في صمود العلاقة بين سوريا وروسيا

2022.03.18 | 04:46 دمشق

jsr_alryys.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكد الحرب الروسية تبدأ على أوكرانيا، حتى نزل الروس إلى شوارع موسكو وسانت بطرسبورغ، وفي أكثر من خمسين مدينة في مظاهرات احتجاج على الحرب، اعتقل على إثرها نحو أربعة آلاف شخص. عُزي هذا التحرك الجريء، عند تناقل الخبر إلى مكانة أوكرانيا لدى الروس، فهناك ملايين الروابط التي تجمع بين العائلات الروسية والأوكرانية، عدا الوشائج الثقافية واللغوية والدينية بين البلدين.

شكل هذا نوعا من الرد على لماذا لم ينزل الروس إلى الشوارع للتظاهر ضد قصف روسيا لحلب في سوريا سنة 2016، وما تسببت به القوات الروسية في إطار الحرب السورية بين النظام والشعب، وما أدت إليه من كوارث إنسانية.

صحيح أن الروابط بين السوريين والروس أقل تاريخية وعمقا، لكنها روابط لا يستهان بها، فإذا اقتصرنا على التاريخ الحديث فقد بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، مع بداية نشوء الأحلاف، وانقسام العالم إلى كتلتين، وشراء السلاح من الكتلة الشرقية، ووقوف روسيا إلى جانب العرب ضد إسرائيل خلال الحرب، ودبلوماسياً في مجلس الأمن، عدا توافر حزب شيوعي تابع لموسكو، يتخذ مواقفه بالتنسيق معها، وإلى ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وسقوط المرجعية الشيوعية في البلد الأم، ما زال الشيوعيون السوريون منحازين لها رغم تخلي روسيا حتى عن الاشتراكية، بل وباركوا مسارعتها إلى إنقاذ النظام ولو كان بالدبابات والطائرات وتدمير الشمال السوري، وسيطرتهم على الأوضاع، حتى أن سوريا أصبحت دولة محتلة.

الإضافة المهمة الإنسانية الدالة على روابط حقيقية، أن المبعوثين السوريين تزوجوا على مدى عدة عقود بالآلاف من الروسيات، وكونوا عائلات وأنجبوا أولادا يحملون السمات التي تجمع بين الملامح السلافية والشرق أوسطية. كذلك الروابط الثقافية القوية مازالت قوية، فالأدب والمسرح والموسيقا الروسية، مكانتها غير مختلف عليها لدى السوريين، فالمركز الثقافي الروسي كان مقصد المثقفين السوريين بأطيافهم كافة. كما أن الكتب الحمراء شهدت انتشارا هائلا، فماركس وأنجلز ولينين وستالين، حظوا بنشر أعمالهم الكاملة. كما قامت دور نشر روسية بترجمة مئات الكتب الروسية إلى العربية. وإن كان الفضل للدبلوماسي والأديب السوري سامي الدروبي بترجمة أعمال دوستوفسكي وتولستوي الكاملة تقريبا، وصدورها في دور نشر عربية. فالأدب الروسي العظيم كانت مكرماً لدى العرب بصرف النظر عن الدعاية البلشفية. أما الدين فالروابط مع الجمهوريات الإسلامية الآسيوية حافظت عليها لا بسبب دكتاتورياتها، بل كان لرابطة الإسلام الدور الأكبر، هذا لنشير إلى تعدد الروابط مع الاتحاد السوفييتي السابق قبل اللاحق.

صحيح أن الروابط بين السوريين والروس أقل تاريخية وعمقا، لكنها روابط لا يستهان بها، فإذا اقتصرنا على التاريخ الحديث فقد بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، مع بداية نشوء الأحلاف، وانقسام العالم إلى كتلتين

ومن الجدير بالذكر أن المسلحين الشيشانيين جاؤوا إلى سوريا لقتال الروس أيضا، مثل أشقائهم الشيشانيين أيدوا الجيش الروسي في القضاء على الثورة السورية، أي كانوا على الجبهتين، وكأن القتال دائر بينهم أيضاً.

إذن، ثمة روابط تهيب بالروس على الأقل التفكير بالتظاهر ضد قصف حلب. للأسف كان هناك إجماع روسي على غزو سوريا. مع أن الوازع الإنساني للشعوب، كان يجب أن يحض الأهالي الروس على الوقوف إلى جانب شعب مثلهم يعاني من دكتاتور لا يقل عن دكتاتور بلدهم، كما أن لديهم أولادا سوريين يمتون إليهم بصلة القربى.

اليوم تنشأ روابط جديدة ستتعمد بالدم على الجبهات القتالية، فالمسلحون السوريون الموالون للنظام، موالون أيضا للروس، يسارعون إلى التطوع لقاء المال لقتال الأوكرانيين، فالروس حبذوا المقاتلين السوريين لأنهم أقل كلفة من صنيعتهم فاغنر، أي لم يكن للجانب الإنساني دور في الاعتبار، فالحروب عمياء، استغلت روسيا حاجة الميليشيات السورية العاطلة عن العمل إلى تأمين وسائل العيش لعائلاتهم، فسوريا تعاني في الداخل من أزمات لم يعد لها من حل في الأفق المنظور، أحدها الجوع. كذلك هناك حديث يدور حول استعداد مسلحي المعارضة لمقاتلة الروس في أوكرانيا، وللأسباب نفسها. طبعاً ليس بلا مقابل. فالسوريون سيقاتلون سوريين في أوكرانيا، مثلما كانوا يتقاتلون في سوريا، فإذا بردت الحرب في الوطن، فهي ساخنة في أوكرانيا.

ليس أن الإنسانية لا مكان لها، بل منتزعة لحساب النظام والاحتلال يستغلون شعبيهما ويتلاعبون بهما، فالإعلام الروسي صور قصف المناطق المحررة الآمنة بأنها لإنقاذ سوريا من الإرهابيين، فحول الطيارين الروس إلى قتلة، بينما النظام السوري أودى بأحوال السوريين إلى الفاقة والشظف، فحول السوريين إلى مرتزقة. 

وسواء تطورت العلاقة بين روسيا وسوريا نحو الأفضل أو الأسوأ، فقد كانت في مراحل تدهورها تتم بين حكومات البلدين. بينما في مراحل صعودها، كانت خطرة، تتم أيضا بين حكومات البلدين، لكن ما جعلها صامدة، وصحح مساراتها على الرغم من الكتب الحمراء، فهو الثقافة الحقة، وصلات القربى، أي لنقل العلاقات الإنسانية.