في ضرورة إزاحة الواجهات التي تتصدر الثورة السورية

2023.09.27 | 06:23 دمشق

آخر تحديث: 27.09.2023 | 06:23 دمشق

في ضرورة إزاحة الواجهات التي تتصدر الثورة السورية
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن الحدث السوري يذهب باتجاه فرض حل سياسي من قبل الأطراف الدولية، إذ إن الاستعصاء الذي فرضه "النظام" السوري عبر رفضه لأي حل سياسي لا يكون هو لاعبه الأهم والأساسي لم يعد مسموحا به، وعدم السماح هذا مردّه إلى عوامل متعددة أهمها ضعف النظام، وقناعة داعميه ورافضيه أنه لم يعد بالإمكان إبقاء الوضع على ما هو عليه، بالإضافة إلى أمور أخرى، مثل ملف المخدرات، والتمدد الإيراني... وغير ذلك.

يترتب على الذهاب باتجاه إنجاز صيغة حل سياسي، أن تبدأ مرحلة جديدة في الحدث السوري، وأن يكون المدخل الأساسي للمرحلة المقبلة هو التفاوض وفق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي يُشير إلى كل من بيان جنيف المؤرّخ 30 حزيران/ 2012م، والقرار رقم 2118 (2013م)، وقرارات دولية أخرى كمرجعية أساسية، وكلها توصل إلى فكرة جوهرية مفادها "إنشاء هيئة حكم انتقالية، جامعة، تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية".

في الوثائق المذكورة الصادرة عن الأمم المتحدة، ترد الفقرة المتعلقة بالمعارضة السورية والتي توصي بـ (جمع أوسع نطاق ممكن من أطياف المعارضة، باختيار السوريين، الذين سيقرّرون من يمثلهم في المفاوضات، ويحدد مواقفهم التفاوضية)، لكن هذا الجمع المفترض للمعارضة، والذي صيغ في مرحلة مبكرة من الثورة، كان القصد منه هو المعارضة الداخلية والخارجية بشكل أساسي، مع تفاصيل أخرى.

بهذا التمثيل غير الحقيقي للشعب السوري، تصبح أي عملية تفاوضية، مجرد تمييع للمطالب الأساسية لهذا الشعب، وتصبح كأنها إعادة إنتاج النظام السوري القائم بصيغة أخرى وهو الذي ثار السوريون ضده

تم الالتفاف على صيغة من يمثل المعارضة سواء الداخلية أو الخارجية، إذ أصبح ممثلو المعارضة الداخلية بمعظمهم، يتم التوافق عليهم ويفرضون من قبل النظام السوري، أما المعارضة الخارجية، فليست أحسن حال منها، خصوصاً بعد أن أصبحت كامل واجهاتها مرتبطة بهذا الطرف الإقليمي أو ذاك.

بهذا التمثيل غير الحقيقي للشعب السوري، تصبح أي عملية تفاوضية، مجرد تمييع للمطالب الأساسية لهذا الشعب، وتصبح كأنها إعادة إنتاج النظام السوري القائم بصيغة أخرى وهو الذي ثار السوريون ضده.

من حسن حظ الشعب السوري، أن هذه التوليفة من المعارضات الداخلية والخارجية، والتي لا تمثل حقيقة ما يريده الشعب السوري، وتبتعد عن جوهر ثورته، لم تصل إلى مرحلة التفاوض الحقيقية والمثمرة التي تقرر الحل السياسي، وظلت مجرد جولاته التفاوضية شكلية، وبلا أي معنى. هذا الفشل في الوصول إلى نتائج حقيقية لم يكن بسبب التعارض الكبير بين الطرفين، أو بسبب تعثُر المفاوضات، بل كان أساساً بسبب رهان النظام وتوهمه أنه لا يزال قادراً على حصر قيادة سوريا به، كما كان قبل الثورة السورية، وهذا ما حاولت إيران وروسيا تكريسه بالقوة، وأقنعت النظام بإمكانية اعتماده كصيغة حل وحيد في سوريا، وكان أيضا بسبب ثبات الشعب السوري، ورفضه وعدم مساومته على مطلبه الأساسي بإسقاط رموز النظام الأساسيين وتحقيق انتقال سياسي حقيقي.

