icon
التغطية الحية

في حفل تخريج حفظة القرآن بآيا صوفيا.. آية قرآنية تجدد جدلاً قديماً في تركيا

2021.06.04 | 11:48 دمشق

5f034407-442b-4c7d-bdba-2a5ddf25555c.jpeg
إسطنبول - صالح عكيدي
+A
حجم الخط
-A

بعد افتتاحه لمسجد تقسيم المثير للجدل، توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء يوم الجمعة الماضي، برفقة رئيس مجلس الأمة التركية مصطفى شنتوب ورئيس الشؤون الدينية علي إيرباش، إلى مسجد آيا صوفيا الكبير الذي أعيد افتتاحه مسجداً في الآونة الأخيرة بعد أن كان متحفا، لحضور مراسم تكريم 136 طفلا وشابا من طلاب مدرسة مرمرة الشرعية المتوسطة (إمام خطيب) ممن أتموا حفظ القرآن. ومن بينهم حفيد طيب أروغان من ابنه بلال، وابن رئيس مجلس الأمة شنتوب.

بينما أثارت مشاهد الرئيس التركي يتلو آيات من سورة آل عمران أمام عشرات الطلاب ممن لبسوا العمامات والجلابيات البيضاء مشاعر إيجابية عند الجناح الإسلامي المحافظ، تسبب مشهد آخر من المراسم باستفزاز الجناح العلماني الأتاتوركي، ليكون الحدث مرآة أخرى للاستقطاب الإيديولوجي المتصاعد في تركيا.

 

تكفير مبطن لمؤسس الجمهورية التركية

بحضور أردوغان وعدد من مسؤولي الصف الأول ألقى الإمام مصطفى دميركان خطبة في أثناء المراسم، قال فيها: "أنشئت المعابد كهذا لكي تبقى معابد، ولكنا شهدنا زمنا حول فيها هذا المكان إلى متحف ومنعت فيه الصلاة والأذان لما يقارب القرن من الزمن".

وأكمل: "من أشد ظلما وكفرا من هؤلاء؟"، وتابع حديثه سائلا الله "ألا تترأس هذه العقلية هذه الأمة مرة أخرى"، مستشهدا بالآية القرآنية: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ"، في إشارة منه إلى كمال باشا أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية والذي حول مسجد آيا صوفيا إلى متحف في عهده – بحسب من جاء منهم ردود الفعل السلبية.

 

 

ومن الجدير بالذكر أن الإمام صاحب هذه الكلمات مصطفى دميركان ينحدر من بلدة أردوغان نفسها، "كونيسو" التابعة لمدينة "ريزة" في إقليم البحر الأسود. ومعروف بصداقته المتينة مع أردوغان، بحسب موقع "تايم تورك" التركي.

ردود فعل شعبية وسياسية

تسببت كلمات دميركان بردود فعل كبيرة عند قطاعات من الشعب التركي، عبروا عنها في منصات التواصل الاجتماعي، مطالبين بمحاسبة الإمام، ومعتبرين أن الكلمات وراءها الرئيس التركي أردوغان نفسه. أما القطاع الشعبي ذو التوجه الإسلامي، فأبدى امتعاضه من الاعتراض على موعظة دينية مدعمة بآيات من القرآن، رافضين قراءتها بسياق سياسي.

ما لبث أن وصل صدى الجدل الشعبي إلى أروقة السياسة، فجاء رد حزب "الجيد" على لسان نائب الرئيس "باهدر إيردم" الذي قال: "لولا مصطفى أتاتورك، قائد معركة الاستقلال ومؤسس الجمهورية التركية، لأصبحت آيا صوفيا كنيسة، ولما استطاع أن يكون فيها الإمام الذي أهان أتاتورك ولا من استمع إليه".

