجير والنزوح.

الإحصائيات السابقة هي للأرامل اللاتي ليس لديهن أي معيل، سواء من الأقرباء أوالأهل أوالأصدقاء، ولذلك لا توجد إحصائية لعدد الأرامل السوريات في كامل مناطق السيطرة في سوريا ودول اللجوء والمهجر، ولكن الرقم الكبير في شمال غربي سوريا يعد مؤشراً كافياً لتوقع الرقم الكامل ومؤشراً يضاف إلى كثير من المؤشرات عن هول الكارثة الإنسانية في سوريا.

مع تفاقم الكارثة الإنسانية في سوريا وخذلان المجتمع الدولي للسوريين في إنهاء حرب النظام وروسيا وإيران ضدهم، كان لا بد من الحديث عن الأزمات بتخصص، ولذلك تركز منظمات المجتمع المدني على الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وغيرها من الفئات الأكثر تضرراً، ثم يتم تخصيص المخصص بتسليط الضوء على الأرامل من النساء والأيتام من الأطفال وهكذا.

قد لا ينفع الأرامل تخصيص يوم دولي لهم في أجندة الأمم المتحدة التي تكافح الآن للإبقاء على آخر شريان للمساعدات عبر الحدود من معبر باب الهوى الوحيد الأخير الذي تهدد روسيا بإغلاقه بالفيتو؛ إلا أنها مناسبة لإعادة التذكير بأزمة مجتمعية لها خصوصيتها وبالتالي لها معاناتها الخاصة.

"حياة أصعب من الموت"

لم تتوقع روضة القدور أن تكون خسارتها لزوجها في عام 2015 فاتحة لخسارات متتالية تعيشها المرأة في الدول التي تعاني من النزوح والفقر والحرب المستمرة، وهي في عمر الـ 25 لم تمتلك روضة المهارات والقدرات اللازمة لتقوم بأعباء منزلها وأسرتها، المؤلفة من ثلاثة أطفال أكبرهم في العاشرة وأصغرهم في الثالثة.

وتقول روضة لموقع تلفزيون سوريا: "تغيرت حياتي بشكل كبير، كانت السنة الأولى أصعب من الموت"، قالت المرأة النحيلة التي يبدو على وجهها التعب وهي تسترجع انتشار الشائعات والأقاويل، بعد جريمة قتل زوجها أنس، والتي لم تعرف أسبابها بعد، وما قاسته من حمل مسؤولية عائلتها دفعة واحدة.

لم يكن زواج روضة دافعه الحب، بل كان تلبية لرغبة أخوتها بالزواج من شخص يتقدمها بالعمر 11 عاماً، ولم تصف حياتها بالهانئة مع الشاب الذي لم يقدم لها سوى الرعاية المادية، فارضاً عليها ترك الدراسة ومقدماً عمله وأصدقاءه على بيته، حسبما قالت.

لم يكن الأمان المادي الذي وفره زوج روضة لها خلال حياته كافياً لسد احتياجاتها بعد مماته، إذ لا دخل متجدد باق، ولا حل أمامها سوى بيع ما تستطيع من الممتلكات والبحث عما تجده من الفرص الملائمة للعمل، وهو ما عرضها لضغوط نفسية واجتماعية متزايدة.

وتتابع روضة حديثها وهي تتذكر حالها قبل خمس سنوات، قبل أن تحصل على الشهادة الثانوية وتحاول إكمال الجامعة بدراسة التربية، في أثناء عملها بروضة للأطفال: "كان الناس ينظرون إلى منزلي ويعتبرون أن حالتنا المادية جيدة، لذا لم يقبلوا منح أطفالي الكفالات، وقالوا لي إن زوجك ليس شهيداً، وبعد عام بدأت البحث عن عمل، حينذاك ما قالوه هو ليس معك شهادة".

الخوف من المسؤولية كان "كبيراً"، على حد وصف الشابة الثلاثينية، في إشارة إلى الليالي التي أرقها فيها الخوف من العمل. وتضيف: "كان كل شيء جديداً عليّ، لم أكن أعرف محل بيع الخضار حتى، وحين درست مرت عليّ أيام لا توصف، وكنت ألجأ لأمي لأبكي وأشكي وأقول لها إنني غير قادرة على التحمل، وكل ما تقوله هي إنني لا أملك خياراً آخر".

 

 

لم تتوقف التحديات أمام روضة عند مسؤولية الأطفال وتأمين احتياجات المنزل، بل تشعبت أيضاً للتكيف مع واقع النزوح، الذي بدأ معها منذ نهاية عام 2019، حين انتقلت لمدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، ودفعها فقدانها لبيتها ولفرصةِ متابعتها الدراسة وتركها مضطرة للقبول بأي فرصة للعمل لإعالة أبنائها، الذين كان على أكبرهم التخلي عن مقاعد الدراسة لمساعدتها في تأمين احتياجات العائلة أيضاً.