اليوم، وبعد أن أصبح النظام السوري في حالته الراهنة من الضعف وعدم القدرة، وبعد انشغال داعميه الأساسيين بمشكلاتهم وحروبهم، وبعد الضربة القوية التي وجهها الحراك النوعي للسويداء، وبعد أن فشلت الدول العربية في محاولتها فتح الباب أمامه، لم يعد أمامه إلا الذهاب إلى ما رفضه سابقاً، وهو الذهاب إلى تفاوض حقيقي يؤدي إلى نتائج ملموسة.

المشكلة بالنسبة للشعب السوري لم تعد النظام فقط، فقد ضعف هذا النظام وتعرى حتى آخره، ولم يعد خافياً على أحد داخلياً وخارجياً، طبيعته وبنيته.. لكن المشكلة اليوم هي فيمن يدّعون تمثيل الشعب السوري، وإن كانت المساعي التي قامت بها أطراف دولية وعربية لتعويم بشار الأسد قد فشلت في معظمها، ولم تعطِه ما يريد، فهل تسند مهمة محاولة تعويمه مرة أخرى للمعارضة السورية الهزيلة والتابعة؟

تحتمل صيغة القرار 2245 تفسيرات متباينة له، فهو باختصار يتيح قراءات متعددة، وهذا ما قد يجعل منه غطاءً شرعياً لتسوية تبتعد عما يريده الشعب السوري، وعما قامت من أجله الثورة السورية، ومن هنا تأتي أهمية من يمثلون الطرف الآخر المتفاوض مع النظام، لكن التركيبة الحالية للجهات المفروضة على واجهة الثورة، لا يمكن لها أن تنجز تفاوضاً يلبي حاجة سوريا والسوريين.

المأساة هي في تلك الشخصيات المرتهنة، والتابعة التي ركبت الثورة وجاءت من خارجها، وهي الآن تفاوض باسمها، شخصيات لا تتجاوز عدد أصابع الكفين، تتبادل الأدوار في مسرحية هزلية سمجة أعلن الشعب السوري مراراً عن رفضه لها، فهل يمكن القبول بها لتمثيل السوريين، والدفاع عن مصالحهم، وعن ثورتهم التي دفعوا من أجلها ثمناً باهظاً وقاسياً؟

البناء على حراك السويداء، وتلاشي البيئة المؤيدة للنظام في كل مناطق سيطرته، تفتح الباب أمام السوريين اليوم للاتفاق على ثوابت أساسية لأي صيغة حل سياسي

إن السوريين بحاجة ماسة لكسر المعادلة الراهنة في طرفي التفاوض القائم حاليا، وإنجاز معادلة جديدة، بصيغة جديدة، تعكس المصالح الحقيقية للشعب السوري، إذ إن الصيغة القائمة لا تعكس في كلا طرفيها مصالح الشعب السوري، ولا ترقى أبداً للمسؤولية التاريخية التي تفرضها الوقائع والضرورات الوطنية، وباستمرار هذين الطرفين في التحدث باسم السوريين، فإن سوريا ذاهبة مرة أخرى إلى دوامة جديدة، ستعيد إنتاج الاستبداد والطغيان، وتعيد سيرورة الحكم السابق على نحو أشد خراباً.

قد تكون هناك صعوبة في اختيار ممثلين جدد للمعارضة السورية، لكن البناء على حراك السويداء، وتلاشي البيئة المؤيدة للنظام في كل مناطق سيطرته، تفتح الباب أمام السوريين اليوم للاتفاق على ثوابت أساسية لأي صيغة حل سياسي، مهما تكن الأطراف المتفاوضة حوله، ومهما تكن الجهات الداعمة، ثوابت تبدأ من أن بقاء رموز النظام القائم اليوم بأي صيغة من الصيغ ينسف حجر الأساس في القرار 2245، وهو شرط البيئة الآمنة، المحايدة، التي يجب أن تسبق تفاصيل الانتقال السياسي، وبالتالي فإن الإعلان الصريح بأن الشرط المفتاحي لأي حل سياسي قادم، يجب أن يقرّ بوضوح بتحميل رموز النظام القائم مسؤولية الدمار، والخراب، والتهجير، والقتل وكل الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، وهي - أي رموز النظام - خارج أي حل سياسي قادم لسوريا.