أبرز ردود الفعل وأكثرها إثارة للانتباه كانت من "دولت بهجلي" زعيم حزب الحركة القومية اليميني، وحليف أردوغان بالسلطة، إذ فاجأ المتابعين بمهاجمته الإمام بقسوة، ومشددا على مكانة مصطفى أتاتورك عند الأمة التركية: "أتاتورك مظلتنا، وحدتنا، ورمزنا.. يجب ألا يجرؤ أحد على جرح وحدتنا بمواعظه الدينية.. هل يظن من يطول لسانه أتاتورك أنه مسلم أفضل؟ لولا أتاتورك فخر الملة التركية وحارس الإسلام لما سمعت أذنكم الأذان"، ووصف بهجلي من يهين أتاتورك بعديمي العقل.

أما رد حزب الشعب الجمهوري وريث وصايا أتاتورك، فجاء عبر زعيمه كمال كلجدار أوغلو في خطاب له في اجتماع حزبي، إذ ندد "بقلة الاحترام" التي يكنها الإمام لتاريخه، وحمل المسؤولية لرجال الدولة الحاضرين في أثناء الخطبة لعدم إبدائهم أي ردة فعل.

وتساءل: "هل افتتحتم آيا صوفيا لكي تسبوا أتاتورك؟".

أما رئيس مجموعة الحزب البرلمانية "أوزغور أوزال"، فقال عبر حسابه على تويتر: "أبلغكم أننا لن نترك إهانة مصطفى كمال أتاتورك، سبب حرية واستقلال بلادنا، تمر بسلام. أتعهد أننا سنسأل الحساب من أصحاب هذه الخطبة، وممن استمعوا إليها بصمت". كما صرح "أوزال" بإبلاغه شكوى للنائب العام ضد الإمام استنادا إلى القانون رقم 5816. لتتوالى بعدها عشرات بلاغات الشكاوى ضد الإمام "دميركان"، من قبل أحزاب أخرى، شخصيات عامة ونقابات، متهمين الإمام بإهانة "رمز الجمهورية التركية ومؤسسها" ومطالبين بمحاسبته.

 

 

أما تعقيب حزب العدالة والتنمية على الموضوع فجاء مقتضبا عبر المتحدث باسمه "عمر جيلك"، إذ أكد عبر حسابه على تويتر على "مكانة أتاتورك العالية والمشتركة للأمة" وأرجع الفضل إليه وإلى رفاق سلاحه بحماية "الأمة بأذانها ومساجدها وجوامعها" من الأعداء.

ما هو القانون 5816؟

قانون الجرائم المرتكبة ضد أتاتورك، أو قانون حماية أتاتورك كما يعرف في الوسط التركي، هو قانون اعتمد في عام 1951 في عهد حكم الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس، بعد ازدياد الهجمات على تماثيل أتاتورك حينذاك.

ويرى مطلعون على التاريخ الحديث التركي أن القانون حمل في أثناء إصداره أسباباً سياسية متمثلة بتحجيم "عصمت إنونو" أحد رفاق أتاتورك واللاعب البارز في السياسة التركية حينذاك، بعد أن بدأ الأخير بتصدير نفسه كبطل تركيا القومي.

يثار الجدل حول هذا القانون في تركيا بشكل دوري، لكنه ما زال باقياً وإن خفت وتيرة العمل به.

         
أبرز مواده:
1. يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات كل من يهين علنا أو ينتهك ذكرى أتاتورك. ويعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات كل من يحاول تخريب أو ينتهك النصب التذكارية التي تمثل أتاتورك أو قبره. كما يعاقب المحرضون على ارتكاب هذا النوع من الجرائم الواردة في الفقرات أعلاه مثل مرتكبها.

2. إذا ارتكبت الجرائم المنصوص عليها في المادة الأولى من قبل شخصين أو أكثر جماعيا أو في أماكن عامة أو عن طريق الصحافة، تزيد العقوبة بمقدار النصف.

3. تقوم النيابات العامة وبشكل فوري بمتابعة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.