رغم انتشار مراكز "تمكين ودعم المرأة" في مدينة إدلب، والتي توفر فرص التدريب المهني والدعم النفسي والتوجيه الاجتماعي للنساء من فئات مختلفة، تعد من أهمها فئة "الأرامل"، لكن لا جمعية أو منظمة شبيهة تغطي مدن وقرى الريف الحدودية المزدحمة، ولم تحصل روضة على مساعدة مماثلة، بعد أن عجز الأقرباء عن دعمها بسبب ظروف الفقر والنزوح المشابهة التي يعانون منها أيضاً.

مديرة مركز "إشراقة أمل"، عهد ديوب، قالت لموقع تلفزيون سوريا إن كثرة عدد الأرامل حال دون القدرة على تلبية الاحتياجات اللازمة لهن من التدريب المهني أو الدعم المادي، مشيرة إلى أن مركزها يقدم الأولوية للمرأة الأرملة، لحاجتها الدائمة لسبيل الرزق، لكنه لا يتمكن من توفير فرص عمل كافية بعد التدريب بسبب نقص الموارد فيه.

المجتمع والزواج من جديد.. سيف ذو حدين

حدّت ظروف السنوات العشر الأخيرة من التكافل الاجتماعي وباتت أولويات المساعدة والتكافل تقتصر على الأهل، وهذا الواقع ينطبق على مساعدة الأرامل من قبل أهلها أو أهل زوجها أو أقربائها من الدرجة الثانية، وبالتالي قد تكون نسبة المساعدة المادية والنفسية المقدمة من هؤلاء للأرامل السوريات قليلة جدا، لكن توافرها هو الحل الأمثل للأرامل، لأنه يغنيها عن السؤال والعمل في سوق غير ملائم ويمكنها من البقاء مع أطفالها ورعايتهم.

ويؤكد ناشطون اجتماعيون أنه ما زال هنالك تعامل سلبي في المجتمع السوري مع الأرامل، وتقيد الأعراف ونظرة المجتمع السلبية من قدرة الأرامل على التحرك والعمل لتأمين عيش عائلتها.

ومن أشكال المساعدة المجتمعية للأرملة تأمين زواجها من جديد وهو قرار صعب للأرملة قبوله أو رفضه، ففي الواقع المأساوي للسوريين بشكل عام والأرامل بشكل خاص يكون الزواج من رجل سواء كان غريباً أو لا، قد يلبي تطلعات الأرملة، وخياراً أفضل من واقعها الأسود.

وتخشى الأرامل قبول الزواج من رجل ثان خوفاً من التعرض للاستغلال، أو لرفضهن الزواج من رجل متزوج.

 

 

وعلى كل حال يبقى هذا الخيار محدوداً لكثرة الأرامل وضعف القدرات المادية لدى الشباب والرجال للزواج إما للمرة الأولى أو للثانية.

سمعت روضة مراراً كلاماً "جارحاً" ممن حاولوا استغلال حاجتها للعمل، وقالت: "حين تصديهم يقولون ألا تملكين مشاعر ألست أنثى"، مشيرة إلى أن أغلب حالات الزواج الثاني المنتشرة في المنطقة لم تدم لفترة طويلة، وتركت بعدها المرأة لتكون "أرملة" وثم "مطلقة".

بين التعفف والاستغلال

في خطبة لم تدم أكثر من أسبوع واحد تزوجت زهرة من حسين، الذي كان تاجراً يتنقل بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام عام 2016، والذي قتل وهو شاب بعد اعتقاله وسوقه إلى الخدمة العسكرية الإلزامية التي حاول الفرار منها.

تجربة زهرة الرحمون بالزواج وهي في بداية الثلاثينيات من العمر لم تكن مشجعة لها على التكرار بعد وفاة زوجها، الذي لم تقض معه سوى شهر واحد، على الرغم من الضغوط الاجتماعية التي تعانيها منذ ترملها قبل أربع سنوات.

حظيت زهرة بابنها براء بعد زواجها، وقالت إنها لم تحظ بالمساعدة من عائلة فقيدها، بل إنهم حرموها من الميراث وحاولت نزع حضانة الطفل منهم بـ "معارك قضائية استمرت أشهراً" قبل أن تفصل لصالحها، لكن معاركها مع النظرة المجتمعية لم تتوقف بعد.

تحاسب الأرملة على كل حركة أو نظرة أو تفاعل مع الرجال، حسبما أوضحت الشابة، التي وصفت حياة الأرملة بـ "القاهرة" نتيجة للاتهامات والتأويل.

وتتابع حديثها لموقع تلفزيون سوريا: "الأخت تخشى على زوجها من الأرملة"، وأكدت زهرة أنها تتجنب الحديث مع أي رجل، قريبا كان أو بعيدا، فضلا عن إخوتها، خشية من الشائعات ومحاولات الاستغلال أيضاً، حتى في حال تعرضها أو ابنها للمرض وحاجتها للإسعاف أو الإغاثة.

ومع الاعتراف العام بأحقية النساء الأرامل وأبنائهن اليتامى بالدعم والمعونة إلا أن تخصيص المشاريع الإغاثية لهن لم يسلم من النقد ولا التهجم من سكان المنطقة، الذين ينتشر بينهم اعتقاد أن كافة أنواع الدعم تحصل عليها تلك النسوة فقط.

يعد النشاط الإغاثي والإنساني الذي يستهدف النساء الأرامل ملحوظاً في الشمال الغربي، وكان من أبرزه حملة التزويج بمنحة مقدمة للشباب العازبين الراغبين بالارتباط من أرامل فاقدات للمعيل، والتي حملت اسم "عفاف"، من تقديم جمعية "عطاء للإغاثة الإنسانية"، والتي تقدم كذلك منحاً لتمويل مشاريع العمل والتدريبات المهنية المستهدفة للنساء، وكفالة الأسر الفقيرة، مع مشروع الإشراف الاجتماعي المستهدف لليتيم وأسرته من خلال تقديم الدعم الاجتماعي والتوعوي والنفسي لليتيم وأمه، حسبما أوضحت منسقة المشاريع الاجتماعية في عطاء، غادة معترماوي.

وأرجعت معترماوي استهداف الأرامل إلى كونهن "شريحة مستضعفة" في المجتمع، وأكدت أن الجهود المبذولة غير كافية لتلبية الاحتياجات اللازمة للنساء اللواتي تعانين من مشكلات متعددة، حسب تقييمها، واصفة نسبة استفادتهن من المشاريع الإغاثية بـ"الخجولة"، بسبب "محدودية الموارد"، ومشيرة إلى مفارقة النقد الذي تعاني منه المرأة والمنظمات المستهدفة لها على وجه الخصوص.

تعتقد معترماوي أن الحاجة الشديدة لسكان المنطقة وعدم القدرة على سد تلك الاحتياجات تجعل النساء الأرامل والمنظمات عرضة للنقد مع كل تغطية إعلامية للمشاريع التي تستهدف فئتهن، مع رمي الاتهامات بالتقصير للجمعية التي تشمل مشاريعها فئات وشرائح متعددة أخرى، لكن سكان المخيمات الذين يعتبرون من الفئات الأكثر استهدافاً بالدعم يقيمون الحال من وجهة نظر ثانية.

خلل في معايير الدعم الإنساني

تخصيص الجمعيات الإنسانية والإغاثية مشاريعها لفئة الأرامل لا يعني حصول كل الأرامل على الدعم، حسبما أوضح مدير مخيم التح، عبد السلام اليوسف لتلفزيون سوريا، مشيراً إلى وقوف معايير الاستحقاق "غير الواقعية" أمام ذلك.

يعتبر اليوسف تخصيص الدعم للأرامل "إيجابياً"، في حال استعمل بشكل جدي بلا غش، حسبما قال، مشيراً إلى أن أثر كلمة "أرملة" على المرأة خارج المخيم ليس كما هو داخله، حيث لا خصوصية لها ولا معيل، وهو ما يجعل حياتها "صعبة جداً"، حسب وصفه.

ما يقوم به عدد من المنظمات هو اختيار فئات للدعم وتوزيع المعونات القليلة التي تستطيع جلبها، وتعتمد نقل "صورة إعلامية مخالفة للواقع"، حسب اليوسف، مشيراً إلى المعايير "القاسية" التي تختارها فرق التوزيع، من حد الدعم للأرملة التي ترعى أطفالاً تحت سن 18 عاماً.

حليمة علوش، البالغة من العمر 50 عاماً، تقيم بمخيم التح ولا تحصل على أي معونة مخصصة للأرامل، مع تكفل عائلتها وأقربائها بمساعدتها على تأمين احتياجاتها، واضطرارها لبيع أرضها لتؤمن مصاريف دراسة ابنتها البالغة من العمر 20 عاماً، إضافة إلى ما يؤمنه ابنها البالغ 19 عاماً من عمله، لكنها مع ذلك لم تسلم من نظرة بقية الأسر الموجودة في المخيم لها بأنها من متلقي المساعدات "المرفهين".

 

 

أرجع اليوسف نظرة "الحسد والازدراء" التي تحملها بقية الأسر للأرامل، إلى الفقر وعدم تحصيل الحقوق بالعموم، مشيراً إلى أن بعض المنظمات تعتمد تسليم المعونات خارج المخيمات، في حين تعتمد أخرى على التوزيع على مرأى من بقية السكان، ما يزيد من ضيقهم، مضيفاً أن الأرامل لا يتلقين كفايتهن لعدم وجود تنسيق كافٍ بين المنظمات والجمعيات الراعية.

ولم تحصل القطاعات الإنسانية في منطقة الشمال الغربي، حسب أحدث إحصائيات نشرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) خلال شهر حزيران الحالي، سوى على 36 في المئة من احتياجاتها للأشهر الستة الأولى من عام 2021، وهو ما يجبر المنظمات المنفذة للمشاريع الإغاثية على "إعادة تحديد الأولويات" وتأجيل بعض النشاطات أو تقليصها أو حتى إلغائها، مع تهديد السبيل الوحيد لوصول المساعدات عبر الحدود إلى المنطقة بالإغلاق في حال لم يمدد تفويضه مجلس الأمن قبل العاشر من شهر تموز المقبل.

كلمات مفتاحية